في حوار إذاعي ممتع أدارته الإعلامية بدرية عبداللطيف بجدارة عبر برنامج «خليجنا واحد»، والذي يعده الناقد والإعلامي يوسف الحمدان ويبث عبر أثير إذاعة البحرين. وقد جمع فيه المُعد الروائية والكاتبة الصحفية فوزية رشيد والشاعر إبراهيم بوهندي رئيس أسرة أدباء وكتاب البحرين، وكان الحوار حول الثقافة والدور الذي ينبغي أن يضطلع به المثقفون البحرينيون إزاء الأزمة في المرحلة الراهنة. تحدث الاثنان بصراحة وبأريحية متناهية وبشجاعة أدبية عن موقف المثقفين من الأزمة التي شهدتها البحرين عام 2011 والتي لاتزال تداعياتها مستمرة حتى اللحظة.
في هذا الحوار الذي اتسم بالجرأة في الطرح، كشف بوهندي بوضوح عن حقيقة المشهد الثقافي إبان الأزمة، وبين حقيقة الموقف المتخاذل لبعض المثقفين من الأزمة والذي وصفه بالسلبي واستحضر في معرض حديثه أحداثاً مشابهة في مرحلة من مراحل تاريخ البحرين الحديث، وهي فترة الخمسينيات من القرن الماضي، وأشار إلى أن طيبة البحرينيين وروحهم النقية العالية في تلك الفترة كانت من الأسباب الجوهرية التي حالت دون استمرار الخلافات المذهبية بينهم، وكانت هذه الروح سبباً كافياً لتجاوز مثل هذا التباين المذهبي، وذهب في هذا الاتجاه إلى القول بأن التآلف والمحبة هي التي كانت تحكم العلاقات بين المكونين الرئيسين في المجتمع البحريني ونتيجة لذلك، حسب رأي بن هندي، تم تجاوز تلك الخلافات ولم تؤثر كثيراً على سير الأحداث؛ لأن الجميع كان غايته العمل من أجل الوطن.
أما اليوم فالوضع جد مختلف؛ إذ أن بعض المثقفين قد تحولوا من ممارسة الإبداع الثقافي إلى امتهان العمل السياسي، وبذلك أصبحوا سياسيين وانضموا إلى صفوف أولئك الذين نادوا بإسقاط النظام وراحوا يتحدثون باسمهم ويرددون مفردات خطابهم السياسي والإعلامي.
في نفس السياق انتقدت فوزية رشيد وبشدة موقف بعض المثقفين من الأزمة وكيف أن بعض هؤلاء قد وقف في المنطقة الرمادية، أي في الجهة المحايدة، فهو من جهة لم يعبر صراحة عن رأيه عما يجري واكتفى بدور المتفرج على الأزمة وكأن الأمر لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد وظل ينتظر ما تؤول إليه النتائج ولمن تكون الغلبة، فإذا كانت من نصيب الحكومة ومؤيديها فإنه سيقف معها أما إذا كانت النتيجة عكس ذلك وكان النصر من حليف الجماعة الانقلابية -لا قدر الله- فسيكون من أنصار هذا الفريق وبهذه الطريقة يكون قد حمى نفسه من الفريقين وحافظ على مركزه وأظهر نفسه بصورة المثقف الملتزم وهو في الحقيقة غير ذلك.
أما النوع الآخر من المثقفين، حسب تعبير رشيد، فهم أولئك الذين ارتموا في أحضان الحركة الانقلابية وصاروا من رموزها وتحولوا إلى أبواق إعلامية لهذه الحركة بعد أن كانوا يحملون صفات المثقف اليساري أو القومي أو الحداثي، وراحوا يتحدثون عن نضال زعاماتها وأسبغوا عليهم صفات الأبطال المحررين.
إن المتابع لهذا الحوار سيكتشف أن الاثنين كانا متفقين في وجهة نظرهما حول موقف المثقفين من أزمة البحرين الأخيرة ولديهما نفس الإحساس بأن الأزمة التي مرت بها البحرين قد أسقطت الأقنعة عن الكثير من المثقفين والذين كانوا يختبؤون وراءها، والجميل في الموضوع أنهما استطاعا بالفعل أن يفرزا للمستمعين هذه النوعيات من المثقفين وتعريتهم وفضحهم الواحد تلو الآخر.
