الطائفة في مجتمع منقسم طائفياً مستودع الجماهير، وهذا إغراؤها الأكبر للحزبيين الصغار والكبار وللطفيليين السياسيين الذين انحجبوا عن الشعب وتقطعت أنفاسهم دونه، بسبب غربتهم عن الواقع أو بسبب سخفهم السياسي وضحالة رؤيتهم، لذلك رهنوا عضويتهم في الأحزاب الطائفية بادعاء إصلاحها أو ترشيدها «مثلما كانوا يقولون في لحظة التأزم على منصة الغياب» بما يضمن لهم جماهيرية الطائفة دون مقتضيات الامتثال للبيت الطائفي. وهذه انتهازية سياسية فاضحة مفضوحة أو هي خداع للنفس وللجمهورين الصغير والكبير.
إن الطوائف لا تحتكر خدمة الوطن ولا الجماهير، ولم تصادر حق الآخرين في تكوين أحزابهم متى شاؤوا، لذلك سعت القوى العلمانية الصغيرة إلى إنشاء أحزابها الصغيرة بموزاييكيها الوطني، إلا أنه اتضح بما لا يدع مجالاً للشك أنها كانت مخترقة من الطائفيين في الوقت الذي كانت تعتقد فيها أنها اخترقت الحزب الطائفي الكبير لحظة اعتقادها أنها تعبر إلى الجماهير من خلال الطائفة لتمرير خطابها العلماني التقدمي، لكن ما غاب عن هذه الأحزاب الصغيرة أن الطريق إلى الجماهير لا يمر بالضرورة عبر الطوائف، وقد جرب الشيوعيون والإسلاميون تخطي الطائفة إلى الجماهير في بعض اللحظات التاريخية المفصلية ونجحوا في ذلك في بعض الأحيان.
المشكلة اليوم تتمثل في استثمار قوة سياسية طائفية منظمة وممولة جيداً وضعاً سياسياً معقداً تمر به البلاد لتحل نفسها محل الوطن، فتتحدث باسم الشعب قاطبة، لكن عندما تبين لها استحالة أن تكون الشعب برمته انبرت تعلن استعدادها لبناء ما تسميه الديمقراطية التوافقية الطائفية لتلغي الوطن بما فيه ومن فيه، وكل شيء مباح على هذا النحو، بما في ذلك التحالف مع الخارج لتحقيق هيمنتها، ومن ثم تدخل في صراع شامل مع جميع المكونات التاريخية للوطن، حرثاً ونسلاً ومؤسسات، لتكرس بذلك الثقافة الطائفية القائمة على التمييز والإقصاء والاحتماء، لذلك هي أساس الشر ومكمن الداء، ولولاها لما وجد المحتل في العراق مدخلاً يدخل منه، حيث تعيق الطائفية تأسيس مؤسسات المجتمع المدني الوطنية «لا العائلية والطائفية مثلما هو حادث»، بما في ذلك الأحزاب السياسية والمنظمات المهنية والاجتماعية، وتشوه العمل السياسي عبر جعله معبراً عن الطائفة، وتعرقل تكوين الوعي الوطني المستند إلى مفهوم المواطنة الواحدة من خلال السعي إلى تجزئة هذا الوعي وتحويله إلى وعي فئوي يعبر عن مصالح ضيقة، وتشكل الحالة العراقية أسوأ صورة ممكنة لمثل هذا التحول نحو الطائفية المدعومة من الأجنبي، بما لا يساعد على إنتاج الحداثة أو فهم الإسلام، أو التقدم نحو بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحقيقية.. لذلك يحتاج التخلص من هذه الثقافة إلى ثورة فكرية حقيقية، والتحرر من المصطلحات التي أدت دوراً طائفياً ثم أصبحت عبئاً، والتي تكون بديلاً عن المواطن الذي يتجاوز التصنيفات. إن العمل الديمقراطي الحقيقي في مجتمع لايزال في بداياته الديمقراطية، يجب