يطالب المدعو علي سلمان بحكومة «وحدة وطنية»؛ أي حكومة نصفها سني ونصفها الآخر شيعي، معتقداً أن خدعته ستنطلي على أحد، في حين أن دعوته هذه هي المسمار الثاني في نعش الدولة المدنية، تلك الدولة التي حافظنا على كيانها المدني لأكثر من قرنين من الزمان لتأتي هذه المجموعة كي تهدمها وتضع بدلاً منها حجر الأساس لدولة تعيّن حكوماتها المرجعيات الدينية، فتصبح لدينا سلطة تنفيذية نصفها حكومة «إيمانية» ونصفها الآخر حكومة «إسلامية»، ومثلما تقاسموا السلطة التشريعية يريدون تقاسم السلطة التنفيذية، ومثلما تعطلت الأدوات الرقابية كلما أرادوا محاسبة وزير شيعي تصدت الكتلة الإيمانية لحمايته، والعكس حين يراد استجواب وزير سني. يريدون تعطيل تشكيل الحكومة ويتعطل أداؤها ونملأ السلطة التنفيذية بحقائب لا معنى لها لمجرد إكمال حصتنا من الكوتا!
قد يكون لنا العديد من التحفظات على التعيينات والتشكيلات والأسماء، لكن أياً كان ضرر ذلك القصور فإن ضرر إقرار المحاصصة الطائفية كآلية لتشكيل الحكومة ضرر قاتل، ولنا عبرة في لبنان.
أضف إلى ذلك أن الغالبية من المستقلين، وهم من رأينا حجمهم في الانتخابات -رغم فرقتهم- إلا أنهم هم الغالبية، هؤلاء لن يجدوا لهم متسعاً في هذه الدولة، فتلك التيارات المتطرفة كما رفضوا أن يشاركوا حتى حلفاءهم (الأغبياء) في قائمتهم الانتخابية سيرفضون أن يشاركوهم في كوتتهم الحكومية، إنها باختصار دعوة للاقتتال الطائفي إلى ما لا نهاية، كما يحدث في لبنان والعراق.
حكومات الائتلاف وحكومات الوحدة تلك التي في الدول الديمقراطية تتم بين أحزاب مختلفة على برامجها، وذلك ليس حالنا؛ مختلفين على من قتل الحسين!! وعلي سلمان يريد أن يقسم بلداً لم يستخدم أهله طوال حياتهم مصطلح «الوحدة الوطنية» لأنها كانت واقعاً لحال معاش ومتناقل أجيالاً وراء أجيال، ولم يبرز هذا المصطلح إلا بعد أن عاثوا هم في الأرض فساداً؛ فقسموه أهلياً، والآن يريد أن يقسموه رسمياً إلى شيعي وسني، ونحن نقول له بعيد عليكم وحلم لن تحققه مادام في النفس رمق.
لن نسكت على ما يحاك لهذا الوطن، وسندافع عن مكتسبات الدولة المدنية إلى آخر رمق، لن نختار حكوماتنا وفقاً لكوتة طائفية، حتى لو كانت 70% سنة و30% شيعة، حتى لو كانت كلها سنة 100% أو العكس.
لقد توافق شعب البحرين على أن يكون التصويت والإرادة الشعبية على «برنامج الحكومة» بغض النظر عن مذهب الوزراء وأسمائهم، وهي آلية متطورة وتعكس الإرادة الشعبية، ونطالب أن تطبق مخرجات حوار التوافق الوطني كلها، بما فيها عرض الحكومة لبرنامجها على النواب، فيكون قبول الحكومة من عدمها مرهوناً ببرنامجها لا مرهوناً بمذاهب وزرائها -إن شاء الله تكون كلها شيعية- ما يعنينا هو البرنامج الذي لنا الحق أن نوافق عليه ثم نراقب تنفيذه.
هذا التعديل الدستوري هو عماد للدولة المدنية، يحميها من منزلق الكوتا الطائفية الذي يستميت علي سلمان للدفع به من أجل نخر العمود الفقري للدولة، فإن لم يستطيعوا إسقاط النظام فلتكن الحرب الأهلية لتسقط الدولة، هذا هو حلمهم.
لقد هدأت الدولة وهدأ الناس حين طبق القانون، وبدأنا نستعيد جزءاً من أمننا المفقود أيام عاشوراء، اللهم اجعل كل أيامنا عاشوراء حتى تحرم دماء المسلمين كما هي هذه الأيام، فيعيش أهل البحرين بأمن وأمان في مدنهم وفي قراهم، وحتى نفرغ لبناء وطننا وترميم حطام النفوس التي تبعثرت.
إنما عز على علي سلمان أن يهدأ أهل القرى وشيعتها؛ فأدخل علينا مصطلح حكومة «الوحدة الوطنية» كي يزرع الفتنة التي كلما خمدت نفخ فيها من جديد.
اليوم هناك حالة من الانقسام فظيعة جعلت الحاجة للاحتكام للقانون مسألة ملحة من أجل الاحتفاظ بالسلم الأهلي وأمن الناس، بعد أن كانت الحدود الفاصلة من العرف السائد واحترام كل منا للآخر كان تقليداً، وكان تربية تتوارثها الأجيال، أما اليوم فنحن نعهد للدولة أن تطبق القانون حتى لا يتحرك أحد من المتطرفين أو المتهورين ليأخذ حقه بنفسه أو تأخذه الحمية للدفاع عن وطنه وهو يراه يحترق، فإحصائية القتل والحرق والإصابات التي أعلن عنها وزير العدل تدفع أي مستمع لها لأن يتحرك لأخذ الحق بنفسه، وتدفع أي معتدل إلى التحول لمتطرف وهذا هو أحد أهداف المخطط.
الوفاق ومعها الولايات المتحدة الأمريكية لن يهدأ لهما بال حتى تشتعل حرب أهلية في البحرين، هذا هو المخطط، بغباء أو بسوء نية، إنما كلما هدأت الأوضاع حركوا ملفاً وأطلقوا تصريحاً.
لا أحد منهما يريد أن تستقر الدولة ويعطى للتعديلات الدستورية الجديدة فرصة حتى لاختبارها جنباً إلى جنب إجراءات ضرورية لمعالجة الدمار الذي أحدثته الوفاق على المستوى الأمني والمستوى الاقتصادي.
الاثنان يدفعان الأطراف المتطرفة من كلا الجانبين للاصطدام، حالة اليأس التي يخلقانها تقلص من حجم الاعتدال وتترك شعوراً بالكراهية والبغض لدى عامة الناس التي لا تريد إلا الأمن والأمان والعيش في سلام، وتصل لقناعة يوماً بعد يوم أن هذين الاثنين هما من يحرمانهما من استقرارها وأمنها.
حتى القرى نَعِم أهلها بهدوء وارتاحوا من مسيل الدموع، وبدأت حياتهم تعود لطبيعتها، وخرج كثير منهم يتنفسون الصعداء.. دعوا الناس تنعم بأمنها..

.. نكمل في الغد