«تصخين”؛ بالعامية البحرينية تعني تسخين، حيث يتم استبدال حرف السين بالصاد، حتى يقال لمن يصاب بالأنفلونزا مثلاً فلان “امصخن”؛ أي أن جسمه ساخن بسبب حرارته المرتفعة. و«التصخين” لفظة تستخدم بمعنى التمهيد للشيء، فالرياضي مثلا “يصخن” كي يتمكن من ممارسة الرياضة دون أن تسبب له أذى فيهتم باستطالة العضلات بواسطة “التصخين” كي يكون قادراً على الأداء بشكل أفضل، والحال نفسه في الممارسات الأخرى، وهذا هو ديدن الناس في كل بلاد العالم، حيث قبل مباشرة أي عمل يتم التمهيد له بتهيئة الجسد وتهيئة النفس، والهدف هو الأداء الجيد وتحقيق النجاح.
لكنها المرة الأولى في التاريخ التي يتم فيها “التصخين” لمسيرة سيتم تنفيذها بعد أيام؛ حيث درج ذلك البعض فور الإعلان عن فعالية ما يعتبرونها “كبرى” على الخروج في مسيرات في القرى يشار إليها في مواقع التواصل الاجتماعي على أنها (استعداداً للمسيرة الفلانية)، بما يوحي أنها “بروفة”، والواضح أنها كذلك، فهي ليست مجرد بروفة على المشي أو الجري والهتاف ولكنها بروفة أيضاً في جانبها الآخر المتمثل في المواجهة مع رجال الأمن وما يستتبع ذلك من كر وفر، حيث لا يخلو الأمر غالباً من مواجهات باعتبار أن ما يقومون به مخالف للقانون كون تلك المسيرات غير مرخصة وتتسبب في أذى الآخرين.
قبل فعالية الجمعة الماضية التي تم بها استهداف العاصمة خرجت العديد من المسيرات في القرى (استعداداً) و(تصخيناً) لتلك الفعالية، والحال نفسه تم ويتم عند الإعلان عن أي فعالية يعتبرونها كبيرة، الأمر الذي يستوجب وقفة للتساؤل عن سبب اعتماد هذا الأسلوب الغريب، ذلك أنه في كل دول العالم يستعد الذين سيشاركون في المسيرات بإعداد اللافتات وخياطة الأعلام وحصر الشعارات والتحشيد للفعالية، لكنهم أبداً لا يخرجون في مسيرات تأخذ صفة التمهيد و«التصخين” للمسيرة الأكبر.
ترى ما هو الهدف من اعتماد هذا الأسلوب؟ السؤال مهم، وجوابه الواضح هو أن الهدف من ذلك هو عدم السماح لتوقف الحراك والتقاط الأنفاس كي لا يفتر الناس وينتبهوا ويسألوا أنفسهم على الأقل إلى أين يريدون أن يأخذوننا، فالتوقف انتظاراً لموعد الفعالية المعلن عنها قد يؤدي إلى التراخي وقد تحصل حالة من الملل، وهذا قد يقلل من أعداد المشاركين لاحقاً. وفي النهاية قد يفرط الحبل من يد الممسكين به وتنتهي القصة، لهذا يحرص أولئك على شغل فراغات الناس البسطاء بمسيرات تأخذ صفة التمهيد للفعالية الكبرى ولتكون أيضاً “بروفة” يكتسب فيها المشاركون مهارات يراد لهم اكتسابها ليتمكنوا من الإفلات من رجال الأمن.
هي المرة الأولى في التاريخ التي يتم فيها التمهيد لمسيرة بمسيرات، و«التصخين” لفعالية بسلسلة من المسيرات، والتدرب عمليا على المواجهات المتوقعة. هذه مسألة ينبغي الانتباه إليها خاصة أنه يراد منها أن تؤدي غرضاً آخر هو استنزاف رجال الأمن وإرهاقهم ظناً منهم أنهم لن يتمكنوا من مواجهة التخريب في الفعالية الكبرى.
هدف آخر يرمي إليه أولئك الذين يقفون وراء هذا الأسلوب ويمسكون بالخيوط التي تحرك البسطاء هو توصيل رسالة إلى الناس في الخارج والقول إن البحرين لا تهدأ وإنه لا استقرار فيها وإنه لا بد من تحرك المجتمع الدولي لـ “إنقاذ” شعب البحرين! وإن هذا دليل على عدم جدية السلطة في حل المشكلة ، فلولا كل ذلك لهدأت البلاد ولاختفت تلك المسيرات.
المختار
هل يدخل هذا في حيز التفكير الجهنمي؟ الجواب هو نعم، لكنه يعني أيضا شيئا آخر هو أن هذا التفكير الجهنمي ليس نتاج عقل ذلك البعض ولكنه نتاج خبرة ومكر يتصف به آخرون يحركون خيوط محركي خيوط البسطاء.