أن ينهض على أساس برنامج وطني مشترك، ولنسمه القدر السياسي المشترك الذي لا يدخل ضمن الجدل السياسي في هذه المرحلة التأسيسية مثل؛ الثوابت الوطنية والحرية والتعددية والإصلاح والشفافية وحقوق الإنسان واحترام القانون ورفض العنف بكل أشكاله، ومشاركة المرأة في الحياة السياسية، والمحافظة على السلم الأهلي والتسامح والوحدة الوطنية.. إلخ، وإذا وقفنا على المجال البرنامجي المشترك لدى مختلف القوى السياسية «عدا الإقصائيين في مختلف التيارات والجمعيات والاتجاهات» لوجدنا أنه يتمركز على تمسّك وثيق بمكاسب الدولة العصرية ومنظومة الحقوق المدنية المعززة بإنجازات ملموسة على الأرض في مختلف المجالات «المساواة بين الجنسين، تعميم التعليم العصري، التسامح..» وفي هذه الحالة تصبح العلاقة محكومة بنوع من الشراكة بين الطرفين داخل منظومة مرجعية، والسلطة بهذا المعنى لا تنحصر فقط في فكرة التغاير بل تدخل في مجال المشترك مع مختلف مكونات المجتمع السياسية والاجتماعية، وهي بهذا المعنى تتحالف -أو يفترض أن تتحالف- مع كافة القوى الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تعمل ضمن الثوابت وتعمل على تعزيز الدولة العصرية المستنيرة المنتمية إلى العالم الجديد، وبهذا المعنى تستدعي العلاقة مع الشريك المختلف أو المؤتلف ثقافة جديدة واستعداداً لانفتاح وجرأة في العمل السياسي الذي يستهدف تحصين الجبهة الداخلية قبل كل شيء، وضمان إجماع وطني حول رفض الفوضى والعنف والخروج عن القانون، بحيث لا يعقل أن يتم تبرير العنف والتعدي على القانون من قبل جمعيات سياسية تريد أن يكون لها شأن في الحياة السياسية.. مثلاً.
ولاشك أن مثل هذا التمشي يجعل من الفهم الدقيق والعلمي للاستحقاق السياسي وأولوياته مدخلاً ضرورياً لبناء العلاقة السياسية بين مختلف الأطراف العقلانية، والتي تنظر إلى السياسة على أساس أنها عمل وطني ضمن الأدنى المشترك والذي يتطلب التقاءً واسعاً وتوحداً صلباً حول عناصره الكبرى، ضمن حوار مؤسسي محكوم بذات التوازنات التي أنتجتها دولة الحداثة من آليات انتخاب واستشارة وسجال ونقد بناء واحترام متبادل وابتعاد عن الابتذال والسخافة التي تسود الكثير من الممارسات والتصريحات والتهديدات.
.. وللحديث صلة
إن الطوائف لا تحتكر خدمة الوطن ولا الجماهير، ولم تصادر حق الآخرين في تكوين أحزابهم متى شاؤوا، لذلك سعت القوى العلمانية الصغيرة إلى إنشاء أحزابها الصغيرة بموزاييكيها الوطني، إلا أنه اتضح بما لا يدع مجالاً للشك أنها كانت مخترقة من الطائفيين في الوقت الذي كانت تعتقد فيها أنها اخترقت الحزب الطائفي الكبير لحظة اعتقادها أنها تعبر إلى الجماهير من خلال الطائفة لتمرير خطابها العلماني التقدمي، لكن ما غاب عن هذه الأحزاب الصغيرة أن الطريق إلى الجماهير لا يمر بالضرورة عبر الطوائف، وقد جرب الشيوعيون والإسلاميون تخطي الطائفة إلى الجماهير في بعض اللحظات التاريخية المفصلية ونجحوا في ذلك في بعض الأحيان.
