المجتمع الدولي استغرق وقتاً طويلاً حتى استوعب الفكر الانتحاري لأحد التيارات السنية المتطرفة والمعروف بالقاعدة، فخصص له الأبحاث والدراسات، إنما لم ينتقل الاهتمام به على مستوى الرأي العام الأمريكي والدولي إلا بعد الحادي عشر من سبتمبر؛ حيث خرج نطاق الاهتمام به من قاعات البحث والدراسة إلى الإعلام وأصبح قضية رأي عام دولية.
وإلى هذه اللحظة لم يخرج الاهتمام بالتيارات الراديكالية الشيعية عن بعض الدراسات والأبحاث، ولم يجد له تركيزاً -إعلامياً- يوازي المتغيرات التي طرأت وأدت لصعود تيارات شيعية انحرفت لتحترق بنار العنف بعد أن ظنت أن بإمكانها (ضبطه)، على قول بعض الفتاوى كفتاوى الشيرازيين في هذه المسألة، والتي دعت إلى العنف (المنضبط)!!
والنتيجة أن فوجئت الأوساط البحثية بخروج العنف الشيعي عن حالة الانضباط ، وذهبت ضحايا وأرواح شيعية حين قتل الحكيم وقتل الخوئي وأريقت دماء بين بعض الجماعات الشيعية في العراق، وبدأت بعض المجموعات تخرج عن نطاق (الانضباط) العلمائي في التعامل مع الوجود الأمريكي في العراق.
ولا أدري بالنسبة لنا في البحرين، وبعد أن أريقت دماء شيعية -إن صح التعبير-، هل مازال علماؤهم واثقين أنهم قادرون على (ضبط) هذا العنف؟ وبعد أن بدأ أبناء بعض السنة يدفعون ثمناً للصدام بين أبناء الشيعة ورجال الأمن؟
وهل بقية العلماء الآخرين كالمجلس العلمائي الصامت مازال يعتقد أن العنف ممكن ضبطه بين هؤلاء الملثمين؟
هذه مؤشرات تحتاج إلى وقفة وأن تخرج من حدود قاعات الدراسة التي تتابع الشأن العراقي أو الإيراني إلى أن تناقش علناً في الأوساط المحلية بعد أن بدأت بوادر ذلك الاهتمام تظهر في وسائل الإعلام الغربية، وقد كتب في هذا الموضوع جوان كول بروفسير عالم التاريخ في جامعة ميتشيجان وقدم لها ليونيل بيرن من جامعة ييل دراسة تشير لهذه المتغيرات.
دور رجال الدين الشيعة في تنامي ظاهرة العنف في البحرين دور رئيس وحاسم، فالبحرين اليوم تخوض حرباً دينية يقودها رجال دين شيعة يجندون الأطفال والمراهقين بما يطلقون عليه العنف (المنضبط)، وبدلاً من الحزمة الناسفة المربوطة في صدر ضحايا القاعدة مع مفتاح الجنة يحمل الطفل الشيعي اليوم مولتوفاً في يده جنباً إلى جنب مع مفتاح الجنة الموعودة في حال قتل أثناء المواجهة مع رجال الأمن، ويبشر بها ذووه بعد تشييعه!
والوفاق لا تنأى بنفسها عن هذا الفكر؛ بل تعززه وتسايره معتقدة أن سقوط الضحايا ورقة بإمكانها الاستفادة منها سياسياً في لعبة غير مضمونة وبمجازفة في غاية الخطورة، خصوصاً بعد صدور أحكام على رجال الامن من الطائفة السنية!
هذه الظاهرة الجديدة تحتاج إلى توثيق وأرشفة وإعدادها للباحثين والدارسين والمهتمين بظاهرة التيارات الدينية المتشددة، فلطالما كان الجهاد الانتحاري مرتبطاً بالتيارات السنية المتشددة ولم ينتبهوا بعد للمتغير الذي طرأ على الفكر الديني الشيعي الراديكالي، رغم أن الحالة العراقية كانت هي الفاتحة والخازنة لهذه التيارات، وبدأت تيارات شيعية من هناك تحاكي النموذج الانتحاري السني، ولهذا فالعراق يحوي الآن خزائن لا حصر لها لدراسة هذا المتغير، إلا أن البحرين تعد نموذجاً آخر رغم أنه أقل حدة لكنه يتبنى العنف (المنضبط) في أول شراراته.
فإن لم يربط حزام ناسف على صدر شيعي في البحرين إلى الآن؛ إنما حمل الشاب والطفل الشيعي المولوتوف من منطلق ديني ويلقى به للتهلكة مقابل نيل الشهادة في الجنة ويهنئ بموته علماء الدين الشيعة باعتباره شهيداً دينياً، حتى وإن سقط وعلى يده آثار البنزين، اذاً نحن أمام ذات الفكر الذي يكافئ المنتحر بالجنة.
وحين يتلقى ذوو الأطفال التهاني من (العلماء) راضين وقابلين أن يدفعوا بأبنائهم (قرابين) لرضا (السيد) فأنت أمام حرب دينية.
هذا بالضبط ما تواجهه البحرين، وهذا ما يجب أن يوثق بالصور وبالصوت، إن مهمتنا الآن هي توثيق هذا الواقع وتوثيق دور رجال الدين قبل وأثناء وبعد سقوط الضحية كخطاب وكممارسة، الأدلة والقرائن أكثر مما نحتاج، فخطاب رجال دينهم موجود بالفيديو ومصور سواء مرجعياتهم البحرينية أو التي هي خارج البحرين، وكذلك مدون على مواقعهم وتغريداتهم حافلة بدلائل التحريض وقيامهم بتهنئة ذوي الضحية وتسميته (بالشهيد) يعزز حقيقة دورهم الراعي والمحرض على الحرب الدينية.
صمت المجلس العلمائي يحتاج لتوثيق وتحريضه يحتاج لتوثيق ومشاركة الوفاق لهذا الدفع الخطير للعنف يحتاج لتوثيق، البحرين بحاجة لتوثيق وبحث وربط هذه الحالات مع الخطاب الديني الشيعي المتشدد لبناء القرائن والأدلة لا لتقديمها للمنظمات الدولية الحقوقية فحسب؛ بل حتى لتقديمها للباحثين والدارسين في العالم العربي والأوروبي والأمريكي فنحن أمام تنامي ظاهرة (الجهاد) الشيعي .