أفردت بعض الصحف الإماراتية (الإمارات اليوم) الصادرة يوم الخميس 20 سبتمبر 2012 مساحات ملفتة للنظر، من صفحاتها الأولى، وأخرى (البيان)، ومن صفحاتها الداخلية للحديث عن تأسيس جماعة الإخوان المسلمين “جناحاً عسكرياً في دولة الإمارات”. يمكن تلخيص ماجاء في تلك الصحف، نقلاً عن اعترافات الموقوفين من أعضاء ذلك التنظيم حول تلك المسألة في النقاط التالية:
1. انتماء الموقوفين “إلى تنظيم سرّي، أسّس جناحاً عسكرياً، هدفه الاستيلاء على السلطة، وإقامة حكومة دينية في الإمارات، بوسائل غير مشروعة”.
2.”قضية الموقوفين (كما تقول اعترافاتهم المقولة) جنائية بحتة، ولا صلة لها بكونهم دعاةً دينيين، ولا أشخاصاً يدافعون عن قضايا سياسية أو يطالبون بإصلاحات”.
3. يمتلك التنظيم المحلي، التابع لـجماعة (الإخوان المسلمين) الذي وجد أعضاؤه “في أحداث (الربيع العربي) فرصة ملائمة لنشاطهم أموالاً ويدير استثمارات، ويجمع تبرعات لصالحه”.
4. يواجه التنظيم “أربع تهم، هي: إنشاء وإدارة تنظيم سرّي يمسّ الأمن ومبادئ قيام الدولة، والارتباط بجهات خارجية وتلقّي تعليمات وأموال منها، والتعرّض للقيادة السياسية في الدولة، إضافة إلى بناء محفظة استثمارية لدعم تنظيم غير مشروع”.
5. لا يتجاوز عدد أعضاء المنتمين “إلى التنظيم في الدولة بضع مئات”.
6. تلقّي التنظيم “مبلغ 10 ملايين درهم إماراتي (حوالي 2.5 مليون دولار أمريكي) من تنظيم للإخوان في دولة خليجية، في سياق متكامل من التعاون والتنسيق مع سائر تنظيمات الإخوان المسلمين في الدول العربية، بقيادة شخصية دينية، ذات نشاط إعلامي ملحوظ في دولة خليجية”.
تستدعي تلك التغطية الإعلامية الإماراتية ما سبق وأن نشره قائد شرطة إمارة دبي ضاحي خلفان في مطلع يوليو 2012، على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، الذي “هاجم فيها جماعة الإخوان المسلمين واصفاً الإخوان بالتنظيم الإجرامي، والتي استدعت، بموجبها الخارجية المصرية سفير الإمارات لدى القاهرة للاستفسار عن تلك التصريحات”. كما تذكرنا أيضاً إقدام سلطات الأمن في الإمارات العربية المتحدة في أبريل 2012 الماضي على “توقيف إسلاميين سحبت جنسيتهم نهاية 2011 بتهمة العلاقة بجمعيات تمول الإرهاب، بعد أن رفضوا التوقيع على تعهد باستصدار جنسية أخرى وتسوية أوضاعهم في الإمارات كأجانب”.
تثير التغطية الإعلامية، وما سبقها من أحداث جئنا على ذكرها، بغض النظر عن مدى دقتها، فلسنا بصدد الخوض في تفاصيلها الأمنية، مجموعة من الأخطار التي باتت تهدد اليوم دول الخليج العربي، وفي المقدمة منها دبي، يمكن إيجازها في النقاط التالية:
1. أن دبي اليوم، هي الخاصرة الخليجية الرخوة، التي يمكن أن تكون المنطقة الأكثر أهلية لأن تشهد بعض القلاقل، يمكن أن تقود إلى تغيير انقلابي، نظراً لتركيبتها السكانية أولاً، حيث تتجاوز نسبة الأجانب، بشكل تقريبي، 80%، عدد القاطنين في الإمارة، يضاف إلى ذلك مرونة قوانين الدخول إليها، والحصول على حق الإقامة فيها. لا نقول ذلك اتهاماً للإمارة بتسيب الأمن فيها، فهو يتمتع بدرجة عالية من الكفاءة دللت عليها قدرته على اكتشاف الكثير من العمليات الإرهابية، كانت أبرزها تلك التي كشفت عنها أحداث عمليات الموساد الإسرائيلي في مطلع العام 2010، ضد أحد قياديي حركة حماس محمود عبدالرؤوف محمد حسن المشهور باسم محمود المبحوح.
