يقول المثل “امش صح يحتار عدوك فيك”، ويقول المثل الدارج “لا تبوق لا تخاف”، ونعرف تماماً أن من يمارس الكذب والتلفيق والفبركة يكره “الحقيقة”، ويكره من يتحدث بها، ويكره من يقف له ليبين زيفه وادعاءاته ومحاولاته تضليل الرأي العام.
قال لي أحد “شياب” هذا البلد يوما: ما عافس ديرتنا إلا الكذب. والله صدق، فالكذب يقتل الحقيقة، ويجعل المجتمع يصل لأدنى المستويات، فلا تكاد تميز بين الخبيث والطيب.
هناك كثير ممن يتمصلحون من وراء الكذب ومن وراء تغييب الحقائق، ومن شغلهم الشاغل تسقيط مخالفيهم، ومن هدفهم قمع أي كلمة حق تقال. هذا أسلوب الضعفاء، فالقوي والواثق من نفسه هو من يدافع عن قضيته بالحقيقة ويفند كل ما يواجهه بالدلائل والشواهد.
هناك من يعادي الآخرين فقط لأنهم يخالفونه الرأي، من يرفضون أن يختزلهم جميعاً في كلامه وأقواله، مثال ذلك ما حصل من محاولة “اختطاف” صوت “الشعب” بأكمله في محاولة الانقلاب الفاشلة، وهي ممارسة لا توجد فقط عند كارهي الوطن وحارقيه، بل توجد حتى لدى كثير من المتنفذين وأصحاب الكراسي، حينما يعمدون لاختزال رأي الناس في رأيهم، وحينما يتحدثون عوضاً عن الناس ودون تخويل منهم.
كنا نقول ومازلنا من باب النصح ومن منطلق الإصلاح بأن حال البلد ينصلح في كثير من الأمور حينما يتم تولية “القوي الأمين”، حينما يتم الاعتماد على من ينكرون ذواتهم لأجل الناس، وعلى من يخافون الله في كل شيء، فيوصلون هموم الناس بمصداقية ولا يغيبونها. لكننا للأسف نعيش اليوم وضعاً مخيفاً، فالذمة والضمير بالكاد يكونان ظاهرين عوضاً عن كونهما في “عداد الموتى” وفي تقدير “المستتر”. هو زمن تسقط فيه المبادئ، وتموت فيه الحقيقة على المذبح.
صوت الناس أمانة، وثقتهم مسؤولية، وإيصال همومهم “حمل” ثقيل لا يقوى عليه إلا من يقول كلمة الحق ولو على نفسه. بينما من يمارس خلاف ذلك لا تجده إلا ساعياً لخنق أي صوت ضده حتى لو كان صوت الناس الذين صدقوه ووثقوا به.
لست أتحدث عن كشف خطير هنا حين أقول بأننا في زمن صار فيه الكاذب صادقاً والصادق كاذباً، وفي زمن يؤتمن فيه الخائن ويخون الأمين، فهي علامات للساعة، وهو مسبار لحال مجتمع غلبت فيه مصالح الأفراد على مصالح الفئات العريضة، مجتمع يتخذه بعضهم ساحة لعب يتعامل معه بأسلوب “اللي تغلب به العب به”، وليس مهما لو خدعت الناس، مرة، مرتين وحتى ألفا، ليس مهما لو اتخذتهم سلما وعتبات تصعد فوقها بعدها تنساهم، ليس مهما أن تغرر بهم وتدفعهم للموت والتضحية بأراوحهم فداء لك.
هو زمن تطلق فيه شعارات جميلة رنانة، اختاروا ما تريدون، حرية، شفافية، مصداقية، نكران للذات، عمل لأجل الناس، مصلحة عامة لا خاصة، لكن في النهاية يأتي الواقع لتصدم به وتكتشف بأنها شعارات “قليلة الدسم” للاستهلاك الإعلامي ليس إلا، يستخدمها كثيرون وهم لا يؤمنون بها، فقط لأنها “سهلة” و«خفيفة” على اللسان، وتكفي كشعارات لتحريك الناس، بينما الواقع يمضي ليكشف كثيراً من قبح الأفعال، وكيف أن كثيراً من الأقوال مآلها للنسيان.
ما أصعبها من مسؤولية حينما تحمل هم الناس، وحينما تأخذ عهداً أمام الله قبل الناس بأن تكون لسان صدق لحالهم ثم تخالف ذلك، ويكون قمع صوتهم هو شغلك الشاغل. أليس هذا مشهداً بات يتكرر اليوم وبكثرة ونجده في كل اتجاه؟!
كيف تحل مشاكل الناس وهي لا تصل بشكل صريح وشفاف للمعنيين بحلها؟! كيف نعرف أن هنا مأساة عائلة، وأن هناك أناساً يعانون، وأنه في ذلك الزقاق الضائع وسط الظلام أفراد يريدون إيصال محنتهم لكن لا سبيل لذلك؟!
لنخنق الأصوات أكثر ولنقل بعدها بأننا نعيش ونتنفس الحرية. لنستغل الناس أكثر ولنقل لهم بعدها أننا نعمل من أجلكم ونضحي لأجلكم.
آه يا زمن، بات الصدق فيك كالمستحيلات الأربعة في الأساطير العربية، وبات فيك الكذب واستغلال الناس أكثر من الهواء الذي يتنفسه البشر.
اتجاه معاكس
في المواقف تنكشف معادن الرجال، تنكشف الوجوه الحقيقية، تعرف حقيقة إيمان بعضهم بالشعارات التي يرفعونها.