المشكلة اليوم تتمثل في استثمار قوة سياسية طائفية منظمة وممولة جيداً وضعاً سياسياً معقداً تمر به البلاد لتحل نفسها محل الوطن، فتتحدث باسم الشعب قاطبة، لكن عندما تبين لها استحالة أن تكون الشعب برمته انبرت تعلن استعدادها لبناء ما تسميه الديمقراطية التوافقية الطائفية لتلغي الوطن بما فيه ومن فيه، وكل شيء مباح على هذا النحو، بما في ذلك التحالف مع الخارج لتحقيق هيمنتها، ومن ثم تدخل في صراع شامل مع جميع المكونات التاريخية للوطن، حرثاً ونسلاً ومؤسسات، لتكرس بذلك الثقافة الطائفية القائمة على التمييز والإقصاء والاحتماء، لذلك هي أساس الشر ومكمن الداء، ولولاها لما وجد المحتل في العراق مدخلاً يدخل منه، حيث تعيق الطائفية تأسيس مؤسسات المجتمع المدني الوطنية «لا العائلية والطائفية مثلما هو حادث»، بما في ذلك الأحزاب السياسية والمنظمات المهنية والاجتماعية، وتشوه العمل السياسي عبر جعله معبراً عن الطائفة، وتعرقل تكوين الوعي الوطني المستند إلى مفهوم المواطنة الواحدة من خلال السعي إلى تجزئة هذا الوعي وتحويله إلى وعي فئوي يعبر عن مصالح ضيقة، وتشكل الحالة العراقية أسوأ صورة ممكنة لمثل هذا التحول نحو الطائفية المدعومة من الأجنبي، بما لا يساعد على إنتاج الحداثة أو فهم الإسلام، أو التقدم نحو بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحقيقية.. لذلك يحتاج التخلص من هذه الثقافة إلى ثورة فكرية حقيقية، والتحرر من المصطلحات التي أدت دوراً طائفياً ثم أصبحت عبئاً، والتي تكون بديلاً عن المواطن الذي يتجاوز التصنيفات. إن العمل الديمقراطي الحقيقي في مجتمع لايزال في بداياته الديمقراطية، يجب أن ينهض على أساس برنامج وطني مشترك، ولنسمه القدر السياسي المشترك الذي لا يدخل ضمن الجدل السياسي في هذه المرحلة التأسيسية مثل؛ الثوابت الوطنية والحرية والتعددية والإصلاح والشفافية وحقوق الإنسان واحترام القانون ورفض العنف بكل أشكاله، ومشاركة المرأة في الحياة السياسية، والمحافظة على السلم الأهلي والتسامح والوحدة الوطنية.. إلخ، وإذا وقفنا على المجال البرنامجي المشترك لدى مختلف القوى السياسية «عدا الإقصائيين في مختلف التيارات والجمعيات والاتجاهات» لوجدنا أنه يتمركز على تمسّك وثيق بمكاسب الدولة العصرية ومنظومة الحقوق المدنية المعززة بإنجازات ملموسة على الأرض في مختلف المجالات «المساواة بين الجنسين، تعميم التعليم العصري، التسامح..» وفي هذه الحالة تصبح العلاقة محكومة بنوع من الشراكة بين الطرفين داخل منظومة مرجعية، والسلطة بهذا المعنى لا تنحصر فقط في فكرة التغاير بل تدخل في مجال المشترك مع مختلف مكونات المجتمع السياسية والاجتماعية، وهي بهذا المعنى تتحالف -أو يفترض أن تتحالف- مع كافة القوى الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تعمل ضمن الثوابت وتعمل على تعزيز الدولة العصرية المستنيرة المنتمية إلى العالم الجديد، وبهذا المعنى تستدعي العلاقة مع الشريك المختلف أو المؤتلف ثقافة جديدة واستعداداً لانفتاح وجرأة في العمل السياسي الذي يستهدف تحصين الجبهة الداخلية قبل كل شيء، وضمان إجماع وطني حول رفض الفوضى والعنف والخروج عن القانون، بحيث لا يعقل أن يتم تبرير العنف والتعدي على القانون من قبل جمعيات سياسية تريد أن يكون لها شأن في الحياة السياسية.. مثلاً.
ولاشك أن مثل هذا التمشي يجعل من الفهم الدقيق والعلمي للاستحقاق السياسي وأولوياته مدخلاً ضرورياً لبناء العلاقة السياسية بين مختلف الأطراف العقلانية، والتي تنظر إلى السياسة على أساس أنها عمل وطني ضمن الأدنى المشترك والذي يتطلب التقاءً واسعاً وتوحداً صلباً حول عناصره الكبرى، ضمن حوار مؤسسي محكوم بذات التوازنات التي أنتجتها دولة الحداثة من آليات انتخاب واستشارة وسجال ونقد بناء واحترام متبادل وابتعاد عن الابتذال والسخافة التي تسود الكثير من الممارسات والتصريحات والتهديدات.
.. وللحديث صلة