2. أنه في حالة، ثبات تهمة ضلوع دولة خليجية أخرى في القضية، من خلال حصول المتهمين على تمويل مالي ودعم إيدلوجي، من تلك الدولة، فهذا يعني أن مصادر الخطر لم تعد اليوم محصورة، على المستوى الخليجي، في قوى خارجية، بل انتقلت إلى الداخل، وهي في الحالة التي نتناولها، ليست محصورة بين المواطن والسلطات في الإماراة، بل بين الأنظمة الخليجية القائمة ذاتها، الأمر الذي يشكل سابقة خطيرة، تهدد كيان دول مجلس التعاون الخليجي، ويفسح في المجال لتدخلات خارجية يصعب التكهن بالدول الأجنبية غير العربية التي يمكن أن تقف وراءها، والقوى الداخلية التي ستتولى تنفيذ أي مشروع إرهابي، يتم إثبات علاقاته بتلك الدولة.
3. أن التنظيم، وكما تناقلت تلك الصحف عن المصادر الأمنية الإماراتية، لا يحصر أهدافه في مطالب إصلاحية، محضة فحسب، تتم بشكل سلمي تطويري فقط، وإنما يوسع من دائرتها، كي تصل فتشمل أيضاً “الإطاحة بالنظام”، الأمر الذي، فيما لو تم تحقيق تلك الأهداف، يشكل بادرة يمكن أن تنتقل إلى دول خليجية أخرى، ستجد نفسها في مواجهة مماثلة. وإذا ما ربطنا بين ما يجري في دولة الإمارات وتداعيات “الربيع العربي”، فالمخاطر تتضاعف، ويزداد احتمالات بروز عمليات انقلابية ذات طابع تآمري في الصورة المستقبلية للأوضاع السياسية الخليجية العربية.
الأهم من كل ذلك، أنه، ومرة أخرى دون الغوص في أوحال المدخل الأمني للمسألة التي بين أيدينا، هو كيفية المعالجة، وما هو السبيل الأفضل الذي يضمن تعزيز عناصر التطور السلمي الإصلاحي في المجتمع الخليجي، بما فيه المجتمع الإماراتي، ويحول دون لجوء من يقطن ذلك المجتمع، وعلى وجه الخصوص أبنائه الأصليين، إلى العنف، وسيلة للإصلاح، والانقلابات على نظم الحكم، طريقاً للتعيبر عن مساعي ذلك الإصلاح.
أول الخطوات الصحيحة التي يحتاجها المسؤولون، والقائمون على الحكم في الخليج العربي، وليس الإمارات فحسب، هو المثل القائل، والذي لا يكف الجميع عن ترديد، “الاعتراف بالخطأ (الحق) فضيلة”، إذ ليس هناك من في وسعه ادعاء العصمة، مهما بلغ شأنه. ولنا في رسول الله صلى عليه وسلم الأسوة الحسنة حين قال “كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون”. فنكران الخطأ والتمادي فيه، والنظر إلى التراجع قيد أنملة عنه نقيصة، يقود إلى استمراء الاستمرار في ممارسة ذلك الخطأ، ويعمي البصيرة عن رؤية الطريق الصحيحة، المؤدية إلى الأهداف المتوخاة. وليس المقصود هنا بالعودة عن الخطأ ، المحاسبة أو الانتقام، بقدر ما هو الرجوع إلى تلك الطريق الصحيحة، عوضاً عن تحاشي السير فيها.
الأمر لا ينحصر في الأفراد، بل يتسع نطاقه كي يشمل الأنظمة السياسية أيضاً، كما إن الخطأ المرتكب، ليس ناجماً عن زلل يمارسه النظام بشكل ذاتي، وإنما لعجزه عن فهم التطورات التي باتت تلم بالعالم من حوله، ويرفض ذلك النظام بوعي أو حتى بدون وعي رؤيتها، ومن ثم تلمس انعكاساتها الموضوعية على أوضاع ذلك النظام الذاتية. وفي عالم اليوم، حيث تختصر تقنيات الاتصالات والمعلومات الزمن، وتختزل المسافات، بات ذلك التغيير الذي نتحدث عنه أسرع زماناً، وأقصر مسافة.
ثاني تلك الخطوات، بعد تلمس الخطأ، هي البحث الصادق الشفاف عن الأسباب التي قادت إلى ارتكاب الخطأ، وهنا تبرز ضرورة المصارحة مع النفس، لدى أصحاب القرار، وتحاشي النفاق لدى المحيطين بهم، وكما يقول المثل “صديقك من صدقك وليس من صدقك”.
ثالث تلك الخظوات بعد تلمس الخطأ، وتشخيص الأسباب، هي البحث عن الحلول السليمة، التي غالباً ما تقتضي التضحية ببعض المكاسب، والقبول بالتنازل عن بعض مظاهر السلطة، ومن قبل الأطراف ذات العلاقة بذلك التغيير، فتمسك أي منهما بما ينادي له (المطالب، بكسر اللام، بالتغيير)، والمناهض له (المطالب، بفتح اللام، به)، يؤدي إلى تأزم العلاقة بينهم، وتلاشي مفردات لغة التخاطب التي تسهل عمليات التفاهم في صفوفهم.
