في اليوم الثاني والأخير للمؤتمر السنوي الحادي عشر لمنظمة الفكر العربي، مرة أخرى توزع المشاركون في البداية على ثلاث ورش العمل، ثم التأموا جميعهم في ثلاث جلسات عامة. وبينما تزامنت ورش العمل الثلاث، عقدت الجلسات العامة بشكل تتابعي.
بالنسبة لورش العمل التي باشرت أعمالها بشكل متوازٍ، حاولت الأولى منها أن تصيغ مفهوماً جديداً لأنماط التنافس التي يمكن أن تنشأ بين الدول العربية، مشيرة إلى أن مقاييس الفوز في سباقات التنافس لم تعد، كما كان يحددها الاقتصاديون التقليديون في “وفرة الموارد الطبيعية، أو تركيبة سوق العمل، ولا حتى قوة العملة، ومعدلات الفائدة”، إنها اليوم، وكما يجمع عليها معظم الكتابات المعاصرة، تنبع من “مدى قدرات الدولة المعنية على إنتاج المعرفة واستيعابها”. ولهذا وجد المشاركون أنفسهم مطالبين بالتركيز على، كما يقول عنوان الورشة “كيف يمكن للدول أن تتنافس؟ ومن ثم ماهي الميزة التنافسيّة للدول العربية”، توجيه أنظار العاملين في الحكومات العربية نحو قضايا التنافسيّة الوطنية بآلياتها واتجاهاتها من جانب، وللقيّمين على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتخطيط الاستراتيجي نحو مقومات بناء مجتمع تنافسي منتج. تخلّلت النقاشات الاستشهاد بتجارب ناجحة تحققت في دول متميّزة على صعيد “التنمية التنافسية” مثل سنغافورة والدانمارك وكوريا الجنوبيّة.
وحملت ورشة العمل الثانية، عنوان “نحو صنع سياسات عامّة تشاركيةِ، إشراك أصحاب المصلحة المباشرة”، وجاء إشراك اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) في التحضير لورشة العمل هذه وإدارتها على حد سواء، لفتة مهمة من الهيئة المنظمة للمؤتمر الحادي عشر، نظراً لما تختزنه “الإسكوا” من خبرات غنية في مجال “ تحقيق المشاركة المطلوبة بين المجتمع المدني والحكومات”، من أبرز المحطات التي توقف عندها من شارك في تلك الورشة هو الدعوة المتكررة من أكثر من مشارك إلى “ضرورة أن تغيّر الحكومات من نهجها، وأن تتبنّى نهجاً مبنيًاً على التشارك والاستشارة والمحاسبة”.
وبينما تمحورت نقاشات ورشتي العمل الأولى والثانية على الواقع، حلقت الثالثة في فضاء المستقبل عندما ناقشت “الحكومة الإلكترونية”، وقد حرص من حضرها على وضع الجوانب التقنية جانباً والتركيز، عوضاً عن ذلك على قضايا الخطط والبرامج، وعلى نحو أكثر تحديداً “الإنجازات التي تحققت وشكلت نجاحات ملموسة على أرض الواقع، والعقبات التي ما تزال تقف في وجه طموحات خطط الحكومات الإلكترونية في المنطقة العربية وتحول دونها والوصول إلى أهدافها”.
القضية الأكثر أهمية في نقاشات تلك اللجنة كانت تشخيص بعض المواقع المفصلية التي ماتزال الحكومات العربية بحاجة إلى الوقوف عندها إن هي أرادت بناء منصات حكومات إلكترونية تمتلك “الإمكانات التقنية المتطورة، والرؤية الاستراتيجية الواضحة القادرة على تلبية حاجات أفراد المجتمع الجديد، والنهوض بدعم حكومة الإنترنت، بهدف المضيّ قُدماً، وإشراك الجميع من ذوي الكفاءات في سَنّ السياسات، وأصحاب الحاجات للاستفادة من الخدمات التي توفرها تلك المنصات الإلكترونية”.
