لم يكن الارتباط بين الإخوان المسلمين “التنظيم والفكر” وبين دولة الإمارات العربية المتحدة نظرياً ومستنداً إلى ما ذكرناه من خلفية تاريخية يعزى لها تخريج الصف الأول من الإخوان الإماراتيين فحسب؛ بل إنها كانت روابط عملية تجلت في شواهد لا يمكن أن يتجاوزها التاريخ بسبب علاقتها باللحظة الآنية، ومن هذه الشواهد اختيار مواطنين إماراتيين في مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين في أوائل السبعينات واستخدامهم للدولة كرافد مالي طوال فترتي الثمانينات والتسعينات الميلادية.
لكن تغول الإخوان داخل دولة الاتحاد لم يكن وحده ما يثير المخاوف والريب في مراحل مبكرة ويستدعي التحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في مراحل لاحقة، بل كانت تلك الشبكات من العلاقات التي ربطت الإخوان دوماً بالأعداء التقليديين للعالم العربي، وهو إذا ما وضعناه في سياقه الصحيح لا يعدو كونه تطبيقاً عملياً لأيدلوجيا الجماعة التي لا تؤمن بالوطن ولا ما يلحق به من مفردات السيادة والمواطنة والأمن القومي ومصالح الدولة.
من هنا أتت علاقة الجماعة المبكرة بثورة الخميني منذ أرسل الإخوان المسلمون وفداً للقائه في “نيوشايتل” بفرنسا قبل أن ينتقل إلى إيران، وهو لقاء تكرر مع أعضاء التنظيم الدولي للإخوان الذين توجهوا إلى باريس من الدول الأخرى؛ كحسن الترابي الذي أرسل وفداً سودانياً، وراشد الغنوشي، وهو ما دعا إيران إلى رد تحية الإخوان بأحسن منها بإرسال ضابط اتصال إلى “لوجانو” في سويسرا قيل إنه كمال خمايارو، الملحق الثقافي في سفارة إيران بالدوحة لاحقاً، لترتيب الأمور ما جعل طائرة الإخوان المسلمين هي ثالث طائرة تهبط في طهران للتهنئة بثورة الخميني بعد أن استتب له الأمر في إيران ما بعد الشاه.
ووصل حماس وفود الإخوان إلى اقتراح مبايعة الخميني “خليفة للمسلمين” لو أعلن “أن الخلاف على الإمامة في زمن الصحابة مسألة سياسية وليست إيمانية”، لكن الخميني رد لاحقاً بطريقة عملية؛ حيث صدر دستور الجمهورية الإسلامية الذي جعل المذهب الجعفري الاثني عشري مذهباً رسمياً مقترناً بولاية الفقيه نائباً عن الإمام الغائب، لكن هذا الرد العملي لم يعطل التعاون والاتفاق بين الإخوان والثورة، حيث وجدوا فيها ضالتهم المنشودة غاضين الطرف عن الاختلاف العقدي الهائل ومغمضين عيونهم عن دماء سُنة إيران الذين حنث الخميني بوعوده لهم، وصامتين عن نصب المشانق الإيرانية لأئمة السُنة في إيران، ومنهم قيادات معتبرة في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، بل وصل الأمر إلى أن الشبهات أحاطت بأحد كبرائهم بالتآمر مع مخابرات الخميني للقضاء على رجل الدين الكردي وأحد أقطاب الإخوان المسلمين في إيران أحمد مفتي زاده رحمه الله.
وتحتم الأمانة التاريخية ذكر أن علاقة الإخوان بإيران تعود إلى أيام حسن البنا وعلاقته المعروفة بفدائيي إسلام وقائدها نواب صفوي، ولقاء صفوي الشهير بالإخوان المسلمين في القاهرة، والذي وصفه فتحي يكن بأنه كان لقاءً حماسياً، إضافة إلى عاصفة الاحتجاج التي قوبل بها الحكم بإعدام صفوي على يد الشاه، إضافة إلى العلاقة المميزة مع الإمام محمد القمي وسلسلة من العلاقات التالية برجال دين شيعة كان منهم خسروشاهي وبهشت وغيرهم، وهي علاقة أثرت في أدبيات الجماعة وصبغت تحركاتهم بصبغة مصاحبة للحراك الشيعي وهي التنظيم والعمل السري، وكان كل ما تلا ذلك من تهديد صريح من ثورة الخميني للمحيط العربي “المسلم”، وهو محيط أحسن للإخوان فأطعمهم من جوع وآمنهم من نير المعتقلات وذل التعذيب، وبينما كانت كل الدول العربية تقف مع العراق الذي شكل بوابة الشرق والصخرة التي تحطمت عليها آمال الامبراطورية الفارسية كان الإخوان المسلمون يعيشون ربيعاً ضد الأمة بأسرها مبررين ذلك بأحقاد الخلاف مع الأنظمة طوال عقود من الزمن..
.. للحديث بقية
^ ورقة بيضاء..
أقدم شكري للأخ حارب على لفت انتباهنا للسهو الذي وقع في مقالة أمس، والحقيقة أن الإماراتي الذي ارتبط اسمه بتفجيرات سبتمبر هو مروان الشحي.
أشكر الأخ حارب، وأتقدم باعتذاري لجميع القراء عن هذا السهو.