1. انتماء الموقوفين “إلى تنظيم سرّي، أسّس جناحاً عسكرياً، هدفه الاستيلاء على السلطة، وإقامة حكومة دينية في الإمارات، بوسائل غير مشروعة”.
2.”قضية الموقوفين (كما تقول اعترافاتهم المقولة) جنائية بحتة، ولا صلة لها بكونهم دعاةً دينيين، ولا أشخاصاً يدافعون عن قضايا سياسية أو يطالبون بإصلاحات”.
3. يمتلك التنظيم المحلي، التابع لـجماعة (الإخوان المسلمين) الذي وجد أعضاؤه “في أحداث (الربيع العربي) فرصة ملائمة لنشاطهم أموالاً ويدير استثمارات، ويجمع تبرعات لصالحه”.
4. يواجه التنظيم “أربع تهم، هي: إنشاء وإدارة تنظيم سرّي يمسّ الأمن ومبادئ قيام الدولة، والارتباط بجهات خارجية وتلقّي تعليمات وأموال منها، والتعرّض للقيادة السياسية في الدولة، إضافة إلى بناء محفظة استثمارية لدعم تنظيم غير مشروع”.
5. لا يتجاوز عدد أعضاء المنتمين “إلى التنظيم في الدولة بضع مئات”.
6. تلقّي التنظيم “مبلغ 10 ملايين درهم إماراتي (حوالي 2.5 مليون دولار أمريكي) من تنظيم للإخوان في دولة خليجية، في سياق متكامل من التعاون والتنسيق مع سائر تنظيمات الإخوان المسلمين في الدول العربية، بقيادة شخصية دينية، ذات نشاط إعلامي ملحوظ في دولة خليجية”.
تستدعي تلك التغطية الإعلامية الإماراتية ما سبق وأن نشره قائد شرطة إمارة دبي ضاحي خلفان في مطلع يوليو 2012، على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، الذي “هاجم فيها جماعة الإخوان المسلمين واصفاً الإخوان بالتنظيم الإجرامي، والتي استدعت، بموجبها الخارجية المصرية سفير الإمارات لدى القاهرة للاستفسار عن تلك التصريحات”. كما تذكرنا أيضاً إقدام سلطات الأمن في الإمارات العربية المتحدة في أبريل 2012 الماضي على “توقيف إسلاميين سحبت جنسيتهم نهاية 2011 بتهمة العلاقة بجمعيات تمول الإرهاب، بعد أن رفضوا التوقيع على تعهد باستصدار جنسية أخرى وتسوية أوضاعهم في الإمارات كأجانب”.
تثير التغطية الإعلامية، وما سبقها من أحداث جئنا على ذكرها، بغض النظر عن مدى دقتها، فلسنا بصدد الخوض في تفاصيلها الأمنية، مجموعة من الأخطار التي باتت تهدد اليوم دول الخليج العربي، وفي المقدمة منها دبي، يمكن إيجازها في النقاط التالية:
1. أن دبي اليوم، هي الخاصرة الخليجية الرخوة، التي يمكن أن تكون المنطقة الأكثر أهلية لأن تشهد بعض القلاقل، يمكن أن تقود إلى تغيير انقلابي، نظراً لتركيبتها السكانية أولاً، حيث تتجاوز نسبة الأجانب، بشكل تقريبي، 80%، عدد القاطنين في الإمارة، يضاف إلى ذلك مرونة قوانين الدخول إليها، والحصول على حق الإقامة فيها. لا نقول ذلك اتهاماً للإمارة بتسيب الأمن فيها، فهو يتمتع بدرجة عالية من الكفاءة دللت عليها قدرته على اكتشاف الكثير من العمليات الإرهابية، كانت أبرزها تلك التي كشفت عنها أحداث عمليات الموساد الإسرائيلي في مطلع العام 2010، ضد أحد قياديي حركة حماس محمود عبدالرؤوف محمد حسن المشهور باسم محمود المبحوح.
2. أنه في حالة، ثبات تهمة ضلوع دولة خليجية أخرى في القضية، من خلال حصول المتهمين على تمويل مالي ودعم إيدلوجي، من تلك الدولة، فهذا يعني أن مصادر الخطر لم تعد اليوم محصورة، على المستوى الخليجي، في قوى خارجية، بل انتقلت إلى الداخل، وهي في الحالة التي نتناولها، ليست محصورة بين المواطن والسلطات في الإماراة، بل بين الأنظمة الخليجية القائمة ذاتها، الأمر الذي يشكل سابقة خطيرة، تهدد كيان دول مجلس التعاون الخليجي، ويفسح في المجال لتدخلات خارجية يصعب التكهن بالدول الأجنبية غير العربية التي يمكن أن تقف وراءها، والقوى الداخلية التي ستتولى تنفيذ أي مشروع إرهابي، يتم إثبات علاقاته بتلك الدولة.
