لست من رواد المسيرات والتظاهرات؛ لكني ضد منعها كونها جزءًا لا يتجزأ من حرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور البحريني بموجب المادة (28 ـ أ + ب)، فإن أجاد الإنسان ممارستها أصبحت نافعة وإن أساء استخدامها ساءت إليه وإلى الآخرين، ومنذُ أن بدأ مشروع الإصلاح السياسي لجلالة الملك صدرت كثير من القوانين والمراسيم التي تنظم الحياة السياسية وتحتضن حرية الرأي والتعبير ومنها المسيرات والتجمعات. فقد أصدر عاهل البلاد القانون رقم (32) لسنة 2006 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقـــــــم (18) لسنـــــــة 1973 ليتوافــــــق مـــــع مرحلــــــــــة الإصلاح السياسي، فقد نصت المادة (2) منه (أ- يجب على كل من يُنظم اجتماعاً عاماً أن يخطر كتابة رئيس الأمن العام قبل الاجتماع بثلاثة أيام على الأقل)، (ب- إذا وقع في الاجتماع أو في المسيرة التي تم الإخطار عنها إخلال بالأمن العام أو النظام العام أو حصل إضرار بالغير أو بالأموال العامة أو الخاصة يتحمل المتسببون في الإضرار المسؤولية المدنية والجنائية)، كما وضح القانون إذا تم هذا الاجتماع أو المسيرة دون ترخيص أو إخطار مُسبق يتضامن المنظمون في تعويض الأضرار الناتجة عن هذا الاجتماع أو المسيرة. والمادة (3) اشترطت أن يُبين في طلب تنظيم هذا الاجتماع زمانه ومكانه وموضوعه، كما إن طالب الإخطار يسكن في منطقة عقد الاجتماع، وأن يكون حسن السمعة ومتمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية. وهناك مواد أخرى تتعلق بهذا القانون.
إذاً القانون يؤكد أنه مِن حق الأشخاص والتجمعات السياسية أن ينظموا المسيرات ولكن بطلب الإذن من الجهات المعنية والمختصة بهذا الأمر، مع تحديد زمانها ومكانها، وأن تكون بعيدة عن المستشفيات والمطارات والمجمعات التجارية وذات الطابع الأمني. فلماذا جاء المنع إذاً؟ وهل هناك سبب وجيه لمنعها؟ وهل يتعارض هذا المنع مع منهج الإصلاح الوطني؟ وهل يتفق مع مبادئ حرية الرأي والتعبير التي كفلها دستور مملكة البحرين لعام 2002؟
للمسيرات الشعبية السلمية دور كبير في إبراز المشاعر الوطنية للمواطنين تجاه الكثير من الأحداث والقضايا الوطنية والمواقف القومية والدينية، والمسيرات حق من الحقوق السياسية التي نصت عليها كثير من الدساتير الوطنية سواء في البحرين أو غيرها من الدول، والتي يجب أن ترعاها وتصونها، إلا أنه لا توجد نصوص فعلية في المواثيق والحقوق الدولية بأحقية الشخص بتنظيم المسيرات، إن المصادر الدولية الأساسية العالمية لقانون حقوق الإنسان المتمثلة في (ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945م، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948م، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966م، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966م) وجميعها مصادر رئيسة للشرعية الدولية لقانون حقوق الإنسان لكنها لم تقرر حق الفرد في المشاركة بالمسيرات السياسية وغير السياسية في الطرق العامة والفرعية، باعتباره حقاً في المجتمعات الديمقراطية.
