ماذا يحتاج الفرد كي يحيا سعيداً؟ بيّنت الأبحاث الأخيرة أن شعور الإنسان بالسعادة لا يتوقّف على حجم محفظته، لأن معظم الناس يشيرون إلى سنِّ العشرين باعتباره تذكاراً خالداً لأجمل لحظات حياتهم، ولهذا انكبّ العلماء على دراسة ظاهرة انتظار المعجزة، حين يصبح الأمل الكبير بتحقّق الحلم أكثر مدعاةً للانبساط من أن يتحوّل الحلم ذاته إلى حقيقةٍ قائمةٍ فعلاً.
فهناك من الناس من يُسعَد بمجرد رؤية شعاع الشمس، بينما ثمة أناس آخرين لا تُسعدهم حتى الأحداث السارة ونجاحاتهم الشخصيّة، وهناك من يصعب عليه أن يتعلّم أن يكون مسروراً من أي شيء، مهما كان تافهاً وعديم القيمة، وضمن هذا السياق ترى النفسانيّة الروسية إيلينا كاراتكوفا أنه كلما تقدّمنا في السِّن، بدا لنا أننا عشنا حياةً سعيدةً ومليئةً بالمتعة في سنِّ الشباب، لكننا نستطيع فعلاً إطالة أمد الشعور بالسعادة حينما نحاول أن نجد شيئاً ما طيِّباً في كل يومٍ جديدٍ، ونتعلّم أن نستمد السرور من التوافه، والأمور التي تبدو عاديّةً من الوهلة الأولى.
وتنصح كاراتكوفا باستخدام المدخل الآتي: ناجِ نفسك في لحظات السعادة قائلاً: “أنا سعيد الآن! ما أروع هذا الشعور!”، وقم بتنمية هذا الشعور في وعيك، وإذا كان كبار السِّن يردِّدون دوماً إن الحياة كانت أجمل في سن الشباب، فإن ما تغيّر فعلاً هو مدركاتهم للأشياء في الحياة، ففي مرحلة الشباب تحصل أشياء كثيرة للمرة الأولى في حياتنا، كالحب الأول، وأول يوم دراسي بالجامعة، الخ، ونحن نتذكر هذه اللحظات كأنها وقعت بالأمس، لذا ليس مستغرباً أن ترى العجوز يتذكر التفاصيل الدقيقة للأحداث في يوم تخرّجه من الجامعة، وماذا كان يرتدي حينئذٍ، رغم أنه لا يتذكّر أحداثاً هامةً شهدها في سنِّ الأربعين؛ كذلك ليس مستغرباً أيضاً أن يفتخر رجل الأعمال الناجح بأنه سعيد لأنه حقّق كل ما يصبو إليه بعمله واجتهاده. لكن طعم هذه السعادة “المصطنعة” لا يضاهي مذاق السعادة “الحقيقية” التي كان يعيشها يوم كان طالباً فقيراً يحلم قبل أن يخلد للفراش بأن يتحقّق حلمُه بالثراء؛ ويبدو وكأنّ هناك قانوناً غامضاً يحكم حياتنا: إن انتظار حدثٍ سعيدٍ يكون أحياناً أجمل من وقوعه. تُرى كم هي رائعة دروب السعادة!