3. أن التنظيم، وكما تناقلت تلك الصحف عن المصادر الأمنية الإماراتية، لا يحصر أهدافه في مطالب إصلاحية، محضة فحسب، تتم بشكل سلمي تطويري فقط، وإنما يوسع من دائرتها، كي تصل فتشمل أيضاً “الإطاحة بالنظام”، الأمر الذي، فيما لو تم تحقيق تلك الأهداف، يشكل بادرة يمكن أن تنتقل إلى دول خليجية أخرى، ستجد نفسها في مواجهة مماثلة. وإذا ما ربطنا بين ما يجري في دولة الإمارات وتداعيات “الربيع العربي”، فالمخاطر تتضاعف، ويزداد احتمالات بروز عمليات انقلابية ذات طابع تآمري في الصورة المستقبلية للأوضاع السياسية الخليجية العربية.
الأهم من كل ذلك، أنه، ومرة أخرى دون الغوص في أوحال المدخل الأمني للمسألة التي بين أيدينا، هو كيفية المعالجة، وما هو السبيل الأفضل الذي يضمن تعزيز عناصر التطور السلمي الإصلاحي في المجتمع الخليجي، بما فيه المجتمع الإماراتي، ويحول دون لجوء من يقطن ذلك المجتمع، وعلى وجه الخصوص أبنائه الأصليين، إلى العنف، وسيلة للإصلاح، والانقلابات على نظم الحكم، طريقاً للتعيبر عن مساعي ذلك الإصلاح.
أول الخطوات الصحيحة التي يحتاجها المسؤولون، والقائمون على الحكم في الخليج العربي، وليس الإمارات فحسب، هو المثل القائل، والذي لا يكف الجميع عن ترديد، “الاعتراف بالخطأ (الحق) فضيلة”، إذ ليس هناك من في وسعه ادعاء العصمة، مهما بلغ شأنه. ولنا في رسول الله صلى عليه وسلم الأسوة الحسنة حين قال “كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون”. فنكران الخطأ والتمادي فيه، والنظر إلى التراجع قيد أنملة عنه نقيصة، يقود إلى استمراء الاستمرار في ممارسة ذلك الخطأ، ويعمي البصيرة عن رؤية الطريق الصحيحة، المؤدية إلى الأهداف المتوخاة. وليس المقصود هنا بالعودة عن الخطأ ، المحاسبة أو الانتقام، بقدر ما هو الرجوع إلى تلك الطريق الصحيحة، عوضاً عن تحاشي السير فيها.
الأمر لا ينحصر في الأفراد، بل يتسع نطاقه كي يشمل الأنظمة السياسية أيضاً، كما إن الخطأ المرتكب، ليس ناجماً عن زلل يمارسه النظام بشكل ذاتي، وإنما لعجزه عن فهم التطورات التي باتت تلم بالعالم من حوله، ويرفض ذلك النظام بوعي أو حتى بدون وعي رؤيتها، ومن ثم تلمس انعكاساتها الموضوعية على أوضاع ذلك النظام الذاتية. وفي عالم اليوم، حيث تختصر تقنيات الاتصالات والمعلومات الزمن، وتختزل المسافات، بات ذلك التغيير الذي نتحدث عنه أسرع زماناً، وأقصر مسافة.
ثاني تلك الخطوات، بعد تلمس الخطأ، هي البحث الصادق الشفاف عن الأسباب التي قادت إلى ارتكاب الخطأ، وهنا تبرز ضرورة المصارحة مع النفس، لدى أصحاب القرار، وتحاشي النفاق لدى المحيطين بهم، وكما يقول المثل “صديقك من صدقك وليس من صدقك”.
ثالث تلك الخظوات بعد تلمس الخطأ، وتشخيص الأسباب، هي البحث عن الحلول السليمة، التي غالباً ما تقتضي التضحية ببعض المكاسب، والقبول بالتنازل عن بعض مظاهر السلطة، ومن قبل الأطراف ذات العلاقة بذلك التغيير، فتمسك أي منهما بما ينادي له (المطالب، بكسر اللام، بالتغيير)، والمناهض له (المطالب، بفتح اللام، به)، يؤدي إلى تأزم العلاقة بينهم، وتلاشي مفردات لغة التخاطب التي تسهل عمليات التفاهم في صفوفهم.