اختصر الحديث الشريف القائل: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» كل ما يمكن أن يُقال في الخطب والبيانات الإسلامية، وآلاف الكتب والمواعظ والشروح التي تعني بتعريف (المسلم).
المسلم هو الإنسان الذي لا يمكن أن يصدر منه السلوك السيئ، السلوك الذي يؤذي الآخرين، فالمسلم من يأتمنه الناس على أعراضهم وأموالهم ودمائهم، هو الأمين الصادق، وهو الإنسان الذي لا يمكن أن يخافه العباد لأنه لا يمكن إلا أن يكون مسالماً بإسلامه.
لا يمكن أن نقتنع بإسلام الفرد الجوهري من خلال المظهر، فلا إطلاق اللحية المجردة ولا المواظبة على الصلاة والصوم والحج، مقاييس حقيقية لإسلام الفرد، فالدين هو المعاملة، بمعنى أنك حين تكون متديناً فإن ذلك سينعكس مباشرة على أعمالك وكل سلوكياتك، وحينها لن تحتاج لإبراز إسلامك أمام الآخرين عبر تقدّمك صلوات الجماعة في المساجد، وإخراج الزكوات أمام الملأ، أو أن تلبس لباس المتقين، لأن سلوكك حينئذ سيحكي من أنت، وهذا يكفي لأن يكون شهادة لك أو عليك.
إن المبالغة القشرية في المظهر واصطناع السلوك المغاير لمعتقداتنا وقناعاتنا لا يمكن أن ينطلي كل ذلك على المجتمع، خصوصاً مع ازدياد الوعي بين المسلمين أنفسهم، فالناس تريد أن يكون المسلم مسلماً بالفعل لا بالقول، وأن يكون تجلي المفاهيم الإسلامية حاضراً في عمق سلوكه، فالتمثيل والتمظهر والتشبث بالقشور الفارغة لا يمكن أن يكونوا رسالة إقناع للآخرين، لأن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
إن الإسلام الحقيقي يتجلى بأوضح صوره في التعامل مع الأفراد والجماعات، فالمسلم لا يؤذي جاره، ولا يغش في تجارته وبضاعته، ولا يخون من ائتمنه، ولا يكذب ولا يضر الآخرين سواء بالقول أو الفعل، كما إنه يهب لنصرة الضعيف ويقف مع الحق.
اختبر نفسك؛ هل أنت مسلم حقيقي أم أنك مجرد عابد يعبد الله في صومعته؟ الاختبار في غاية السهولة، وهو أنك تطرح على نفسك السؤال التالي؛ هل أنا مسلم يسلم المسلمون من لساني ويدي؟ وحين تكون كذلك فإنك في راحة بال. خرج أحدهم من منزله في حاجة طارئة، وكان ذلك وقت صلاة المغرب، ولأن المسجد كان قريباً من منزله لم يستطع أن يقوم بمهمته العاجلة بسبب إيقاف المصلين مركباتهم في وسط الشارع، مما أدى إلى انسداد كل الطرق فاضطر أن يعود من حيث أتى.
تناولت هذا السلوك غير اللائق مع أحد الأصدقاء، فأبدى انزعاجه من الشخص الشاكي وليس من المصلين المخالفين، ثم توجه لي قائلاً: أنتم تصمتون عن كل من يوقف سيارته بصورة خاطئة في شوارع البلاد، حتى لم تجدوا سوى المصلين كي تنتقدوهم؟ حينها قلت لصاحبي: المشكلة لأنهم رايحين يصلون من جذي لازم انتقدهم.. هم لو داخلين بار أكيد ما بانتقدهم، لأن ليس على السكران حرج، لكن ما عذر من ذهب لطاعة ربه في المسجد وهو عاصٍ له خارجه؟ وهو امتثال لحالة المقاربة المعكوسة التي تؤكد (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).
كثير من الناس هنا يقولون لي إننا نُلزم أنفسنا بالتعامل مع الأشخاص المسلمين في غالبية معاملاتنا التجارية والخدمية، لكننا في كثير من الأحيان نُصْدَمُ بسلوكياتهم غير الإسلامية أو الحضارية، فبعضهم يغش ويكذب ويخدع ويراوغ، مما يضطرنا هذا الأمر في كثير من الأحيان إلى التعامل مع غير المسلم حين يكون صادقاً وأميناً في معاملته، حينها لا أتردد من أن أُواجههم بحقيقة مُرَّة لا تتغير أبداً، وهي أنه سيظل المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، سواء في البحرين أو في نيروبي.