القفص الزجاجي الذي وضع علي سلمان نفسه فيه تقليداً استنساخياً لقفص حسن نصرالله كان موضع تندّر في البحرين، وقد أذكى قريحة أهل البحرين لنكتشف خفة دم عجيبة فيهم بعد الأزمة، وحتى الزجاج كان عادياً وليس مضاداً للرصاص، إنما الذكاء المحدود يدفع الوفاق لارتكاب الأخطاء وراء الأخطاء ويثير الشفقة!!ما الذي أعجبك بنصرالله حتى تقلده؟ لقد عزل حسن نصرالله شيعة لبنان عن الشعب اللبناني وهكذا يتبعه خادمه ويقلده، فالمحرك الذي يدفع الوفاق لتمسكها بإجراء تغييرات سياسية معينة ومحددة ومعروفة سلفاً مبني على معطيات؛ أولها أن الغالبية من شعب البحرين هم شيعة وأن الوفاق تمثلهم، وهو محرك طائفي بامتياز يجعلها لا تنظر إلى الواقع، وهو أن الشيعة أياً كانت نسبتهم فهم لن يعيشوا معزولين أبداً، فسيظلون وسط إقليمهم المختلط أياً كانت نسبتهم، ومن مصلحتهم التفكير من هذا المنطلق الواقعي لا من الواقع الافتراضي حتى لا يصدموا بعزلتهم التي تدفعهم إليها الوفاق دفعاً.هي تريد إعادة توزيع الدوائر لتعزز معطياتها من أجل أن يهيمن الشيعة على السلطة التشريعية كي تنقل واقعها الافتراضي إلى الواقع الميداني، وتارة تدير البوصلة ناحية السلطة التنفيذية لتهيمن عليها بالحكومة المنتخبة، فإن عجزت طرحت بدائلها وهي تدور في ذات الفلك التقسيمي، وبدلاً من الهيمنة ترى الوفاق أنها تنازلت وطرحت فكرة تقسيم البلد تقسيماً طائفياً مناصفة بين الشيعة والسُنة تحت مسمّى «الوحدة الوطنية»!! إذاً هي مصرّة على القسمة المذهبية التي ستؤدي حتماً إلى عزل الشيعة واقعاً ليقعوا في أكبر خطأ استراتيجي لم تشهد له المنطقة مثيلاً، فالاندماج المجتمعي واقع ومتحقق والقسمة التي يعملون عليها ستجعل من الشيعة خصماً لا شريكاً، وذلك لم يتحقق على مدى قرون زمنية؛ عزلة الوفاق مظلة تريد أن تعممها على بقية الشيعة قسراً.خلاصة القول.. الوفاق تقطع ما بينها وبين الشعب البحريني يوماً بعد يوم ومع الأسف تقطع ما بين الشيعة وبين شعب البحرين، ولا يزيدها إعلامها أو قادتها السياسيون إلا عزلة.الشيعة يجب أن يكون لهم مشروعهم للدمج لا مشروعهم للهيمنة أو للتمكين، هذا ما ننصح به قياداتهم وننصح به الدولة وننصح به الأمريكان إن أرادوا خيراً لهذه المنطقة واستقرارها.ولو كان هناك عقل، لو هناك تفكير بعيد المدى، لو كان هناك عناية بالمستقبل، لو توجد إرادة حقيقية بالديمقراطية وبالتعددية وبالإصلاح وبالوحدة الوطنية، لفكرت الوفاق بدمج الشيعة أكثر مما فكرت بهيمنة الشيعة وهيمنة تيارها تحديداً، لكنه قصر للنظر سيلقي بتبعاته على الجماعة لا على المجموعة فحسب.