فماذا حققته المسيرات التي تم تنظيمها في شوارع ومناطق البحرين منذُ أن بزغ عهد الإصلاح السياسي وليومنا هذا؟ خصوصاً أن البعض يرى أن المسيرات آلية من آليات الضغط على الحكومة لتحقيق بعض المطالب السياسية، بل يرونها بأنها الأسلوب الوحيد لتحقيق تلك المطالب. قد يكون هذا الرأي صحيحاً لو لم تخرج الكثير من المسيرات في البحرين عن أطرها والأهداف التي خرجت من أجلها، فعندما تبدو كذلك فأنها ستؤثر على الأمن الاجتماعي ولن ينجو الاقتصاد الوطني من تأثيراتها، وإذا استمرت هذه المسيرات بأطرها غير الصحيحة فمن سيتحمل تكاليف الإنفاق على الأمن الاجتماعي؟ وأي مِن الشركات أو المؤسسات التجارية ستكون قادرة على تحمل المزيد من الخسائر المالية ولمدد قد تطول؟ وأي مجتمع سيكون قادراً على تحمل المزيد من الخسائر البشرية من قتلى وجرحى وغير ذلك؟ علماً بأنه سيرتفع مؤشر الخسائر اقتصادياً واجتماعياً مع استمرار مثل هذه المسيرات. وما حققته هذه المسيرات سوى مكاسب معنوية دون أن تحقق نتائج إيجابية للوطن والمواطنين. خصوصاً أن المشاركة فيها يتطلب أفراد على مستوى عال من التأهيل السياسي والقادر على فهم أهداف الخروج في المسيرات، إلا أن هناك عدداً من المشاركين فيها لا تحكمهم أية قواعد قانونية ولا تستطيع حتى قياداتهم السيطرة عليهم.
لم يكن قرار سعادة وزير الداخلية في منع تنظيم المسيرات منعاً دائماً، بل إن ما وصلت إليه البحرين من تداعيات الأحداث المتتالية قد أدت إلى أن الكثير من المسيرات سواء المرخصة منها أو دون ترخيص بأنها تنافت مع شروط الطابع المدني للعمل السياسي الذي أدى إلى أن تتجه إلى منحى آخر. والمنع ليس ضد حرية الرأي والتعبير بشكل عام بل هو ضد جزئية منها ألا وهي المسيرات التي تجاوزت الكثير منها حدود الأهداف التي تم من أجله تنظيمها.
إن الأمن والاستقرار شأنه شأن حرية الرأي والتعبير، فبدون الأمن والأمان لا يستطيع أفراد المجتمع يمارسون حرياتهم السياسية وأنشطتهم الاقتصادية، ومع توفر الأمن والاستقرار يستطيعون ممارسة حرياتهم وبمساحة أكبر لكون الأمن يوفر الأرضية المناسبة له. فكرامة الوطن لا تحميها المسيرات بل المحافظة على الوطن وعلى حياة المواطنين بعدم تعريضهم لأي مكروه، إن الأمن الاجتماعي هو من مقومات وضمانات الحُكم الديمقراطي وهي التي تفيء بمساحة كبيرة من حرية الرأي والتعبير. ونقول لمنظمة العفو الدولية (أمنستي) التي اعتبرت أن قرار المنع المؤقت للمسيرات في البحرين خرقاً لحقوق الحرية والتعبير.. نقول لها؛ أين أنت يا أمنستي من انتهاكات بعض المسيرات لحقوق الوطن والمواطنين وللقانون البحريني؟
{{ article.visit_count }}
إذاً القانون يؤكد أنه مِن حق الأشخاص والتجمعات السياسية أن ينظموا المسيرات ولكن بطلب الإذن من الجهات المعنية والمختصة بهذا الأمر، مع تحديد زمانها ومكانها، وأن تكون بعيدة عن المستشفيات والمطارات والمجمعات التجارية وذات الطابع الأمني. فلماذا جاء المنع إذاً؟ وهل هناك سبب وجيه لمنعها؟ وهل يتعارض هذا المنع مع منهج الإصلاح الوطني؟ وهل يتفق مع مبادئ حرية الرأي والتعبير التي كفلها دستور مملكة البحرين لعام 2002؟
للمسيرات الشعبية السلمية دور كبير في إبراز المشاعر الوطنية للمواطنين تجاه الكثير من الأحداث والقضايا الوطنية والمواقف القومية والدينية، والمسيرات حق من الحقوق السياسية التي نصت عليها كثير من الدساتير الوطنية سواء في البحرين أو غيرها من الدول، والتي يجب أن ترعاها وتصونها، إلا أنه لا توجد نصوص فعلية في المواثيق والحقوق الدولية بأحقية الشخص بتنظيم المسيرات، إن المصادر الدولية الأساسية العالمية لقانون حقوق الإنسان المتمثلة في (ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945م، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948م، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966م، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966م) وجميعها مصادر رئيسة للشرعية الدولية لقانون حقوق الإنسان لكنها لم تقرر حق الفرد في المشاركة بالمسيرات السياسية وغير السياسية في الطرق العامة والفرعية، باعتباره حقاً في المجتمعات الديمقراطية.