نقول هذا الكلام من باب أن ما جرى في البحرين هو تهديد لهويتها وانتمائها العربي، وهو أمر يتطلب من المثقفين بمختلف انتماءاتهم الفكرية والسياسية أن يكونوا صفاً واحداً في مواجهة هذا التهديد؛ لأن القضية في اللحظة السياسية الراهنة لم تعد اختلافاً على بعض المسائل المتعلقة ببعض الإصلاحات أو المطالب السياسية التي لا نشك في مشروعية بعضها، والتي قد نتفق أو نختلف حولها، إنما القضية أصبحت تتعلق بمصير وطن وهويته، وإن ما قامت به الجماعات الانقلابية -ولاتزال- يصب في هذا الاتجاه وهو سلخ هذا الوطن عن هويته العربية ومحاولة إلحاقه بنظام الولي الفقيه، وهذا هو الهدف النهائي لهذه الحركة الانقلابية والذي بات معروفاً للجميع.
في تقديري أن هذه الحلقة من هذا البرنامج نجحت في توصيل رسالة ثقافية إلى المستمعين؛ وهي أن الأزمة التي عصفت بالبحرين في فبراير من عام 2011 كشفت عن زيف بعض المثقفين وأسقطت الأقنعة عن وجوههم وأظهرتهم على حقيقتهم التي أخفوها طوال السنوات الماضية تحت مسميات وألقاب رنانة يطرب لها بعض المثقفين. كما كشفت في الوقت ذاته عن أصوات ثقافية وطنية نذرت نفسها للدفاع عن الوطن وحملت همومه وسخرت قلمها من أجله فكان لها دور تنويري -ولاتزال- تمارس هذا الدور وتدافع عن الحق بكل جرأة، لذا كانت مثالاً حياً للمثقف الحقيقي الملتزم بوطنيته.
إن اختيار البرنامج لكل من فوزية رشيد وإبراهيم بوهندي ليكونا ضيفي الحلقة كان اختياراً موفقا لأنهما بالفعل قد سلطا الضوء على واقع المشهد الثقافي إبان الأزمة وكشفوا عن الكثير من الحقائق التي ربما كانت غائبة عن الكثيرين في الشارع البحريني، وهذه نقطة تسجل لمعد البرنامج ومقدمته
في هذا الحوار الذي اتسم بالجرأة في الطرح، كشف بوهندي بوضوح عن حقيقة المشهد الثقافي إبان الأزمة، وبين حقيقة الموقف المتخاذل لبعض المثقفين من الأزمة والذي وصفه بالسلبي واستحضر في معرض حديثه أحداثاً مشابهة في مرحلة من مراحل تاريخ البحرين الحديث، وهي فترة الخمسينيات من القرن الماضي، وأشار إلى أن طيبة البحرينيين وروحهم النقية العالية في تلك الفترة كانت من الأسباب الجوهرية التي حالت دون استمرار الخلافات المذهبية بينهم، وكانت هذه الروح سبباً كافياً لتجاوز مثل هذا التباين المذهبي، وذهب في هذا الاتجاه إلى القول بأن التآلف والمحبة هي التي كانت تحكم العلاقات بين المكونين الرئيسين في المجتمع البحريني ونتيجة لذلك، حسب رأي بن هندي، تم تجاوز تلك الخلافات ولم تؤثر كثيراً على سير الأحداث؛ لأن الجميع كان غايته العمل من أجل الوطن.
أما اليوم فالوضع جد مختلف؛ إذ أن بعض المثقفين قد تحولوا من ممارسة الإبداع الثقافي إلى امتهان العمل السياسي، وبذلك أصبحوا سياسيين وانضموا إلى صفوف أولئك الذين نادوا بإسقاط النظام وراحوا يتحدثون باسمهم ويرددون مفردات خطابهم السياسي والإعلامي.
