عام بعد عام يمر منذ أن صدر المرسوم بقانون رقم 16 لسنة 2002 وتبعه المرسوم بقانون رقم 49 لسنة 2010 بشأن تعديل أحكام قانون ديوان الرقابة المالية، وإصدار قانون الرقابة المالية والإدارية، ومنذ ذلك التاريخ شهدت البحرين 9 تقارير حول ‏التجاوازت والمخالفات في الوزارات والإدارات والمؤسسات الحكومية، والتي أشارت إلى ضياع مئات الملايين من الأموال العامة!!
أشكال عديدة لأوجه فساد مالي وإداري وتجاوزات وإخفاقات رصدها التقرير تدعونا للتساؤل عن سبب وجودها؟ وكيف سيكون حال الدولة لو لم تكن موجودة أو مستشرية بالشكل الذي أوضحه تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، كم كان من الممكن أن نحقق من إنجازات تضاف إلى الإنجازات العديدة التي حققها وطننا على مدار أكثر من أربعين سنة منذ استقلاله وما قبل ذلك، وما بعد الطفرة النفطية الثانية في بداية السبعينات، وما بعد المشروع الإصلاحي لجلالة الملك برؤيته الشاملة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً؟!
قبل كل ذلك لابد من الإقرار أن البحرين (حكومة وشعباً) نجحت في تحقيق مكانة مميزة على خارطة الدول في المنطقة والعالم، ونجاحاتها الاقتصادية والتنموية مشهود لها وباتت واحدة من أكثر الدول في المنطقة لسنوات عديدة جذباً للاستثمارات ومركزاً مالياً يشار له بالبنان، وحققت نمواً متصاعداً بنسب تراوحت بين الجيدة والممتازة واستطاعت أن تصمد في أحلك الأزمات الاقتصادية العالمية كما حدث في العام 2007، وغير ذلك من الأمثلة الكثير. كل ذلك صحيح، لكن كان بالإمكان أكثر مما كان، كان بالإمكان أن يستشعر المواطن أثر ذلك أكثر على عيشه ومستواه الاقتصادي ومستوى الخدمات المقدمة إليه. فنحن نشهد لوطننا بإنجازاته الرائدة ولا ننكرها، لكننا كذلك وحباً في هذا الوطن وقيادته لابد أن نضع إصبعنا على جرح التقصير والإخفاقات.
لهذا نتساءل مثلاً؛ لماذا شهد ملف الإسكان تراكماً -لا يتحمله من يعمل حالياً- أدى لبلوغ الطلبات الإسكانية 60 ألف طلب بنهاية هذا العام؟ لماذا مستوى التعليم لم يعد يأهل خريجي المدارس الحكومية بالشكل المطلوب ويعدهم لمتطلبات سوق العمل رغم تدشين مبادرات المشروع الوطني لتطوير التعليم والتدريب في 2008؟ لماذا يصبح صيف البحرين أكثر سخونة على الناس حين تنقطع الكهرباء في عز الحر بشكل متكرر؟ لماذا ينتظر المرضى طويلاً من أجل الحصول على سرير في السلمانية؟ فعدد الأسرة بحسب آخر إحصاءات استطعت الحصول عليها لسنة 2010 بلغت 11 سريراً في عناية قصوى لأكثر من مليون مواطن عدا المقيمين، لماذا تعاني ‏»ألبا» من متأخرات على العملاء بقيمة 120 مليون دينار؟ ولماذا توجد صفقات تزيد على مليون دينار في «بابكو» دون علم «المناقصات»؟!، الأسئلة كثيرة لا نقصد بها قطاعاً بعينه أو مسؤولاً دون الآخر، فبعضها مخالفات حالية وبعضها نتاج تراكم لسنوات عديدة!!
إننا نقدر ولا شك كل من يعمل بإخلاص من أجل هذا الوطن ورفعته وصالح العباد وعوناً للقيادة، ونعلم أنه ليس كل خطأ مقصود، لكن هناك أيضاً من لا يعمل لصالح الوطن؛ إنما لمصالح شخصية، وهناك من يخون الأمانة أو يقصر، أو هو ليس بكفء لإدارة ما ينسب إليه من عمل، هذا واقع وأكيد. كما يوجد تماماً من أتقن عمله وخدم هذا الوطن بصدق وتفانٍ وتجرد وهم كثر وموجودون في كل قطاع من قطاعات الدولة، بما فيها تلك التي طرحناها كأمثلة سابقاً وهي مجرد أمثلة لا نستهدف بها أحداً، ولا يعني عدم ذكر قطاعات أخرى خلوها من فساد أو فشل؛ لكن لا يمكن ذكر كل الأمثلة في عجالة!!
لقد تابعنا مؤخراً تنسيق الكتل النيابية ونترقب إعلانهم القريب عن وزراء سيتم استجوابهم، لأن الوزراء يتحملون أمام المجلس المسؤولية السياسية عن إخفاقات أو تجاوزات وزاراتهم، لكن واقع الأمر يقول هناك عشرات المسؤولين أيضاً عن تلك التجاوزات هم مستشارون ومديرون ورؤساء أقسام وموظفون عامون يتحملون المسؤولية أيضاً فمن وكيف ومتى ستتم محاسبتهم؟!
هؤلاء جميعاً بتسلسلهم الهرمي يمكن أن يطلق عليهم البطانة؛ فبطانة الحاكم هم مستشاروه ووزراؤه، وبطانة الوزراء وكبار المسؤولين بحسب شكل الدولة المدني الحديث هم من يتدرجون تحتهم في المناصب من مستشارين ومديرين ورؤساء إدارات وأقسام وما إلى ذلك وهؤلاء في مثل أهمية بطانة الحاكم، فصلاح البطانة في غاية الأهمية، وقد يكون مربط الفرس. فالبطانة -إذا صلحت- تحض على الخير، وخطورة البطانة -إذا فسدت- أنها تقود للشر والفساد، ومن ثمرات البطانة الصالحة؛ المشورة بالرشد والسداد للرأي، لأن الأصل في المستشار الأمانة والإشارة بالأصلح لقوله صلى الله عليه وسلم (ما استخلف خليفة إلا له بطانتان؛ بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه وبطانة تأمره بالبشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله)، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أمر البطانة واختيارها (من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين).
لذلك ندعو الله أن يسخر لقيادتنا ومسؤولينا البطانة الصالحة وأن يحفظ البحرين من كل سوء.