بين أقصرها وأطولها؛ نجلس في الخليج على إرث من تناقضات الحروب، فقد كنا على طرف أقصر حرب في التاريخ حين قصفت بريطانيا في الساعة 09:00 من 27 أغسطس 1896م القصر السلطاني العماني في زنجبار بعد استيلاء خالد بن برغش على الحكم عنوة لتنتهي باستسلام حاميته الساعة 09:38 من نفس الصباح. وكنا بقرب دبابات العراق حين انطلقت لإيران في 22 سبتمبر 1980م، لتتوقف بعد ثمان سنوات بسقوط الإيرباص الإيرانية بصاروخ أمريكي في 3 يوليو 1988م منهية الحرب العراقية الإيرانية، أطول حروب القرن العشرين. ونسجل حالياً سبقاً جديداً بمدة انتظار الحرب بين طهران والغرب التي لو حدثت لشغلت العالم جراء حجم انتظارها كما شغلتهم الحرب العالمية الثانية. لقد سهلت أهمية نفط الخليج العربي استثارة مخاوف الغرب. أما خميرة مخاوفنا فهي مشروع طهران النووي وما يعنيه من نفوذ غير مقبول. لكن المعطيات الحقيقية تدفع بالحرب بعيداً. وهذه بعض الأسباب التي تهدم العمق في طروحات من يراهن على ضرب إيران عسكرياً:
1- لا شك أن الريبة من حكومة طهران مقيمة بيننا، وقد استقر كوديعة منسية في اللاوعي الخليجي شعور يصل حد التشفي في أن نرى إيران تتعرض لهجوم عسكري غربي متجاوزين أن الهدف الأهم من كل حرب هو إعادة تنظيم الجغرافية السياسية، ولضعف إمكانية حدوث التنظيم المطلوب فإن المواجهة لن تحدث في المدى القريب، ولنا في مخرجات الربيع العربي والتردد الغربي في إسقاط الأسد خير دليل على عجزه في التأثير بالنتائج.
2- تبدو الجمهورية الإسلامية منذ قيامها كبلد يرتدي الكوارث إن لم ترتديه، ورغم أن الحرب لو حدثت ستحطم قروناً من التراكم الحضاري، إلا أن طهران تروج أكثر من غيرها للهجوم طمعاً في إصفاف الشعب الإيراني حول النظام، مراهنة على أن ثقافة الشعب الإيراني الفارسية والإسلامية ستجعل المعارضة تخجل من أن تركل نجاد الجريح وهو على الأرض، وإن لم يكن الترويج للهجوم مبرمجاً؛ فما تبرير إصدار المرشد الأعلى أمراً مباشراً بإطلاق الغواصة “طارق 901” وإنزال المدمرة الجديدة “سهند” من بندر عباس! وما تبرير إعلان قائد الحرس الثوري الإيراني “أن إسرائيل ستشن الحرب على إيران في نهاية المطاف” فكيف يقول ذلك وهو على رأس هرم المؤسسة العسكرية المعنية بنشر الاطمئنان لا الخوف.
3- تمنى البعض بأن المناورة التي جرت في الخليج هذا الشهر، ووصفت بأنها الأضخم في الشرق الأوسط، هي جزء مما يسميه العسكريون “إجراءات ما قبل المعركة” لحدوثها في وقت ذروة التوتر مع طهران، لكن الحقيقة أن المناورات والدول الـ30 المشاركة فيها موجودة في الخليج منذ عقد تحت مسمى قوات الواجب المشتركة “Combined Task Force”، ولم يزد على ما كانت تقوم به سنوياً بمشاركة قواتنا الخليجية إلا تمرين كسح الألغام، فالنية لشن الحرب غير متوفرة حالياً لا في الولايات المتحدة ولا حتى في إسرائيل للأسباب التالية:
• استقر الرأي في البنتاغون على أن الضربة يجب أن تجعل طهران غير قادرة على الرد وأن ينهار نظام الحكم فوراً. لكن واشنطن غير جاهزة لذلك لكون الفكر العسكري الأمريكي قد ركز خلال عقد مضى على مكافحة الإرهاب، والمعارك الصغيرة والصراعات المتماثلة. مما سيجعل مخرجات الهجوم كمخرجات الحرب في العراق وأفغانستان بنتائجها الهزيلة وخطر تبعاتها على الجهد الانتخابي لمرشحي الرئاسة.
