بطبيعة الحال، وفي سياق رصد المؤشرات الموحية باحتمالات ضرب إيران قريبا، من الخطأ إغفال تلك التحذيرات التي وجهها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عند لقائهما خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر، والتي دأب نجاد على المشاركة فيها شخصياً منذ العام 2005، “من استخدام لغة تحريضية”، لافتاً “ إلى العواقب الضارة المحتملة للخطاب التحريضي والخطاب المضاد”، وتزامن ذلك مع تلك الدعوة التي وجهها رئيس الكنيست الإسرائيلي رؤوفين ريفلين إلى “رؤساء البرلمانات من مختلف دول العالم إلى مقاطعة خطاب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي سيلقيه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة”. كل ذلك يعني سعي من يحضرون، دون أن يشمل ذلك بان كي مون، للضربة لتأجيج المنظمات الدولية ضد إيران في حال تلقيها تلك الضربة التي تشير لها مثل تلك التحركات.
جرت كل تلك الترتيبات التي تحدثنا عنها على الضفاف الجغرافية البعيدة عن الشواطئ الإيرانية، أما بالنسبة لداخل إيران فيأتي الكشف عن “جهاز تجسس كان داخل صخرة مرمية بجوار منشأة نووية إيرانية”، والذي اعتبرته إيران السبب “فيما حدث فيها يوم 17 أغسطس 2012، ورأت فيه إيران عملية تخريب طالت الأسلاك الكهربائية الممولة (محطة فردو) بالطاقة، فتوقف بسببه تخصيب اليورانيوم وقتها طوال أسابيع في (فردو) البعيدة، بجوار مدينة قم 130 كيلومتراً عن طهران”، بمثابة الإنذار المباشر عن انتقال المعارك من حيزها اللفظي إلى نطاقها العملي.
وفي نطاق الضربة العسكرية التي نتوقعها، لا يبدو أن إيران غافلة عنها، بل هي تكتل جهودها كي تكون مستعدة لها، فقد أعلن قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري “أن إسرائيل ستتجاوز في نهاية المطاف التهديدات وتشن الحرب على إيران، مؤكداً أن بلاده مستعدة لمثل هذا الاحتمال، وأن الدمار سيلحق بإسرائيل نتيجة لذلك”. وأكد جعفري في تصريح نقلته وكالتا “أيسنا” و«فارس” للأنباء “إن الحرب ستحصل في نهاية المطاف، ولكن من غير المؤكد أين ومتى؟ مضيفاً أن الورم المخزي والسرطاني المسمى إسرائيل يسعى إلى شن حرب علينا، ولكن من غير المعروف متى ستحصل هذه الحرب؟”.
وفي هذا السياق أيضاً جاء الاحتراز الإيراني سريعاً؛ ففي 9 سبتمبر 2012 “انضمت إلى الأسطول الإيراني الغواصة (طارق – 901) والمدمرة (سهند) بمراسم نظمت في ميناء بندر عباس. ونظمت هذه المراسم في أعقاب زيارة قام بها الزعيم الديني الإيراني آية الله علي خامنئي للقاعدة البحرية بميناء نوشار.
إذاً، كلا الطرفان بات مستعداً للصدام، وباتت ساعة توجيه الضربة لإيران قاب قوسين أو أدنى، لا يؤجلها سوى الخلاف هو حول تحديد ساعة الصفر على نحو دقيق من جانب، ووضع التصورات التفصلية لردود الفعل المتوقعة من إيران فيما لو تلقت مثل تلك الضربة، من جانب آخر.