من بين الجلسات العامة الثلاث، كانت الجلسة الأخيرة هي الأكثر صخباً والأسخن نقاشاً، نظراً لطبيعة القضية التي ناقشتها وهي “المسؤولية الاجتماعية للشركات والمبادرات الإنسانية في الوطن العربي”. توقف الحضور مطولا عند ضرورة التمييز بين المسؤولية المجتمعية للشركات والأعمال الخيرية، وانطلقوا من ذلك كي يضعوا معايير قياسية دقيقة للحكم على المسؤولية الاجتماعية، التي لم يحصروها في شركات القطاع الخاص، بل أضافوا لها الدولة ومنظمات المجتمع المدني، مشيرين إلى أن نجاح المجتمعات العربية في الوصول إلى صيغة ناجحة ومؤثرة في مجال المسؤولية الاجتماعية، رهن إلى حد بعيد، بوضع “آليات جديدة مبتكرة من شأنها تفعيل دور الحكومات دعم هذه المؤسّسات وتوجيهها نحو العطاء الاستراتيجي، وبالأخص برامج المسؤولية المجتمعية للشركات الكبرى في جميع النواحي”.
تطرق الحاضرون في هذه الجلسة العامة إلى علاقات التأثير المتبادلة بين نمو المسؤولية الاجتماعية للشركات وازدهارها، وتوفر نظام ضريبي وطني على مستوى كل دولة عربية، واستشهدوا في ذلك بالنماذج الناجحة في الدول الرأسمالية، والتي تقوم بها شركات عريقة وكبيرة، دون استثناء تلك الصغيرة والمتوسطة التي باتت اليوم تشكل عصب اقتصادات تلك الدول. عند هذه المرحلة من النقاشات، جرى استعراض بعض تجارب الشركات العربية الناجحة، وتوقفت المداخلات عند قضية، يبدو أنها تحظى باهتمام الكثيرين ممن لهم علاقة بمسار المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات، وهي “كيفية بناء القنوات المجدية التي تنظم آليات العلاقة السليمة الناجحة المطلوبة بين من يلتزم بتلك المسؤولية، وذلك الذي يحتاج لها”، ليس في نطاق القطر العربي الواحد، وإنما على المستوى العربي الأكثر شمولية.
اليوم، تضع النجاحات التي حققتها المؤتمرات السنوية التي بلغ عددها 11، والتي تنعقد بانتظام، يتناغم مع ذلك غنى الحوارات، وسخونة الموضوعات، وحيوية النقاشات التي تشهدها ورش العمل والجلسات العامة، على عاتق مؤتمرات الفكر العربي مسؤولية ضخمة تتوزع على ثلاثة محاور رئيسة:
1. وضع الآليات الكفؤة الناجحة التي بوسعها تنظيم العلاقة بين تلك المؤتمرات وصناع القرار في البلاد العربية، كي لا ينحصر دور تلك المؤتمرات، دون التقليل من أهمية هذا الدور، على مجرد معالجة الموضوع في نطاق اللقاء السنوي، دون أن يتحول من خلال تلك العلاقة مع دوائر صنع القرار إلى خطة، أو مشروع، أو حتى توجه. مرة أخرى هذا لا يقلل من أهمية، ومن ثم ضرورة الاستمرار في تلك اللقاءات، لكن هناك أهمية اللفت إلى أهمية رفع مستوى طموحاتها، ومن ثم دورها الذي تمارسه في تطوير الشعوب العربية، إلى ما يتناسب مع تلك الجهود المبذولة والأكلاف الضرورية التي ترافقها، والتي لا يمكن تقليص أي منها.
2. القنوات الراسخة التي تبني علاقة سليمة مستمرة مع مؤسسات البحث العلمي العربية، بما فيها، بالإضافة إلى الجامعات ومعاهد التدريب، مراكز البحث والتطوير، على أن تتدفق موضوعات تلك العلاقة في طريق ذي اتجاهيين متضادين لكنهما متكاملان، بين مؤتمرات فكر السنوية وتلك المؤسسات. بمثل هذه، تتوفر مقومات تكامل دورة البحث والتطوير في البلاد العربية وإغلاقها على النحو السليم المعمول به في الدول المتقدمة. ليس المقصود هنا أن تنصب مؤتمرات فكر، وهو دور كان واضحاً أنها لا تريد هي ذاتها أن تمارسه، بديلاً منافساً لها، بقدر ما هو دعوة لتضافر الجهود من أجل الوصول إلى الهدف المنشود.
3. تعزيز العلاقة مع شركات القطاع الخاص، فهي الجهة الأكثر تأهيلاً لبناء علاقات مثمرة على المدى البعيد من جهة، وهي أيضاً الطرف الذي يفترض فيه أن يكون في مقعد سائق عربة تطوير مفهوم، يؤسس لنظام مسؤولية اجتماعية عربي. محصلة ذلك تقليص الاعتماد على هبات الدولة، ومكرمات المؤسسات التابعة لها، والتحول، عوضاً عن ذلك نحو المؤسسات المجتمعية المنتجة، والتي لها مصلحة مباشرة في تشييد بنيان راسخ ينظم أوجه المسؤولية الاجتماعية التي يريد القطاع الخاص أن يتحملها.
