كلنا مدركون بأن المولى عز وجل حفظ بلادنا البحرين، وسخر من أجلها المخلصين من أبنائها للدفاع عنها بالحق والصدق، وكلنا نعلم بأننا طوال سنة ونيف خطت الدولة خطوات عديدة وكبيرة، إما في إطار احتواء الأزمة أو معالجتها بحكمة أو التعامل مع تداعياتها بأسلوب حضاري يفكر في تقليل الضرر خاصة المرتبط بالشرخ المجتمعي الكبير.
بعد المحطة الأخيرة في جنيف كثيرون تنفسوا الصعداء وفرحوا بالإنجاز وبإشادات الدول العالمية، مقابل اندحار الباطل وفشل نوايا المغرضين، كثيرون قالوا بأن قافلة هذه البلد تسير، وستظل سائرة رغم محاولات تعكير صفو الحياة في البحرين، ورغم استمرار مؤامرات الاستهداف.
نعم اجتزنا محطات كثيرة ووعرة، مراحل مفصلية تخطتها البحرين بنجاح، بالتالي بالفعل القافلة تسير، لكننا هنا نقول وبكل أمانة وصدق بلا أدنى مجاملات إن القافلة ستسير لكن نتساءل “كيف يجب أن تسير؟!”
إن كنا بعدما تعرضت له البحرين من محاولة اختطاف ومساع انقلابية سنواصل تسيير البلد بنفس الآلية والأسلوب وترك كثير من الممارسات والطرائق دون إعادة نظر أو مراجعة، فإننا نعود لارتكاب نفس الأخطاء التي أسست لمرحلة طمع فيها الطامعون في سرقة البحرين.
نعلم تماماً بأن الشعب المخلص بكافة مكوناته وقف مع النظام ومع البلد، ولكن هذا لا يعني بأنه يقف مع أي ممارسات خاطئة أو سياسات غير صحيحة، خاصة فيما يتعلق بظواهر غير سوية يفترض أن تنتهي في مجتمع مؤسسات وقانون، على رأس ذلك الفساد المالي والإداري وإحلال الشخصيات في مناصب بحسب النسب والحسب أو الواسطات والمحسوبيات إضافة لهدر المال العام والتمييز إلى غيرها من أمور يجب أن يتم العمل على تصليحها بشكل سريع وعاجل.
ليس النجاح فقط مرهوناً بعملية “مراجعة” أمام محفل دولي بشأن قضايا “حقوق الإنسان” كونها تمثل ملفاً تعتمد عليه قوى معارضة وأناساً ذوي أجندة لاستهداف البحرين وإدانتها، بل النجاح الأكبر هو في إجراء عملية “مراجعة شاملة” لأداء الدولة باختلاف قطاعاتها، إجراء تقييم شامل لأداء كافة المنظومات، تفعيل الشعارات التي نسمعها وتتكرر دائماً بشأن محاربة الفساد ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب ومحاربة المحسوبيات والواسطات والحفاظ على أملاك البلد العامة، وهي -ونقولها بكل أمانة- شعارات راقية ورائعة لكننا لا نرى تفعيلاً صريحاً لها، وإن كان من تطبيق فإنه بنسبة لا تكاد ترتقي لربع الطموح. رغم ما عصف بالبحرين من أزمات إلا أنها تواصل النهوض والمسير، وهنا حتى يكون المسير صحيحاً لابد من خارطة طريق واضحة، والأهم خارطة يمكن تطبيقها ولا تتحول مجرد لشعار نكرره بالكلام ونقرنه بكل فعل أو أداء، بينما في الحقيقة لا نرى له أي تطبيق فعلي وحقيقي على الأرض.
حينما نرى “اللص” يسرق ويستهتر بالمال العام ولا يحاسب، فاسمحوا لنا أن نشكك في مقولة “دولة مؤسسات وقانون”.
وحينما نرى تقارير لديوان الرقابة المالية تتضخم كل سنة حاملة بين جنباتها توثيقاً مخيفاً للفساد المالي والإداري دون أن ينتج عن ذلك محاسبة أو مساءلة أو إقالة لوزير أو مسؤول، فاسمحوا لنا بالتالي أن نطالب بإغلاق الديوان كون تقريره أصبح مثل كثير من كتاباتنا التي تكتب عن الفساد.. أعني أصبح “ينفخ في جربة مثقوبة”.
بل حينما نرى الكفاءات تهاجر خارج البلاد، أو تعاني في إيجاد وظيفة، أو لا تحصل على حقها في الوصول لمناصب عليا، لأن هذه المناصب مقصورة على أصحاب الواسطات أو العوائل أو الأنساب أو من يراد إرضاءه أو استرضائه، فحينها اسمحوا لنا أن نطالب بإلغاء مبدأ “وضع الرجل المناسب في المكان المناسب” من رؤية البحرين الاقتصادية ومن كافة التصريحات، لأنه مبدأ “خرافي” لا وجود له على أرض الواقع.
نعم القافلة ستسير، لكننا لا نريدها أن تسير بنفس الطريقة التي سارت عليها في السابق، بل نريد لها مساراً صحيحاً يوصلها لمقاصدها دون أية معوقات أو عثرات. فهل يمكن تحقيق ذلك؟!