يشير إلى دنو ساعة الصفر ما تسرب بقصد ووعي، وربما بدون قصد أيضاً، أخبار العديد من سيناريوهات تلك الضربة التي تراوحت بين تحمل إسرائيل منفردة تلك المسؤولية إلى مشاركة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، فيما ذهبت بعض السيناريوهات إلى ضرورة إشراك دول حلف الناتو كما حصل في ليبيا، ودعا البعض الآخر منها إلى العودة إلى ما جرى في حرب السويس عندما شنت ثلاث دول هي إسرائيل وبريطانيا وفرنسا حرباً علنية على مصر في العام 1956، التي كانت حينها، مع الفروقات بين مصر الأمس وإيران اليوم، تشكل أحد مصادر القلق الرئيسة لاستراتيجيات الغرب تجاه الشرق الأوسط في بدء تشكل ظروف الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي. كل تلك السيناريوهات، دون أن نغفل واحداً منها، لا تلغي ذلك الذي يلمح إلى احتمال بروز خلافات جوهرية بين تل أبيب وواشنطن في هذا المجال. حيث، وكما تكهنت صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية في عددها الصادر يوم الأحد 23 سبتمبر 2012، “بالسيناريوهات المحتملة في حالة إقدام إسرائيل على تنفيذ تهديدها بضرب إيران وتجاهلت دعوات الرئيس الأمريكي باراك أوباما لها بضبط النفس، وتساءلت عن رد فعل واشنطن المنتظر حيال ذلك الشأن”، ثم خلصت الصحيفة إلى القول إنه في تلك اللحظة “سيعلن وزير الدفاع ليون بانيتا على الفور الخيارات المطروحة أمام الولايات المتحدة الأمريكية لمعالجة تلك الأزمة.. وهي إما إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوقف الضربة على إيران أو اضطرار واشنطن لإسقاط الطائرات الإسرائيلية المشاركة بهذه الضربة”!!
من جانبها، تحاول إسرائيل عبر قنواتها الخاصة استقراء المترتبات على توجيه ضربة لإيران، وهذا ما قامت به صحيفة (جيروزاليم بوست) عندما وجهت سؤالين هما “ما هي السيناريوهات المتوقعة لو وجهت أمريكا أو إسرائيل ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية؟ وهل تستطيع إيران الردّ بضرب إسرائيل بأسلحة دمار شامل؟ وأفردت الصحيفة “ست صفحات كاملة، مستضيفة ثلاثة من المستشارين الاستراتيجيين الإسرائيليين ليناقشوا تداعيات أي ضربة مستقبلية لمنشآت إيران النووية”.
من بين السيناريوهات الأخرى هناك أيضاً ذلك الذي قام بطرحه الفريق المتقاعد في سلاح الجو الأمريكي، والذي ساعد في التخطيط لعمليات القصف الجوي التي طالت العراق في العام 1991، توم ماكلنيرني، والمرتكز أساساً على “قيام الولايات المتحدة باستهداف 1000 موقع في إيران عبر 15 طائرة B2 Stealth، القاذفة للقنابل المتمركزة في الولايات المتحدة، يساندها 45 طائرة أخرى من نوع F117S وF-22S المتمركزة في المنطقة، لتقوم بالهجمات الأولى لتدمير الرادارات الإيرانية البعيدة المدى والدفاعات الإيرانية الإستراتيجية”.
سيناريو آخر تتبناه مجموعة أكسفورد البحثية وقام بعرضه الخبير والمستشار في المركز “بول روجيرز” في دراسة موسعة تحصر دائرة الضربة في هدفين “الأول هو التخريب الكلي للبرنامج النووي الإيراني لدرجة أن أي خطة لإنتاج أسلحة نووية إيرانية ستتأخر نتيجة للضربة 5 سنوات على الأقل، وربما أكثر من ذلك أيضاً. أما الثاني فيهدف إلى إظهار أن الولايات المتحدة مستعدة بشكل واضح للقيام بعمل عسكري وقائي كبير في هذا الإطار، وستلجأ إلى تطبيقها ضد أية نشاطات أو أعمال إيرانية أخرى قد ترى أنها غير مقبولة”. أخيراً وليس آخراً، هناك السيناريو الذي نشرته مؤخراً صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، والذي هو عبارة عن “محاكاة لسيناريو محتمل لتوجيه إسرائيل ضربة لإيران” قام به مركز “سابان لسياسة الشرق الأوسط” التابع لـ “معهد بروكنغز” الأمريكي.
