الإعلام التقليدي البحريني انقسم كثيراً تجاه تعامله مع أزمة 2011، ومازال هذا الانقسام مستمراً لأنه يعكس الانقسام الأكبر الذي يعاني منه المجتمع المحلي، ولذلك تظهر تصنيفات لا تنتهي لتصف كل وسائل الإعلام هنا. رغم هذا الانقسام الحاد والظاهر والكبير والمعلن، فإن وسائل الإعلام التقليدية اتفقت بشكل غير رسمي ودون اتفاق مكتوب على نهج واحد في التعامل مع الأحداث الأمنية التي تشهدها البلاد، ولذلك لا نشاهد كثيراً تغطيات إعلامية موسعة لأنشطة الإرهاب والعنف السياسي الذي تشهده العديد من قرى ومدن المملكة يومياً وعلى مدار الساعة. الحكمة من هذا النهج الذي بات عرفاً في الصحافة البحرينية على الأقل، هو عدم إبراز الإرهابيين وأنشطتهم إعلامياً ليتحولوا إلى أبطال، وبالتالي يمكنهم أن يحققوا مرادهم بالزعامة، ويصبحوا قادة «الثورة»، وقادة «إسقاط النظام»، و»زعماء الجماهير». أيضاً هدف آخر من التجاهل الإعلامي لمثل هذه الأحداث هو حماية الأمن والسلم الأهليين، بحيث يتراجع الشعور بعدم الأمن لدى المواطنين والمقيمين، وأعتقد أن الإعلام التقليدي والصحافة خاصة تمكن من ذلك بنجاح خلال فترة قياسية وبكفاءة عالية. ولكن السؤال الآن؛ الظروف الأمنية والسياسية داخل الدولة اختلفت كثيراً عما كانت عليه مطلع ومنتصف العام 2011، فهل هناك حاجة لمزيد من السكوت إعلامياً عن مثل هذه الظواهر التي تشهد تهديداً للدولة، وتمثل تحدياً لهيبتها؟ قد يكون الوقت مناسباً للغاية لإعادة التفكير جدياً في تغيير نمط التعاطي الإعلامي مع الأحداث الجارية في ظل تبدل المعطيات، خاصة إذا كانت مثل هذه المعطيات في صالح الدولة، وبات هناك اتجاه قوي محلي وخارجي يؤمن بإرهابية الأعمال التي تتم يومياً باسم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. الحاجة الإعلامية تتطور باستمرار، فإذا كانت الصحافة المحلية على سبيل المثال بعيدة عن مثل هذه الأعمال الإرهابية خلال الفترة الماضية، فقد لعبت شبكات التواصل الاجتماعي دوراً بديلاً على المستوى الإعلامي للصحافة في مناقشة هذه الأمور. وأسفر عن ذلك نتيجة أن الصحافة بعيدة للغاية عن مناقشة الأعمال الإرهابية، مقابل الشبكات الإلكترونية التي يجد فيها الفرد فرصته وحريته الكاملة للحصول على المعلومة والخبر، بل وأكثر من ذلك بكثير عندما تتاح له حرية التعبير والتعليق على مثل هذه الأحداث دون قيود ودون مساءلة قانونية، وفي أحايين كثيرة دون وازع أخلاقي. ليست هذه دعوة لكسر التابو حول الأعمال الإرهابية، فلا يوجد تابو أساساً، وإنما قيد أخلاقي طوعي فرضته الصحافة على نفسها، ولكنها دعوة لوسائل الإعلام لمراجعة نقدية جادة في طريقة تعاملها مع مثل هذه الأحداث، ويبقى الهدف النهائي كيفية دعم جهود الدولة في سبيل محاربة الإرهاب والعنف السياسي والطائفي.
{{ article.visit_count }}