• الصهاينة غيرمؤهلين لشنها لوحدهم؛ فنزهة مفاعل أوزاريك العراقي 1981م كانت ضد مفاعل واحد وليس 11 موقعاً إيرانياً، كما اتسعت حلقة القادة العسكريين الصهاينة الرافضين لتوجيه الضربة، بل إن نتنياهو انسحب محتجاً من جلسة للحكومة المصّغرة “لخلافاتٍ حول إيران في الأجهزة الأمنية”، وزاد الطين بله رد أمريكا على لسان الجنرال ديمبسي بأنها لن تشارك ولا تبارك، بل والتشكيك أن لتل أبيب القدرة وحدها لتنفيذ الضربة.
4- ستكون الكلفة السياسية للحرب عالية بدرجة تمنع نشوبها؛ فقد يشمل الرد الإيراني فتح جبهات عدة في زمن واحد كإغلاق هرمز ومهاجمة المنشآت النفطية والقواعد الأمريكية في الخليج، وتأجيج الاضطرابات في العراق وخلق انتفاضة في أفغانستان وشن موجة هجمات بخلايا حزب الله النائمة، وقد يتعاطف المسلمون مع إيران رفضاً للترويض الفكري الذي يمارسه الغرب لتعليمنا السكوت حين التطاول على النبي -صلى الله عليه وسلم- مع إمكانية إلغاء اتفاقيات السلام بين إسرائيل ومصر والأردن.
أما في الخليج فسيكون من تبعات الضربة اهتزاز الوحدة الوطنية في بعض الدول كون شارع الربيع العربي هو المسيطر على قادته هذه الأيام، فقد يقوم معسكر بتحريض الحكومات على كتل اجتماعية خليجية تتعاطف مع طهران، وفي الوقت نفسه ترتفع فكرة المظلومية وتبعاتها في المعسكر الآخر لعدم وجود إطار وغطاء قانوني يعطي المبرر الأخلاقي للهجوم على دولة مسلمة.
5- ستكون تداعيات الحرب على الاقتصاد الخليجي والدولي ضخمة، فقد ترتفع أسعار النفط فوق 250 دولاراً للبرميل ثم أسعار كل شيء لتنهار معها ثقة المستثمرين، بخلاف الآثار النفسية السلبية المتوقعة على الأسواق المالية ليعود ارتفاع البطالة في عالم لازال يضمد جراحه من أزمة اقتصادية مرعبة، كما إن الأضرار وعبء تمويل المواجهة العسكرية ستفوق مكاسب العملية أضعاف المرات.
6- لم تقم الثورة الإيرانية في الأصل لإسقاط الشاه ونظامه العلماني الموال للغرب إلا لتطبيق فكر الإمام الخميني بإقامة “نظام إسلامي”، وبعد تحقيق ذلك تم تحصين فكر الإمام بجعل حماية هذا النظام قضية الأمن القومي الأولى؛ فإذا كان الشعب قد مات في الموجات البشرية دفاعاً عن ذلك، فإن صانع القرار السياسي ملزم بالتراجع عن مواقفه حين الاقتراب من الخط الأحمر الذي قد يقوض “مركز الثقل الإيراني” وهو نظام الملالي الإسلامي.
