في سنوات قديمة كان البعض «يتشيطر» ويرفع في عزاء عاشوراء شيلات تتضمن «نغزات» على الحكومة، وكان هذا البعض يتفاخر بأنه يفعل ذلك خاصة أنه يشعر في داخله بشيء من «الذكاوة» كون شيلاته تحمل معنيين، وبالتالي فإنه ليس بالضرورة أن يكون قد قصد ما فهمته الحكومة! بينما كان ينظر إليه آخرون على أنه بطل ومتميز وشجاع لأنه تمكن من توجيه النقد للحكومة أثناء مناسبة جمهورها كبير.
في تلك السنوات كانوا ينظرون إلى موكب العزاء الذي يتمكن من مناكفة الحكومة من خلال «الشيلات السياسية»على أنه الأكثر تميزاً والأكثر شجاعة، وكانت الحكومة تتحمل تلك التجاوزات وتعتبرها طيش شباب، خصوصاً أنها كانت محدودة، وتعلم أن أصحاب المآتم لا يقبلون بتلك التجاوزات ويحرصون على أن يظل العزاء حسينياً خالصاً وألا يختلط بالسياسة.
لكن في السنوات القريبة تغيرت الأمور وتحول عزاء عاشوراء برمته من مناسبة دينية يتم خلالها إحياء ذكر أهل البيت إلى مناسبة سياسية بحتة، حتى صارت الشيلات التي تحتوي نغزات أمراً عادياً بل متخلفاً، ففيها صار البعض يرفع أعلاماً لا علاقة لها بمصيبة الحسين، ويرفع صوراً لشخوص لهم نشاط سياسي سواء من المنتمين إلى الداخل أو الخارج، فتحولت المناسبة من دينية إلى سياسية بامتياز.
في البحرين تحرص الحكومة على أن يتمكن المواطنون من الاحتفال بمناسبة عاشوراء بالشكل الذي يريدونه ويرتاحون له، فتسخّر لهم كل الإمكانيات وتقدم لهم كل الخدمات التي تسهل عليهم التعبير عن حبهم لآل البيت الكرام. ولعل البحرين هي الدولة الوحيدة في العالم التي تضيف يومي التاسع والعاشر من شهر محرم إلى قائمة الإجازات الرسمية احتراماً لهذه المناسبة وتقديراً للمواطنين الذين يحرصون على المشاركة فيها، ولعلها أيضاً الدولة الوحيدة في العالم التي يوفر ملكها حفظه الله (ماجلة) عاشوراء للمآتم، حيث يقدم في كل عام الكثير من الأغنام والكثير من الأرز وغيرها من المواد تكريماً للمناسبة وصاحبها وتكريماً لشريحة كبيرة من مواطنيه.
ما قد لا يعلمه البعض هو أن حكومة البحرين تصرف الكثير من الأموال في هذه المناسبة كي تسير أمور عاشوراء كما يريدها المحتفلون بها، ليس أول ذلك تنظيم المرور وتوفير الأمن، وليس آخره إبعاد كل ما قد يعكر صفو المناسبة عن المناطق التي تمر بها المواكب الحسينية، حيث يجتمع المسؤولون كل سنة برؤساء المآتم ويعرفون منهم احتياجاتهم ويتلمسون مشكلاتهم ويعينونهم على حلها. يتم هذا في وقت مبكر، وهو يدخل في صميم عمل محافظة العاصمة بوجه خاص كونها المعنية بهذا «الملف» (قبل أكثر من شهر من الآن اجتمع محافظ العاصمة مع المعنيين بمواكب العزاء في محافظة العاصمة وتم إعداد ما يستوجب إعداده للوفاء بحق هذه المناسبة).
أما الناس في البحرين -المواطنون والمقيمون- فإنهم ينظرون جميعاً إلى هذه المناسبة باحترام وتقديس، ويعرفون أن لهذه المناسبة خصوصية تستوجب أموراً، لذا تجد الجميع يحرص على أن تسير الأمور كما هو مخطط لها وألا يعكر صفوها معكر. إن هكذا حالاً وهكذا التزاماً من الدولة بتوفير أسباب النجاح لهذه المناسبة الدينية وتذليل كل الصعاب أمامها، وهكذا حرص من المواطنين والمقيمين على الوفاء بحقها، هكذا حال يستوجب أيضاً أموراً من المعنيين بالمناسبة؛ أولها أن تظل مناسبة دينية خالصة، فلا يلوثها قول أو فعل لا علاقة له بها، وثانيها وثالثها وآخرها أن يحرصوا على القيام بها بما يشعرهم بقبول عملهم. من هنا صار لزاماً الابتعاد عن كل ما قد يعكر الصفو أو يسيء إلى آل البيت الكرام، فلا نغزات عن أمور لا علاقة لها بالحسين ولا أعلام ولا صور بعيدة عن المناسبة.