ما يحدث اليوم في البحرين هو أن الأطراف ذوي العلاقة كافة يصرّون على مواصلة الأسلوب ذاته الذي ينتهجونه، ما يعني أن احتمالية الالتقاء معدومة وبالتالي مسألة الوصول إلى حل للمشكلة التي صارت فيها البلاد صارت حتى في نظر أشد المتفائلين مسألة غير واردة على الأقل في الوقت الراهن.
الحكومة تقول إن الذي دفعها للشد على بعض القرى، وأبرزها قرية العكر، هو تلك الممارسات العنيفة من قبل أولئك الشباب الذين لم يعودوا ينظرون إلى تأثير ممارساتهم اليومية على المواطنين والمقيمين، أي أن ما تقوم به الحكومة عبارة عن رد فعل لا تجد له بديلاً. وما يسمى بـ «المعارضة» تقول إن الذي دفع الشباب إلى تلك الممارسات المتمثلة في حجز الشوارع وإشعال النيران في إطارات السيارات وقذف الشرطة بزجاجات المولوتوف والحجارة وما تصل إليه أيديهم سببه ممارسات الشرطة وطريقة الحل التي اعتمدتها الداخلية في معالجتها للمشكلة، أي أن ما يقوم به الشباب عبارة عن رد فعل لا يجدون له بديلاً.
معنى هذا الكلام كله هو أن العملية «قفّلت» وبالتالي فإن الأمر المنطقي هو أن يستمر الحال على ما هو عليه، هذا يضرب وذاك يرد، وذاك يضرب وهذا يرد، أما النتيجة المنطقية لهكذا حال فهو خراب البلاد والوصول بالناس جميعاً إلى حال لا يمكن معه التعايش فيما بينهم.
ما ينبغي أن يعرفه الجميع هو أن ما يحدث ليس فيلماً سينتهي بعد قليل ولكنه واقع إن لم نجد له اليوم نهاية فستظل نهايته مفتوحة وستظل الجراح معها مفتوحة ثم لنكتشف بعد حين أن تلك الجراح لا يفيد معها دواء، فالنفوس إن جرحت احتاجت إلى أضعاف أضعاف ما تحتاجه جراح الأبدان لتشفى.. وقد لا تشفى حتى قيام الساعة.
ما يراه العاقلون هو أن الأمر وصل إلى الحد الذي يستدعي عمل شيء لوقفه بكل السبل حيث الاستمرار فيه وإن أكسب هذا الطرف أو ذاك مكاسب محدودة هو في النهاية خسارة لهذا الوطن، فكل ما يتم نزفه الآن هو على حساب الوطن ومستقبله، وكل خسارة تحدث في صفوف هذا الطرف أو ذاك هو خسارة في صفوف الوطن الذي إن ضعف ضعف معه الجميع وإن خسر خسر معه الجميع.
من الواضح أن إصرار كل طرف على مواصلة الأسلوب الذي اعتمده لن يوصل إلى شيء، وبالتالي لا بد من التوقف عن كل ذلك والانتباه إلى الخسارة الأكبر واتخاذ قرار شجاع بالولوج إلى المساحة المشتركة قبل أن تضيق ومحاولة توسيعها أولا بالاتفاق على ما يمكن أن يتفق عليه ثم بالدخول في حوار يتم خلاله وضع كل شيء على الطاولة والتحدث بصراحة وتجاوز كل ما يمكن تجاوزه من أجل هذا الوطن الذي إن استمر الحال على ما هو عليه ضاع.
الأسلوب الذي اعتمدته الحكومة في محاولتها حل المشكلة لن يجد القبول من الطرف الآخر، وهو إن حقق اليوم نتيجة ما فلن يستمر تأثيرها إلا قليلاً، والأسلوب الذي اعتمده الطرف الآخر في سعيه للحصول على مكتسبات معينة لن يجد القبول من الحكومة أبداً، وهو إن حقق اليوم نتيجة ما، ومهما أعطى فسحة أمل أن «النصرآتٍ» فلن يستمر تأثيرها طويلاً، والطرفان سيجدان نفسيهما وقد التقيا في نفس النقطة.
اليوم ليس مهماً معرفة «من عال على من « ومن ارتكب خطأ قبل الآخر، ذلك أننا على أبواب خسارة كبيرة لن نجد من يعوضنا عنها أبداً. ما ذهب لن يعود أبداً وسيصير جزءاً من تاريخ البحرين، فلننظر جميعاً إلى مستقبل هذا الوطن ونضع نقطة في نهاية السطر.