أتصوّر أن المشكلة الأساسية التي تحجب رؤية الشاب للحدث السياسي بصورةٍ محايدةٍ، أي دون إسقاط تصوّرات مسبقة، تتمثل في الغشاوة الطائفية التي تمنع رؤية المشهد كاملاً، وللأسف يتم تضخيم حجم هذه الغشاوة من قبل بعض وسائل الإعلام؛ حيث لا يستطيع الشاب إلا أن يرى جانباً واحداً للقضيّة دون سواه، مما يدفعه بسرعة إلى التخندّق حول أبناء مذهبه. فإذا حدث عراك مثلاً بين مجموعةٍ معينةٍ من الفتيان، ورافقه عدد من الإصابات البليغة، فإن السؤال الذي بات يتبادر فوراً إلى ذهن الفتى أو المراهق هو: إلى أي فئةٍ أو طائفةٍ ينتمي الجناة والضحية، وليس السؤال المشروع الذي يجب أن يُطرح في مثل هذه الحالات: ما دوافع هذا العراك؟ وهل كان الأمر يستحق أن يتطوّر التراشق اللفظي مثلاً إلى معركةٍ حادّةٍ بالأيدي؟! إن استمرار التفكير على هذا النحو الضيِّق يمكن أن يؤدِّي، في نهاية المطاف، إلى ظهور جيل جديد مشلول العقل بسبب هيمنة النزعة الطائفية المقيتة، ففي مثل هذه الحالة لا يتم النظر إلى الموضوعات أو القضايا في سياقها الوطني العام، وإنما في الإطار الذي يحدِّد مدى ارتباطها بمصالح أبناء هذه الطائفة أو تلك، وهكذا يقوم الشاب بتفسير أي تصرّف كان تقوم به الجهات الرسميّة، بصرف النظر عن مدى حصافته أو عدمها، على أنه موجّه ضدّ أبناء جلدته بشكلٍ مباشر، وضد مصالحه الشخصية، بشكلٍ غير مباشر، ويبدو أن مبدأ “التعلم بالإنابة” يأخذ مجراه بوضوح في هذه الواقعة، حيث ينصّ المبدأ على أن قيام المعلِّم مثلاً بتوبيخ طالبٍ مشاغبٍ في الصف يمنع الطلبة الآخرين من أن يحذوا حذوه لأنهم تعلّموا الدرس، ولكن من خلال زميلهم المشاكس الذي تعرّض للعقوبة، ولكن ماذا لو أن المعلِّم نهر طالباً سأله سؤالاً صعباً أو محيِّراً عجز عن الإجابة عنه، فصبّ جام غضبه عليه بسبب تعرّضه للحرج أمام الطلبة، هل يفترض من بقية طلبة الصف ألاّ يتوجّهوا بالأسئلة التي تقلقهم إلى المعلِّم للرّد عليها لمجرّد أن زميلهم قد تلقّى درساً في الأخلاق بدل الإجابة المنشودة عن سؤاله؟ أعتقد أن ممارسة التفكير العقلاني يمكن أن تميط اللثام عن الكثير من التساؤلات التي تراود ذهن الشباب فيما هم يتلمّسون طريقهم نحو الالتحام ببقية زملائهم والتعاون معهم، بغضّ النظر عن مذاهبهم وأعراقهم.