في نفس السياق انتقدت فوزية رشيد وبشدة موقف بعض المثقفين من الأزمة وكيف أن بعض هؤلاء قد وقف في المنطقة الرمادية، أي في الجهة المحايدة، فهو من جهة لم يعبر صراحة عن رأيه عما يجري واكتفى بدور المتفرج على الأزمة وكأن الأمر لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد وظل ينتظر ما تؤول إليه النتائج ولمن تكون الغلبة، فإذا كانت من نصيب الحكومة ومؤيديها فإنه سيقف معها أما إذا كانت النتيجة عكس ذلك وكان النصر من حليف الجماعة الانقلابية -لا قدر الله- فسيكون من أنصار هذا الفريق وبهذه الطريقة يكون قد حمى نفسه من الفريقين وحافظ على مركزه وأظهر نفسه بصورة المثقف الملتزم وهو في الحقيقة غير ذلك.
أما النوع الآخر من المثقفين، حسب تعبير رشيد، فهم أولئك الذين ارتموا في أحضان الحركة الانقلابية وصاروا من رموزها وتحولوا إلى أبواق إعلامية لهذه الحركة بعد أن كانوا يحملون صفات المثقف اليساري أو القومي أو الحداثي، وراحوا يتحدثون عن نضال زعاماتها وأسبغوا عليهم صفات الأبطال المحررين.
إن المتابع لهذا الحوار سيكتشف أن الاثنين كانا متفقين في وجهة نظرهما حول موقف المثقفين من أزمة البحرين الأخيرة ولديهما نفس الإحساس بأن الأزمة التي مرت بها البحرين قد أسقطت الأقنعة عن الكثير من المثقفين والذين كانوا يختبؤون وراءها، والجميل في الموضوع أنهما استطاعا بالفعل أن يفرزا للمستمعين هذه النوعيات من المثقفين وتعريتهم وفضحهم الواحد تلو الآخر.
نقول هذا الكلام من باب أن ما جرى في البحرين هو تهديد لهويتها وانتمائها العربي، وهو أمر يتطلب من المثقفين بمختلف انتماءاتهم الفكرية والسياسية أن يكونوا صفاً واحداً في مواجهة هذا التهديد؛ لأن القضية في اللحظة السياسية الراهنة لم تعد اختلافاً على بعض المسائل المتعلقة ببعض الإصلاحات أو المطالب السياسية التي لا نشك في مشروعية بعضها، والتي قد نتفق أو نختلف حولها، إنما القضية أصبحت تتعلق بمصير وطن وهويته، وإن ما قامت به الجماعات الانقلابية -ولاتزال- يصب في هذا الاتجاه وهو سلخ هذا الوطن عن هويته العربية ومحاولة إلحاقه بنظام الولي الفقيه، وهذا هو الهدف النهائي لهذه الحركة الانقلابية والذي بات معروفاً للجميع.
في تقديري أن هذه الحلقة من هذا البرنامج نجحت في توصيل رسالة ثقافية إلى المستمعين؛ وهي أن الأزمة التي عصفت بالبحرين في فبراير من عام 2011 كشفت عن زيف بعض المثقفين وأسقطت الأقنعة عن وجوههم وأظهرتهم على حقيقتهم التي أخفوها طوال السنوات الماضية تحت مسميات وألقاب رنانة يطرب لها بعض المثقفين. كما كشفت في الوقت ذاته عن أصوات ثقافية وطنية نذرت نفسها للدفاع عن الوطن وحملت همومه وسخرت قلمها من أجله فكان لها دور تنويري -ولاتزال- تمارس هذا الدور وتدافع عن الحق بكل جرأة، لذا كانت مثالاً حياً للمثقف الحقيقي الملتزم بوطنيته.
إن اختيار البرنامج لكل من فوزية رشيد وإبراهيم بوهندي ليكونا ضيفي الحلقة كان اختياراً موفقا لأنهما بالفعل قد سلطا الضوء على واقع المشهد الثقافي إبان الأزمة وكشفوا عن الكثير من الحقائق التي ربما كانت غائبة عن الكثيرين في الشارع البحريني، وهذه نقطة تسجل لمعد البرنامج ومقدمته