فماذا حققته المسيرات التي تم تنظيمها في شوارع ومناطق البحرين منذُ أن بزغ عهد الإصلاح السياسي وليومنا هذا؟ خصوصاً أن البعض يرى أن المسيرات آلية من آليات الضغط على الحكومة لتحقيق بعض المطالب السياسية، بل يرونها بأنها الأسلوب الوحيد لتحقيق تلك المطالب. قد يكون هذا الرأي صحيحاً لو لم تخرج الكثير من المسيرات في البحرين عن أطرها والأهداف التي خرجت من أجلها، فعندما تبدو كذلك فأنها ستؤثر على الأمن الاجتماعي ولن ينجو الاقتصاد الوطني من تأثيراتها، وإذا استمرت هذه المسيرات بأطرها غير الصحيحة فمن سيتحمل تكاليف الإنفاق على الأمن الاجتماعي؟ وأي مِن الشركات أو المؤسسات التجارية ستكون قادرة على تحمل المزيد من الخسائر المالية ولمدد قد تطول؟ وأي مجتمع سيكون قادراً على تحمل المزيد من الخسائر البشرية من قتلى وجرحى وغير ذلك؟ علماً بأنه سيرتفع مؤشر الخسائر اقتصادياً واجتماعياً مع استمرار مثل هذه المسيرات. وما حققته هذه المسيرات سوى مكاسب معنوية دون أن تحقق نتائج إيجابية للوطن والمواطنين. خصوصاً أن المشاركة فيها يتطلب أفراد على مستوى عال من التأهيل السياسي والقادر على فهم أهداف الخروج في المسيرات، إلا أن هناك عدداً من المشاركين فيها لا تحكمهم أية قواعد قانونية ولا تستطيع حتى قياداتهم السيطرة عليهم.
لم يكن قرار سعادة وزير الداخلية في منع تنظيم المسيرات منعاً دائماً، بل إن ما وصلت إليه البحرين من تداعيات الأحداث المتتالية قد أدت إلى أن الكثير من المسيرات سواء المرخصة منها أو دون ترخيص بأنها تنافت مع شروط الطابع المدني للعمل السياسي الذي أدى إلى أن تتجه إلى منحى آخر. والمنع ليس ضد حرية الرأي والتعبير بشكل عام بل هو ضد جزئية منها ألا وهي المسيرات التي تجاوزت الكثير منها حدود الأهداف التي تم من أجله تنظيمها.
إن الأمن والاستقرار شأنه شأن حرية الرأي والتعبير، فبدون الأمن والأمان لا يستطيع أفراد المجتمع يمارسون حرياتهم السياسية وأنشطتهم الاقتصادية، ومع توفر الأمن والاستقرار يستطيعون ممارسة حرياتهم وبمساحة أكبر لكون الأمن يوفر الأرضية المناسبة له. فكرامة الوطن لا تحميها المسيرات بل المحافظة على الوطن وعلى حياة المواطنين بعدم تعريضهم لأي مكروه، إن الأمن الاجتماعي هو من مقومات وضمانات الحُكم الديمقراطي وهي التي تفيء بمساحة كبيرة من حرية الرأي والتعبير. ونقول لمنظمة العفو الدولية (أمنستي) التي اعتبرت أن قرار المنع المؤقت للمسيرات في البحرين خرقاً لحقوق الحرية والتعبير.. نقول لها؛ أين أنت يا أمنستي من انتهاكات بعض المسيرات لحقوق الوطن والمواطنين وللقانون البحريني؟