بالنسبة لورش العمل التي باشرت أعمالها بشكل متوازٍ، حاولت الأولى منها أن تصيغ مفهوماً جديداً لأنماط التنافس التي يمكن أن تنشأ بين الدول العربية، مشيرة إلى أن مقاييس الفوز في سباقات التنافس لم تعد، كما كان يحددها الاقتصاديون التقليديون في “وفرة الموارد الطبيعية، أو تركيبة سوق العمل، ولا حتى قوة العملة، ومعدلات الفائدة”، إنها اليوم، وكما يجمع عليها معظم الكتابات المعاصرة، تنبع من “مدى قدرات الدولة المعنية على إنتاج المعرفة واستيعابها”. ولهذا وجد المشاركون أنفسهم مطالبين بالتركيز على، كما يقول عنوان الورشة “كيف يمكن للدول أن تتنافس؟ ومن ثم ماهي الميزة التنافسيّة للدول العربية”، توجيه أنظار العاملين في الحكومات العربية نحو قضايا التنافسيّة الوطنية بآلياتها واتجاهاتها من جانب، وللقيّمين على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتخطيط الاستراتيجي نحو مقومات بناء مجتمع تنافسي منتج. تخلّلت النقاشات الاستشهاد بتجارب ناجحة تحققت في دول متميّزة على صعيد “التنمية التنافسية” مثل سنغافورة والدانمارك وكوريا الجنوبيّة.
وحملت ورشة العمل الثانية، عنوان “نحو صنع سياسات عامّة تشاركيةِ، إشراك أصحاب المصلحة المباشرة”، وجاء إشراك اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) في التحضير لورشة العمل هذه وإدارتها على حد سواء، لفتة مهمة من الهيئة المنظمة للمؤتمر الحادي عشر، نظراً لما تختزنه “الإسكوا” من خبرات غنية في مجال “ تحقيق المشاركة المطلوبة بين المجتمع المدني والحكومات”، من أبرز المحطات التي توقف عندها من شارك في تلك الورشة هو الدعوة المتكررة من أكثر من مشارك إلى “ضرورة أن تغيّر الحكومات من نهجها، وأن تتبنّى نهجاً مبنيًاً على التشارك والاستشارة والمحاسبة”.
وبينما تمحورت نقاشات ورشتي العمل الأولى والثانية على الواقع، حلقت الثالثة في فضاء المستقبل عندما ناقشت “الحكومة الإلكترونية”، وقد حرص من حضرها على وضع الجوانب التقنية جانباً والتركيز، عوضاً عن ذلك على قضايا الخطط والبرامج، وعلى نحو أكثر تحديداً “الإنجازات التي تحققت وشكلت نجاحات ملموسة على أرض الواقع، والعقبات التي ما تزال تقف في وجه طموحات خطط الحكومات الإلكترونية في المنطقة العربية وتحول دونها والوصول إلى أهدافها”.
القضية الأكثر أهمية في نقاشات تلك اللجنة كانت تشخيص بعض المواقع المفصلية التي ماتزال الحكومات العربية بحاجة إلى الوقوف عندها إن هي أرادت بناء منصات حكومات إلكترونية تمتلك “الإمكانات التقنية المتطورة، والرؤية الاستراتيجية الواضحة القادرة على تلبية حاجات أفراد المجتمع الجديد، والنهوض بدعم حكومة الإنترنت، بهدف المضيّ قُدماً، وإشراك الجميع من ذوي الكفاءات في سَنّ السياسات، وأصحاب الحاجات للاستفادة من الخدمات التي توفرها تلك المنصات الإلكترونية”.
من بين الجلسات العامة الثلاث، كانت الجلسة الأخيرة هي الأكثر صخباً والأسخن نقاشاً، نظراً لطبيعة القضية التي ناقشتها وهي “المسؤولية الاجتماعية للشركات والمبادرات الإنسانية في الوطن العربي”. توقف الحضور مطولا عند ضرورة التمييز بين المسؤولية المجتمعية للشركات والأعمال الخيرية، وانطلقوا من ذلك كي يضعوا معايير قياسية دقيقة للحكم على المسؤولية الاجتماعية، التي لم يحصروها في شركات القطاع الخاص، بل أضافوا لها الدولة ومنظمات المجتمع المدني، مشيرين إلى أن نجاح المجتمعات العربية في الوصول إلى صيغة ناجحة ومؤثرة في مجال المسؤولية الاجتماعية، رهن إلى حد بعيد، بوضع “آليات جديدة مبتكرة من شأنها تفعيل دور الحكومات دعم هذه المؤسّسات وتوجيهها نحو العطاء الاستراتيجي، وبالأخص برامج المسؤولية المجتمعية للشركات الكبرى في جميع النواحي”.