تسرب أخبار تلك السيناريوهات لا يعني اقتراب ساعة الصفر فحسب؛ إنما يعني أيضا أن هناك سيناريوهات أخرى لم يكشف عنها الستار، وهي التي تغربل اليوم على طاولة العمليات العسكرية كي ينفذ الأفضل منها عندما يتخذ القرار.
{{ article.visit_count }}
جرت كل تلك الترتيبات التي تحدثنا عنها على الضفاف الجغرافية البعيدة عن الشواطئ الإيرانية، أما بالنسبة لداخل إيران فيأتي الكشف عن “جهاز تجسس كان داخل صخرة مرمية بجوار منشأة نووية إيرانية”، والذي اعتبرته إيران السبب “فيما حدث فيها يوم 17 أغسطس 2012، ورأت فيه إيران عملية تخريب طالت الأسلاك الكهربائية الممولة (محطة فردو) بالطاقة، فتوقف بسببه تخصيب اليورانيوم وقتها طوال أسابيع في (فردو) البعيدة، بجوار مدينة قم 130 كيلومتراً عن طهران”، بمثابة الإنذار المباشر عن انتقال المعارك من حيزها اللفظي إلى نطاقها العملي.
وفي نطاق الضربة العسكرية التي نتوقعها، لا يبدو أن إيران غافلة عنها، بل هي تكتل جهودها كي تكون مستعدة لها، فقد أعلن قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري “أن إسرائيل ستتجاوز في نهاية المطاف التهديدات وتشن الحرب على إيران، مؤكداً أن بلاده مستعدة لمثل هذا الاحتمال، وأن الدمار سيلحق بإسرائيل نتيجة لذلك”. وأكد جعفري في تصريح نقلته وكالتا “أيسنا” و«فارس” للأنباء “إن الحرب ستحصل في نهاية المطاف، ولكن من غير المؤكد أين ومتى؟ مضيفاً أن الورم المخزي والسرطاني المسمى إسرائيل يسعى إلى شن حرب علينا، ولكن من غير المعروف متى ستحصل هذه الحرب؟”.
وفي هذا السياق أيضاً جاء الاحتراز الإيراني سريعاً؛ ففي 9 سبتمبر 2012 “انضمت إلى الأسطول الإيراني الغواصة (طارق – 901) والمدمرة (سهند) بمراسم نظمت في ميناء بندر عباس. ونظمت هذه المراسم في أعقاب زيارة قام بها الزعيم الديني الإيراني آية الله علي خامنئي للقاعدة البحرية بميناء نوشار.
إذاً، كلا الطرفان بات مستعداً للصدام، وباتت ساعة توجيه الضربة لإيران قاب قوسين أو أدنى، لا يؤجلها سوى الخلاف هو حول تحديد ساعة الصفر على نحو دقيق من جانب، ووضع التصورات التفصلية لردود الفعل المتوقعة من إيران فيما لو تلقت مثل تلك الضربة، من جانب آخر.