في السنوات الماضية غذت غرف التحريرالصحفية لا غرف العمليات الحربية أطول مدة والناس تنتظر حرب، ونقل الصحافيون والكتاب لا ضباط الأركان وصناع القرار السياسي توجيه الضربة ضد إيران من مربع الجدوى لمربع الضرورة، ثم لمربع الشرعية، مع أن ما يلوح في الأفق يظهر أن الردع النووي الصارم كما طبق ضد السوفييت والصينيين يمكن أن يجعل الضربة الاستباقية غير ضرورية. إضافة إلى أن إسقاط نظام الملالي بالعقوبات أو الخصوم السياسيين أو المعارضة أو الربيع الفارسي أكثر قابلية للتطبيق، كما إن الدخول مع طهران لوقف طموحها النووي عبر مفاوضات تسوية لا مفاوضات ضغط قد يحقق ما تحققه الحرب.
?المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج
1- لا شك أن الريبة من حكومة طهران مقيمة بيننا، وقد استقر كوديعة منسية في اللاوعي الخليجي شعور يصل حد التشفي في أن نرى إيران تتعرض لهجوم عسكري غربي متجاوزين أن الهدف الأهم من كل حرب هو إعادة تنظيم الجغرافية السياسية، ولضعف إمكانية حدوث التنظيم المطلوب فإن المواجهة لن تحدث في المدى القريب، ولنا في مخرجات الربيع العربي والتردد الغربي في إسقاط الأسد خير دليل على عجزه في التأثير بالنتائج.
2- تبدو الجمهورية الإسلامية منذ قيامها كبلد يرتدي الكوارث إن لم ترتديه، ورغم أن الحرب لو حدثت ستحطم قروناً من التراكم الحضاري، إلا أن طهران تروج أكثر من غيرها للهجوم طمعاً في إصفاف الشعب الإيراني حول النظام، مراهنة على أن ثقافة الشعب الإيراني الفارسية والإسلامية ستجعل المعارضة تخجل من أن تركل نجاد الجريح وهو على الأرض، وإن لم يكن الترويج للهجوم مبرمجاً؛ فما تبرير إصدار المرشد الأعلى أمراً مباشراً بإطلاق الغواصة “طارق 901” وإنزال المدمرة الجديدة “سهند” من بندر عباس! وما تبرير إعلان قائد الحرس الثوري الإيراني “أن إسرائيل ستشن الحرب على إيران في نهاية المطاف” فكيف يقول ذلك وهو على رأس هرم المؤسسة العسكرية المعنية بنشر الاطمئنان لا الخوف.
3- تمنى البعض بأن المناورة التي جرت في الخليج هذا الشهر، ووصفت بأنها الأضخم في الشرق الأوسط، هي جزء مما يسميه العسكريون “إجراءات ما قبل المعركة” لحدوثها في وقت ذروة التوتر مع طهران، لكن الحقيقة أن المناورات والدول الـ30 المشاركة فيها موجودة في الخليج منذ عقد تحت مسمى قوات الواجب المشتركة “Combined Task Force”، ولم يزد على ما كانت تقوم به سنوياً بمشاركة قواتنا الخليجية إلا تمرين كسح الألغام، فالنية لشن الحرب غير متوفرة حالياً لا في الولايات المتحدة ولا حتى في إسرائيل للأسباب التالية:
• استقر الرأي في البنتاغون على أن الضربة يجب أن تجعل طهران غير قادرة على الرد وأن ينهار نظام الحكم فوراً. لكن واشنطن غير جاهزة لذلك لكون الفكر العسكري الأمريكي قد ركز خلال عقد مضى على مكافحة الإرهاب، والمعارك الصغيرة والصراعات المتماثلة. مما سيجعل مخرجات الهجوم كمخرجات الحرب في العراق وأفغانستان بنتائجها الهزيلة وخطر تبعاتها على الجهد الانتخابي لمرشحي الرئاسة.