إنما حتى على المستوى الضيق المحصور بها كتنظيم الوفاق تفتقر إلى بعد النظر، إذ لو كان هناك تفكير بوضعها المستقبلي كتنظيم سياسي سيكون لها حضور مستقبلي وسط أي سلطة تشريعية أو تنفيذية أو بلدية فإنها بخطابها وبحراكها قد قطعت على نفسها الطريق أمام أي عمل مشترك برلماني أو بلدي بتمسكها بوجوه لا يقبل أن يجلس معها أحد، كيف ستعمل ضمن لجان؟ كيف ستعقد تحالفات؟ كيف ستجمع أصواتاً؟ كيف ستتفاوض؟ الوجوه الحالية المرتبطة بالكارثة التي أحدثوها غير مقبولة من العامة ولا يتحمل أحد من خارج الدائرة الوفاقية حتى سماع صوتها أو رؤية وجوهها في محل عام، بما في ذلك الكثير من الشيعة، فكيف سيعملون ضمن أي مؤسسة نيابية أو بلدية أو تنفيذية؟لو أن «أصدقاءكم» الأمريكان أرادوا لكم نصحاً فعلاً لنصحوكم بالتالي؛ أولاً على الوجوه التقليدية أن تختفي من المشهد السياسي، بل لابد من بروز صف ثانٍ لوجوه لم تحرقها الأزمة.ثانياً؛ أن تطرح الوجوه الجديدة خطاباً مختلفاً تماماً عن خطاب المدعو علي سلمان أو فطحل الوفاق، خطاباً يتناسب مع المرحلة الجديدة هدفه بالدرجة الأُولى استقطاب القوى السياسية الأُخرى التي نفرت وابتعدت عنهم، فبالوجوه القديمة وبالخطاب القديم الوفاق ستبقى وحيدة في الساحة الشعبية في مواجهة الكل، فمشكلتها الآن ليست مع النظام بل مع الشعب البحريني بأجمعه، فلا تنقل عدواها إلى الشيعة أكثر من ذلك.بسببهم ينقسم الشعب البحريني سُنة وشيعة ويؤخذ الشيعة بجريرة الوفاق، وفي ذلك ظلم للشيعة وظلم للشعب البحريني ومستقبل أجياله.ثالثاً؛ أن تستعد الوفاق من الآن لخوض انتخابات الفصل التشريعي الرابع بالوجوه الجديدة وتعمل على تسويقها من الآن، واضعةً في اعتبارها أن حاجتها للتحالف مع الكتل الأخرى حاجة ضرورية أياً كان شكل المجلس وتوزيع الدوائر، وقد جرّبت الوفاق العمل المشترك في لجان التحقيق ورأت كيف أثمر عملها التنسيقي مع الكتل الأخرى، والشعب البحريني يتطلّع إلى أن يستفيد فعلاً من الأدوات الرقابية الواسعة في السلطة التشريعية، إنما لو ظلت الوفاق بذات الوجوه فإنها ستظل معزولة وستعطل الكتل أي عمل مشترك معها. فلا أحد يريد أن يضع يده في يد من سمعه في قناة العالم أو قناة المنار أو القنوات الأخرى وهو يكذب ويكذب ويكذب.هذه الخطوات تفتح الطريق أمام المصالحة الوطنية أولاً، وهي أهم ألف مرة من أي تغييرات سياسية، ودونها لن تنعم البحرين بأي استقرار أو بأي تطور سياسي، ولن تنعم الوفاق ككتلة برلمانية بأي مكسب سياسي، حتى لو تحقق لها ما تريد وأجبرت البحرين على أي تغييرات سياسية نتيجة ضغوط دولية، حينها سيكون الشعب البحريني كله في مواجهة «الشيعة» لا في مواجهة الوفاق، وسيكون خصمها الشعب كله لا النظام فقط.نصيحتي أن تظلوا في «أقفاصكم» وتحرروا الشيعة من قبضتكم، من أجلهم، من أجل دمجهم من جديد، من أجل مستقبل أبنائهم، من أجل عمل مشترك، من أجل ديمقراطية مدنية لا تقودها عمامة أو جبة أو لحية.