يشير إلى دنو ساعة الصفر ما تسرب بقصد ووعي، وربما بدون قصد أيضاً، أخبار العديد من سيناريوهات تلك الضربة التي تراوحت بين تحمل إسرائيل منفردة تلك المسؤولية إلى مشاركة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، فيما ذهبت بعض السيناريوهات إلى ضرورة إشراك دول حلف الناتو كما حصل في ليبيا، ودعا البعض الآخر منها إلى العودة إلى ما جرى في حرب السويس عندما شنت ثلاث دول هي إسرائيل وبريطانيا وفرنسا حرباً علنية على مصر في العام 1956، التي كانت حينها، مع الفروقات بين مصر الأمس وإيران اليوم، تشكل أحد مصادر القلق الرئيسة لاستراتيجيات الغرب تجاه الشرق الأوسط في بدء تشكل ظروف الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي. كل تلك السيناريوهات، دون أن نغفل واحداً منها، لا تلغي ذلك الذي يلمح إلى احتمال بروز خلافات جوهرية بين تل أبيب وواشنطن في هذا المجال. حيث، وكما تكهنت صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية في عددها الصادر يوم الأحد 23 سبتمبر 2012، “بالسيناريوهات المحتملة في حالة إقدام إسرائيل على تنفيذ تهديدها بضرب إيران وتجاهلت دعوات الرئيس الأمريكي باراك أوباما لها بضبط النفس، وتساءلت عن رد فعل واشنطن المنتظر حيال ذلك الشأن”، ثم خلصت الصحيفة إلى القول إنه في تلك اللحظة “سيعلن وزير الدفاع ليون بانيتا على الفور الخيارات المطروحة أمام الولايات المتحدة الأمريكية لمعالجة تلك الأزمة.. وهي إما إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوقف الضربة على إيران أو اضطرار واشنطن لإسقاط الطائرات الإسرائيلية المشاركة بهذه الضربة”!!
من جانبها، تحاول إسرائيل عبر قنواتها الخاصة استقراء المترتبات على توجيه ضربة لإيران، وهذا ما قامت به صحيفة (جيروزاليم بوست) عندما وجهت سؤالين هما “ما هي السيناريوهات المتوقعة لو وجهت أمريكا أو إسرائيل ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية؟ وهل تستطيع إيران الردّ بضرب إسرائيل بأسلحة دمار شامل؟ وأفردت الصحيفة “ست صفحات كاملة، مستضيفة ثلاثة من المستشارين الاستراتيجيين الإسرائيليين ليناقشوا تداعيات أي ضربة مستقبلية لمنشآت إيران النووية”.
من بين السيناريوهات الأخرى هناك أيضاً ذلك الذي قام بطرحه الفريق المتقاعد في سلاح الجو الأمريكي، والذي ساعد في التخطيط لعمليات القصف الجوي التي طالت العراق في العام 1991، توم ماكلنيرني، والمرتكز أساساً على “قيام الولايات المتحدة باستهداف 1000 موقع في إيران عبر 15 طائرة B2 Stealth، القاذفة للقنابل المتمركزة في الولايات المتحدة، يساندها 45 طائرة أخرى من نوع F117S وF-22S المتمركزة في المنطقة، لتقوم بالهجمات الأولى لتدمير الرادارات الإيرانية البعيدة المدى والدفاعات الإيرانية الإستراتيجية”.
سيناريو آخر تتبناه مجموعة أكسفورد البحثية وقام بعرضه الخبير والمستشار في المركز “بول روجيرز” في دراسة موسعة تحصر دائرة الضربة في هدفين “الأول هو التخريب الكلي للبرنامج النووي الإيراني لدرجة أن أي خطة لإنتاج أسلحة نووية إيرانية ستتأخر نتيجة للضربة 5 سنوات على الأقل، وربما أكثر من ذلك أيضاً. أما الثاني فيهدف إلى إظهار أن الولايات المتحدة مستعدة بشكل واضح للقيام بعمل عسكري وقائي كبير في هذا الإطار، وستلجأ إلى تطبيقها ضد أية نشاطات أو أعمال إيرانية أخرى قد ترى أنها غير مقبولة”. أخيراً وليس آخراً، هناك السيناريو الذي نشرته مؤخراً صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، والذي هو عبارة عن “محاكاة لسيناريو محتمل لتوجيه إسرائيل ضربة لإيران” قام به مركز “سابان لسياسة الشرق الأوسط” التابع لـ “معهد بروكنغز” الأمريكي.
تسرب أخبار تلك السيناريوهات لا يعني اقتراب ساعة الصفر فحسب؛ إنما يعني أيضا أن هناك سيناريوهات أخرى لم يكشف عنها الستار، وهي التي تغربل اليوم على طاولة العمليات العسكرية كي ينفذ الأفضل منها عندما يتخذ القرار.