• الصهاينة غيرمؤهلين لشنها لوحدهم؛ فنزهة مفاعل أوزاريك العراقي 1981م كانت ضد مفاعل واحد وليس 11 موقعاً إيرانياً، كما اتسعت حلقة القادة العسكريين الصهاينة الرافضين لتوجيه الضربة، بل إن نتنياهو انسحب محتجاً من جلسة للحكومة المصّغرة “لخلافاتٍ حول إيران في الأجهزة الأمنية”، وزاد الطين بله رد أمريكا على لسان الجنرال ديمبسي بأنها لن تشارك ولا تبارك، بل والتشكيك أن لتل أبيب القدرة وحدها لتنفيذ الضربة.
4- ستكون الكلفة السياسية للحرب عالية بدرجة تمنع نشوبها؛ فقد يشمل الرد الإيراني فتح جبهات عدة في زمن واحد كإغلاق هرمز ومهاجمة المنشآت النفطية والقواعد الأمريكية في الخليج، وتأجيج الاضطرابات في العراق وخلق انتفاضة في أفغانستان وشن موجة هجمات بخلايا حزب الله النائمة، وقد يتعاطف المسلمون مع إيران رفضاً للترويض الفكري الذي يمارسه الغرب لتعليمنا السكوت حين التطاول على النبي -صلى الله عليه وسلم- مع إمكانية إلغاء اتفاقيات السلام بين إسرائيل ومصر والأردن.
أما في الخليج فسيكون من تبعات الضربة اهتزاز الوحدة الوطنية في بعض الدول كون شارع الربيع العربي هو المسيطر على قادته هذه الأيام، فقد يقوم معسكر بتحريض الحكومات على كتل اجتماعية خليجية تتعاطف مع طهران، وفي الوقت نفسه ترتفع فكرة المظلومية وتبعاتها في المعسكر الآخر لعدم وجود إطار وغطاء قانوني يعطي المبرر الأخلاقي للهجوم على دولة مسلمة.
5- ستكون تداعيات الحرب على الاقتصاد الخليجي والدولي ضخمة، فقد ترتفع أسعار النفط فوق 250 دولاراً للبرميل ثم أسعار كل شيء لتنهار معها ثقة المستثمرين، بخلاف الآثار النفسية السلبية المتوقعة على الأسواق المالية ليعود ارتفاع البطالة في عالم لازال يضمد جراحه من أزمة اقتصادية مرعبة، كما إن الأضرار وعبء تمويل المواجهة العسكرية ستفوق مكاسب العملية أضعاف المرات.
6- لم تقم الثورة الإيرانية في الأصل لإسقاط الشاه ونظامه العلماني الموال للغرب إلا لتطبيق فكر الإمام الخميني بإقامة “نظام إسلامي”، وبعد تحقيق ذلك تم تحصين فكر الإمام بجعل حماية هذا النظام قضية الأمن القومي الأولى؛ فإذا كان الشعب قد مات في الموجات البشرية دفاعاً عن ذلك، فإن صانع القرار السياسي ملزم بالتراجع عن مواقفه حين الاقتراب من الخط الأحمر الذي قد يقوض “مركز الثقل الإيراني” وهو نظام الملالي الإسلامي.
في السنوات الماضية غذت غرف التحريرالصحفية لا غرف العمليات الحربية أطول مدة والناس تنتظر حرب، ونقل الصحافيون والكتاب لا ضباط الأركان وصناع القرار السياسي توجيه الضربة ضد إيران من مربع الجدوى لمربع الضرورة، ثم لمربع الشرعية، مع أن ما يلوح في الأفق يظهر أن الردع النووي الصارم كما طبق ضد السوفييت والصينيين يمكن أن يجعل الضربة الاستباقية غير ضرورية. إضافة إلى أن إسقاط نظام الملالي بالعقوبات أو الخصوم السياسيين أو المعارضة أو الربيع الفارسي أكثر قابلية للتطبيق، كما إن الدخول مع طهران لوقف طموحها النووي عبر مفاوضات تسوية لا مفاوضات ضغط قد يحقق ما تحققه الحرب.
?المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج