في رأي البعض من الإخوان أنها حملة كيدية ضدهم وليست اعتراضات سياسية صادقة، وأن في عرض العالم العربي وطوله، أمثالنا، همهم التشفي منهم!
طبعا، هذا هروب وفشل في تبرير القرارات الانقلابية التي أعلنها الرئيس محمد مرسي يوم الخميس الماضي، وبها صار الحكومة، وهو مجلس الشعب، وهو القضاء، وهو الذي يقرر للتأسيسية المسؤولة عن الدستور. تهمتا الكيدية والتشفي وسيلة دفاع هجومية لإسكات النقاد، ويتناسى أصحابها حقيقة أن مصر دولة إقليمية كبرى، فإذا قادها مرسي باتجاه حكم شمولي صرنا أمام إيران جديدة. وهذا الانقلاب المرساوي سيجرف العالم العربي نحو الهاوية، وبالتالي ليس غريبا أن يكون الصراخ ضده على قدر الألم.
كنا نرجو أن يقود عقلاء الإخوان مصر نحو نظام مدني سياسي حديث مستقر يشابه أوروبا، أو على الأقل مثل تركيا وماليزيا، لا أن يقود البلاد نحو صيغة الحكم الإيراني.
والأكيد أننا لسنا في باب التشفي، ولا الكيد له أيضا، بل على العكس تماما، كنا صادقين راجين أن ينقل مصر من حكم الفرد إلى نظام الدولة وتداول السلطة السلمي، فمصر قدرها أن تكون قائدة للمنطقة لا تابعة، وفي المقدمة لا في المؤخرة. كان، ولا يزال، أمام مرسي فرصة أن يكون حاكما تاريخيا ينقذ البلاد وينقلها إلى عصر أفضل. فمهما اختلفنا معه، أو مع جماعة الإخوان في التفاصيل، إلا أننا لا نختلف في أنه الرئيس الذي اختارته غالبية المصريين لبلدهم، ليكون رئيسا للدولة الأكبر عربيا. الآن هو انقلب على كل المفهوم الذي جاء به للحكم؛ نظام يقوم على توازن السلطات لا الاستيلاء على كل السلطات.
بعد الارتباك الذي ظهر على حواريي الرئيس مرسي، عقب الإعلان عن قراراته الرئاسية، حاولوا تجميل العملية الديكتاتورية وطمأنة العالم بالقول إنها مؤقتة، وأنها في مصلحة الأمة، حتى الانتهاء من صياغة الدستور وانتخاب مجلس الشعب. من حيث المبدأ لا يجوز أن يملك كل السلطات حتى لساعة واحدة؛ حيث إن مصر ليست في حال حرب أو انهيار تفرض الطوارئ. ثانيا، فشل في إظهار الحكمة، حيث مارس السلطات التي استولى عليها في نفس اللحظة وفي نفس البيان، فعزل النائب العام وعين بديلا له، وأقام محاكم ثورية، وألغى محاكم وأحكاما قضائية، وقرر للدستور!
يقول أتباعه اصبروا عليه بضعة أشهر وهو الذي في نصف ساعة مارس صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء وصلاحيات مجلس الشعب.
وعندما يعيد الرئيس مرسي صلاحيات القضاء بعد أربعة أشهر أو أقل للمجلس الأعلى للقضاء، يكون قد عزل قضاة لا يوافقونه، وعين آخرين موالين له، بينهم النائب العام! عمليا يكون قد ألغى المفهوم الديمقراطي للدولة، التي تقوم على توازن السلطات، وارتكب أسوأ مما فعله حسني مبارك في ثلاثين عاما!
أخيرا، هل يستطيع مرسي الإفلات بما فعله مستفيدا من الصلاحيات الهائلة في يده وإمكانات الدولة الضخمة؟
نعم، يقدر على تحويل مصر إلى إيران أخرى، لكنه سيفشل وسيدمر بلاده؛ لأنه لا يملك المزايا الثلاث التي أبقت على نظام الملالي في الحكم؛ الأولى نفط إيران، حيث ترقد على بحر من البترول مكنها لثلاثة عقود من تمويل النظام بالكامل، أما مصر فإن الحكومة عليها أن تجاهد من أجل إعاشة ثمانين مليون نسمة بموارد محدودة، تتطلب استقرارا سياسيا ودعما دوليا. والميزة الثانية عند ملالي إيران هي قدسيتهم، وفق العقيدة الشيعية، الأمر الذي لا يملكه الإخوان، سُنة مصر. وأخيرا، الهيمنة التامة على الشعب كانت ميزة متاحة في زمن صعود آية الله الخميني في 1979، أما اليوم بفضل الإعلام الحديث صار مستحيلا السيطرة على الأفكار وتوجيه البلاد وفق هوى النظام السياسي، وبدون قناعة الشعب ورضاه سيستحيل عليهم البقاء في السلطة.
لهذا السبب نشعر بالأسف، والله ليس بالتشفي، أن يفكر الإخوان في الاستيلاء على الدولة وهم الذين فازوا عبر صناديق الانتخاب. إنهم يدمرون نظاما هو الضامن الحقيقي لهم ولمستقبل بلدهم. كلنا ندرك أن الإخوان حركة لها شعبية كبيرة وتاريخ طويل من العمل السياسي في مصر يجعلها مؤهلة للبقاء ضمن أبرز الأحزاب المتنافسة على الحكم لعقود طويلة وفق نظام التداول السلمي للسلطة، ديمقراطيا. أي أنهم ليسوا في حاجة لتخريب النظام بأيديهم كما يفعلون اليوم.
- عن صحيفة «الشرق الأوسط»
طبعا، هذا هروب وفشل في تبرير القرارات الانقلابية التي أعلنها الرئيس محمد مرسي يوم الخميس الماضي، وبها صار الحكومة، وهو مجلس الشعب، وهو القضاء، وهو الذي يقرر للتأسيسية المسؤولة عن الدستور. تهمتا الكيدية والتشفي وسيلة دفاع هجومية لإسكات النقاد، ويتناسى أصحابها حقيقة أن مصر دولة إقليمية كبرى، فإذا قادها مرسي باتجاه حكم شمولي صرنا أمام إيران جديدة. وهذا الانقلاب المرساوي سيجرف العالم العربي نحو الهاوية، وبالتالي ليس غريبا أن يكون الصراخ ضده على قدر الألم.
كنا نرجو أن يقود عقلاء الإخوان مصر نحو نظام مدني سياسي حديث مستقر يشابه أوروبا، أو على الأقل مثل تركيا وماليزيا، لا أن يقود البلاد نحو صيغة الحكم الإيراني.
والأكيد أننا لسنا في باب التشفي، ولا الكيد له أيضا، بل على العكس تماما، كنا صادقين راجين أن ينقل مصر من حكم الفرد إلى نظام الدولة وتداول السلطة السلمي، فمصر قدرها أن تكون قائدة للمنطقة لا تابعة، وفي المقدمة لا في المؤخرة. كان، ولا يزال، أمام مرسي فرصة أن يكون حاكما تاريخيا ينقذ البلاد وينقلها إلى عصر أفضل. فمهما اختلفنا معه، أو مع جماعة الإخوان في التفاصيل، إلا أننا لا نختلف في أنه الرئيس الذي اختارته غالبية المصريين لبلدهم، ليكون رئيسا للدولة الأكبر عربيا. الآن هو انقلب على كل المفهوم الذي جاء به للحكم؛ نظام يقوم على توازن السلطات لا الاستيلاء على كل السلطات.
بعد الارتباك الذي ظهر على حواريي الرئيس مرسي، عقب الإعلان عن قراراته الرئاسية، حاولوا تجميل العملية الديكتاتورية وطمأنة العالم بالقول إنها مؤقتة، وأنها في مصلحة الأمة، حتى الانتهاء من صياغة الدستور وانتخاب مجلس الشعب. من حيث المبدأ لا يجوز أن يملك كل السلطات حتى لساعة واحدة؛ حيث إن مصر ليست في حال حرب أو انهيار تفرض الطوارئ. ثانيا، فشل في إظهار الحكمة، حيث مارس السلطات التي استولى عليها في نفس اللحظة وفي نفس البيان، فعزل النائب العام وعين بديلا له، وأقام محاكم ثورية، وألغى محاكم وأحكاما قضائية، وقرر للدستور!
يقول أتباعه اصبروا عليه بضعة أشهر وهو الذي في نصف ساعة مارس صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء وصلاحيات مجلس الشعب.
وعندما يعيد الرئيس مرسي صلاحيات القضاء بعد أربعة أشهر أو أقل للمجلس الأعلى للقضاء، يكون قد عزل قضاة لا يوافقونه، وعين آخرين موالين له، بينهم النائب العام! عمليا يكون قد ألغى المفهوم الديمقراطي للدولة، التي تقوم على توازن السلطات، وارتكب أسوأ مما فعله حسني مبارك في ثلاثين عاما!
أخيرا، هل يستطيع مرسي الإفلات بما فعله مستفيدا من الصلاحيات الهائلة في يده وإمكانات الدولة الضخمة؟
نعم، يقدر على تحويل مصر إلى إيران أخرى، لكنه سيفشل وسيدمر بلاده؛ لأنه لا يملك المزايا الثلاث التي أبقت على نظام الملالي في الحكم؛ الأولى نفط إيران، حيث ترقد على بحر من البترول مكنها لثلاثة عقود من تمويل النظام بالكامل، أما مصر فإن الحكومة عليها أن تجاهد من أجل إعاشة ثمانين مليون نسمة بموارد محدودة، تتطلب استقرارا سياسيا ودعما دوليا. والميزة الثانية عند ملالي إيران هي قدسيتهم، وفق العقيدة الشيعية، الأمر الذي لا يملكه الإخوان، سُنة مصر. وأخيرا، الهيمنة التامة على الشعب كانت ميزة متاحة في زمن صعود آية الله الخميني في 1979، أما اليوم بفضل الإعلام الحديث صار مستحيلا السيطرة على الأفكار وتوجيه البلاد وفق هوى النظام السياسي، وبدون قناعة الشعب ورضاه سيستحيل عليهم البقاء في السلطة.
لهذا السبب نشعر بالأسف، والله ليس بالتشفي، أن يفكر الإخوان في الاستيلاء على الدولة وهم الذين فازوا عبر صناديق الانتخاب. إنهم يدمرون نظاما هو الضامن الحقيقي لهم ولمستقبل بلدهم. كلنا ندرك أن الإخوان حركة لها شعبية كبيرة وتاريخ طويل من العمل السياسي في مصر يجعلها مؤهلة للبقاء ضمن أبرز الأحزاب المتنافسة على الحكم لعقود طويلة وفق نظام التداول السلمي للسلطة، ديمقراطيا. أي أنهم ليسوا في حاجة لتخريب النظام بأيديهم كما يفعلون اليوم.
- عن صحيفة «الشرق الأوسط»