وعد الرئيس محمد مرسي بتحقيق خمسة إنجازات في المائة يوم الأولى وهي؛ الأمن والطاقة والمرور والقمامة ورغيف الخبز، وفي كشف حساب في خطابه المهم في مناسبة احتفالات 6 أكتوبر أوضح أنه حقق معظم تلك التعهدات في المجالات الخمسة مع تفاوت ما بين 60% إلى 85% ومتوسط 70%، وأوضح أنه مسؤول عن ذلك وما فيه من إنجازات وما لم يتحقق من تلك الإنجازات، وقدم تفسيرات لما لم يتحقق موضحاً أنه يشرح الموقف، لكنه لا يبرره، وفي تقديري أن هذا يمثل شجاعة أدبية تذكرنا بالقادة الواعين لعملهم والمدركين لمسيرة التاريخ وحكمه، وقد أشار لذلك عدة مرات في خطابه.المهم الآن ليس الإنجازات التي تحققت كلها أو معظمها، إنما كيفية مواجهة التحديات وهذا يستلزم ثلاثة أمور..الأول: تحديد ما هي هذه التحديات؟.الثاني: وضع أولويات لها في إطار برنامج زمني أسوة بما حدث في المائة يوم الأولى.الثالث: أن يكون الإنجاز والعمل تراكمياً فلا نفقد ما تحقق في المائة يوم الأولى، لأن مشكلة مصر عادة هي في تجاهل العملية التالية لما سبقها وهذا يتطلب المتابعة الدائمة والعقاب على الأخطاء والثواب على الإنجاز.ولو أردت كباحث ومتابع للإنجازات المصرية العظيمة مثل حرب أكتوبر وبناء السد العالي، بل وبناء الأهرامات في العصر القديم، أقول كمتابع من أعماق الصعيد الذي أنتمي إليه أحافظ على علاقة وثيقة معه، ومن بعد حيث أعيش في الغربة، ومن خلال ما ينشر في الخارج ومن الداخل، أجد أن أول التحديات تتمثل في الإصلاح التعليمي الذي هو أساس النهضة، وهذا ما ركز عليه الإمام محمد عبده في أوائل القرن العشرين بخلاف أستاذه جمال الدين الأفغاني الذي ركز على الإصلاح السياسي.بالنسبة للإصلاح التعليمي يكفي الإشارة إلى ثلاثة أمور أولها أن مصر في منتصف القرن الماضي كانت جامعاتها موضع احترام عالمي وتعليمها ومثقفوها هم محور قوتها الناعمة، لكن ذلك كله تراجع في النصف الثاني من القرن حتى إننا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لا نرى وجوداً لجامعة مصرية في دليل شنغهاي لأهم خمسمائة جامعة في العالم، مع تقديري لظهور جامعة القاهرة في بعض السنوات في ذيل تلك القائمة، بينما نجد 7 جامعات إسرائيلية و4 جامعات من جنوب أفريقيا وجامعتين من المملكة العربية السعودية.ثانياً تراجع المستوى الأكاديمي؛ فيتخرج الطلاب من الجامعة غير مؤهلين تأهيلاً علمياً حقيقياً، حتى إن الدروس الخصوصية وصلت للجامعة بعد أن التهمت التعليم العام من الابتدائي إلى الثانوي.ثالثها تدهور مستوى البحث العلمي؛ وفي تقديري آفة ذلك كله إنهاك أستاذ الجامعة في البحث عن لقمة العيش لتدني الرواتب، والآن بعد أن أصدر الرئيس تعليماته برفع الرواتب لأكثر من مائة بالمائة للأساتذة ينبغي الاهتمام بالإداريين، فدورهم لا يقل أهمية عن الأساتذة، والذين لم يعد أمامهم مبرر لعدم الاهتمام بالتدريس. والسبب الثاني هو اهتمام أساتذة الجامعة بالمناصب السياسية منذ تحول الأساتذة إلى وزراء بعد قيام ثورة 23 يوليو المباركة، واستمر هذا التقليد، ومن ثم نسي الأساتذة أن مهمتهم الأساسية ليست السياسة إنما تعليم الأجيال والمساهمة في تطور العلوم، وهذه مهمة أسمى من المنصب الوزاري الذي يلمع بريقه ثم يخبو سريعاً. التحدي الثاني هو الصحة؛ فالرعاية الصحية هي أساس تقدم البشر، والمريض لا يستطيع أن يعمل أو ينتج أو حتى يفكر، لذلك قيل في المثل “العقل السليم في الجسم السليم”، وهنا نواجه نفس معضلة التعليم، الأطباء في التأمين الصحي وفي المستشفيات الحكومية لا يقومون بواجبهم ويفكرون في عياداتهم الخاصة، ولعل لهم بعض العذر فمرتبات الطبيب في التأمين الصحي أضعف من مرتب خادمة غير متعلمة تعمل في المنازل؛ فهل هذا معقول!المطلوب رفع رواتب هؤلاء حتى يشعروا بآدميتهم ومن ثم يهتمون بآدمية المرضى، ومن متابعتي الشخصية لكثير من مستشفيات التأمين الصحي والمستشفيات العامة أشعر بالخجل الشديد لسلوك كثير من الأطباء وإهمالهم المرضى، كذلك سلوك الممرضات وسرقة بعضهن للأدوية والحقن وغيرها. التحدي الثالث هو البيئة؛ فلا وجود لدولة في القرن الحادي والعشرين دون رعاية الحالة البيئية، والبيئة النظيفة هي معيار التقدم، أما التلوث فأصبح سمة مدينة كانت عظيمة وفي مقدمة مدن العالم مثل القاهرة، أما مدن المحافظات فحدث ولا حرج.إن هذا يزيد من المرض ويرتبط بالتلوث البيئي التلوث المائي وتلوث الطعام والقمامة والتلوث السمعي والتلوث البصري للقبح في العمران وغيرها من السلسلة المعروفة، لقد حصلت الدولة رسوم خدمات على فاتورة الكهرباء، لكن تراجعت النظافة، المسؤولية هنا مزدوجة ما بين الشعب والحكومة، وكما يقال في الفقه الإسلامي “إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، فالعقاب يجب أن يطبق على كل مواطن يتسبب في التلوث أو إلقاء القمامة في الشارع، وفي نفس الوقت مسؤولية الدولة توفير صناديق القمامة في الأماكن القريبة من المنازل ومداومة جميع القمامة على الأقل مرتين يومياً، لأن طبيعة الشعب المصري وعاداته الغذائية تجعله ينتج الكثير من مخلفات القمامة. تلك تحديات المائة يوم الثانية لو أمكن تحقيق إنجاز ولو 50% من كل منها فإن الرئيس مرسي سيضمن له مكانة ذات شأن في قائمة قادة مصر الحديثة الذين حققوا إنجازات ملموسة.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90