تطرق الحاضرون في هذه الجلسة العامة إلى علاقات التأثير المتبادلة بين نمو المسؤولية الاجتماعية للشركات وازدهارها، وتوفر نظام ضريبي وطني على مستوى كل دولة عربية، واستشهدوا في ذلك بالنماذج الناجحة في الدول الرأسمالية، والتي تقوم بها شركات عريقة وكبيرة، دون استثناء تلك الصغيرة والمتوسطة التي باتت اليوم تشكل عصب اقتصادات تلك الدول. عند هذه المرحلة من النقاشات، جرى استعراض بعض تجارب الشركات العربية الناجحة، وتوقفت المداخلات عند قضية، يبدو أنها تحظى باهتمام الكثيرين ممن لهم علاقة بمسار المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات، وهي “كيفية بناء القنوات المجدية التي تنظم آليات العلاقة السليمة الناجحة المطلوبة بين من يلتزم بتلك المسؤولية، وذلك الذي يحتاج لها”، ليس في نطاق القطر العربي الواحد، وإنما على المستوى العربي الأكثر شمولية.
اليوم، تضع النجاحات التي حققتها المؤتمرات السنوية التي بلغ عددها 11، والتي تنعقد بانتظام، يتناغم مع ذلك غنى الحوارات، وسخونة الموضوعات، وحيوية النقاشات التي تشهدها ورش العمل والجلسات العامة، على عاتق مؤتمرات الفكر العربي مسؤولية ضخمة تتوزع على ثلاثة محاور رئيسة:
1. وضع الآليات الكفؤة الناجحة التي بوسعها تنظيم العلاقة بين تلك المؤتمرات وصناع القرار في البلاد العربية، كي لا ينحصر دور تلك المؤتمرات، دون التقليل من أهمية هذا الدور، على مجرد معالجة الموضوع في نطاق اللقاء السنوي، دون أن يتحول من خلال تلك العلاقة مع دوائر صنع القرار إلى خطة، أو مشروع، أو حتى توجه. مرة أخرى هذا لا يقلل من أهمية، ومن ثم ضرورة الاستمرار في تلك اللقاءات، لكن هناك أهمية اللفت إلى أهمية رفع مستوى طموحاتها، ومن ثم دورها الذي تمارسه في تطوير الشعوب العربية، إلى ما يتناسب مع تلك الجهود المبذولة والأكلاف الضرورية التي ترافقها، والتي لا يمكن تقليص أي منها.
2. القنوات الراسخة التي تبني علاقة سليمة مستمرة مع مؤسسات البحث العلمي العربية، بما فيها، بالإضافة إلى الجامعات ومعاهد التدريب، مراكز البحث والتطوير، على أن تتدفق موضوعات تلك العلاقة في طريق ذي اتجاهيين متضادين لكنهما متكاملان، بين مؤتمرات فكر السنوية وتلك المؤسسات. بمثل هذه، تتوفر مقومات تكامل دورة البحث والتطوير في البلاد العربية وإغلاقها على النحو السليم المعمول به في الدول المتقدمة. ليس المقصود هنا أن تنصب مؤتمرات فكر، وهو دور كان واضحاً أنها لا تريد هي ذاتها أن تمارسه، بديلاً منافساً لها، بقدر ما هو دعوة لتضافر الجهود من أجل الوصول إلى الهدف المنشود.
3. تعزيز العلاقة مع شركات القطاع الخاص، فهي الجهة الأكثر تأهيلاً لبناء علاقات مثمرة على المدى البعيد من جهة، وهي أيضاً الطرف الذي يفترض فيه أن يكون في مقعد سائق عربة تطوير مفهوم، يؤسس لنظام مسؤولية اجتماعية عربي. محصلة ذلك تقليص الاعتماد على هبات الدولة، ومكرمات المؤسسات التابعة لها، والتحول، عوضاً عن ذلك نحو المؤسسات المجتمعية المنتجة، والتي لها مصلحة مباشرة في تشييد بنيان راسخ ينظم أوجه المسؤولية الاجتماعية التي يريد القطاع الخاص أن يتحملها.