صدق الشاعر في قوله: جزى الله الشدائد كل خير عرفت بها عدوي من صديقي.
{{ article.visit_count }}
قال لي أحد “شياب” هذا البلد يوما: ما عافس ديرتنا إلا الكذب. والله صدق، فالكذب يقتل الحقيقة، ويجعل المجتمع يصل لأدنى المستويات، فلا تكاد تميز بين الخبيث والطيب.
هناك كثير ممن يتمصلحون من وراء الكذب ومن وراء تغييب الحقائق، ومن شغلهم الشاغل تسقيط مخالفيهم، ومن هدفهم قمع أي كلمة حق تقال. هذا أسلوب الضعفاء، فالقوي والواثق من نفسه هو من يدافع عن قضيته بالحقيقة ويفند كل ما يواجهه بالدلائل والشواهد.
هناك من يعادي الآخرين فقط لأنهم يخالفونه الرأي، من يرفضون أن يختزلهم جميعاً في كلامه وأقواله، مثال ذلك ما حصل من محاولة “اختطاف” صوت “الشعب” بأكمله في محاولة الانقلاب الفاشلة، وهي ممارسة لا توجد فقط عند كارهي الوطن وحارقيه، بل توجد حتى لدى كثير من المتنفذين وأصحاب الكراسي، حينما يعمدون لاختزال رأي الناس في رأيهم، وحينما يتحدثون عوضاً عن الناس ودون تخويل منهم.
كنا نقول ومازلنا من باب النصح ومن منطلق الإصلاح بأن حال البلد ينصلح في كثير من الأمور حينما يتم تولية “القوي الأمين”، حينما يتم الاعتماد على من ينكرون ذواتهم لأجل الناس، وعلى من يخافون الله في كل شيء، فيوصلون هموم الناس بمصداقية ولا يغيبونها. لكننا للأسف نعيش اليوم وضعاً مخيفاً، فالذمة والضمير بالكاد يكونان ظاهرين عوضاً عن كونهما في “عداد الموتى” وفي تقدير “المستتر”. هو زمن تسقط فيه المبادئ، وتموت فيه الحقيقة على المذبح.
صوت الناس أمانة، وثقتهم مسؤولية، وإيصال همومهم “حمل” ثقيل لا يقوى عليه إلا من يقول كلمة الحق ولو على نفسه. بينما من يمارس خلاف ذلك لا تجده إلا ساعياً لخنق أي صوت ضده حتى لو كان صوت الناس الذين صدقوه ووثقوا به.
لست أتحدث عن كشف خطير هنا حين أقول بأننا في زمن صار فيه الكاذب صادقاً والصادق كاذباً، وفي زمن يؤتمن فيه الخائن ويخون الأمين، فهي علامات للساعة، وهو مسبار لحال مجتمع غلبت فيه مصالح الأفراد على مصالح الفئات العريضة، مجتمع يتخذه بعضهم ساحة لعب يتعامل معه بأسلوب “اللي تغلب به العب به”، وليس مهما لو خدعت الناس، مرة، مرتين وحتى ألفا، ليس مهما لو اتخذتهم سلما وعتبات تصعد فوقها بعدها تنساهم، ليس مهما أن تغرر بهم وتدفعهم للموت والتضحية بأراوحهم فداء لك.
هو زمن تطلق فيه شعارات جميلة رنانة، اختاروا ما تريدون، حرية، شفافية، مصداقية، نكران للذات، عمل لأجل الناس، مصلحة عامة لا خاصة، لكن في النهاية يأتي الواقع لتصدم به وتكتشف بأنها شعارات “قليلة الدسم” للاستهلاك الإعلامي ليس إلا، يستخدمها كثيرون وهم لا يؤمنون بها، فقط لأنها “سهلة” و«خفيفة” على اللسان، وتكفي كشعارات لتحريك الناس، بينما الواقع يمضي ليكشف كثيراً من قبح الأفعال، وكيف أن كثيراً من الأقوال مآلها للنسيان.
ما أصعبها من مسؤولية حينما تحمل هم الناس، وحينما تأخذ عهداً أمام الله قبل الناس بأن تكون لسان صدق لحالهم ثم تخالف ذلك، ويكون قمع صوتهم هو شغلك الشاغل. أليس هذا مشهداً بات يتكرر اليوم وبكثرة ونجده في كل اتجاه؟!
كيف تحل مشاكل الناس وهي لا تصل بشكل صريح وشفاف للمعنيين بحلها؟! كيف نعرف أن هنا مأساة عائلة، وأن هناك أناساً يعانون، وأنه في ذلك الزقاق الضائع وسط الظلام أفراد يريدون إيصال محنتهم لكن لا سبيل لذلك؟!
لنخنق الأصوات أكثر ولنقل بعدها بأننا نعيش ونتنفس الحرية. لنستغل الناس أكثر ولنقل لهم بعدها أننا نعمل من أجلكم ونضحي لأجلكم.
آه يا زمن، بات الصدق فيك كالمستحيلات الأربعة في الأساطير العربية، وبات فيك الكذب واستغلال الناس أكثر من الهواء الذي يتنفسه البشر.
اتجاه معاكس
في المواقف تنكشف معادن الرجال، تنكشف الوجوه الحقيقية، تعرف حقيقة إيمان بعضهم بالشعارات التي يرفعونها.
صدق الشاعر في قوله: جزى الله الشدائد كل خير عرفت بها عدوي من صديقي.