تُشتق كلمة “العقلانية” من مفهوم “العقل”، والذي يُستخدم لوصف الوظائف العليا للدماغ البشري، خصوصاً تلك الوظائف التي يكون فيها الإنسان واعياً بشكل شخصي، مثل؛ الشخصيّة، والتفكير، والجدل، والذاكرة، الذكاء.. إلخ.
ويرى بعض علماء النفس أن الوظائف العليا فقط، كالتفكير والذاكرة، وحدها هي التي تكوِّن العقل، بينما تحمل الوظائف الأخرى، مثل الحب والكره والفرح صبغةً “بدائية” و«شخصية”، لذا لا تكوِّن العقل، فيما يرفض آخرون هذا الطرح، ويرون أن الجوانب العقلانية والعاطفية من الشخصية الإنسانية وثيقة الارتباط، وأنها يجب أن تؤخذ كوحدةٍ واحدة، وعلى هذا الأساس يعتبرون الانفعال العاطفي تصرفاً نابعاً من العقل أيضاً. غير أن غالبية علماء النفس يميلون إلى الاعتقاد أن العقل البشري يمثِّل جوهراً، وهو أكثر علواً ورقيّاً من مجرد وظائف دماغية، وذهب سيغموند فرويد، الذي طوّر نظرية العقل اللاواعي، إلى أن العمليات العقلية التي يؤديها الأفراد بوعيهم تشكل جزءاً بسيطا جداً من الفعالية العقلية التي تؤدِّيها أدمغتهم، ومن ثم فقد كانت الفرويدية، بمعنى ما، أحياء للمذهب الجوهري للعقل، بغطاءٍ علميٍ.
إن فرويد لم ينكر، أن العقل، كان وظيفة دماغية، لكنه كان يرى أن العقل، كعقلٍ، كان يملك عقلاً خاصّاً به، لسنا واعين به، ولا يمكن التحكم به، كما لا يمكن الدخول إليه إلا عن طريق التحليل النفسي، مثلاً عبر تحليل الأحلام.
أما من الناحية اللغوية فإن “العقل”؛ مصدر عقل، وأصل مادته الحبس والمنع، وسمي عقل الإنسان عقلاً لأنه يعقله، أي يمنعه من الوقوع في التهلكة، ويحجرُهُ عن ارتكاب الخطأ، وأُطلق عليه المعقَل، أي الملجأ، لأن الإنسان يلجأ إليه عند الحاجة إلى التفكير والتبصّر في أحواله، وحيث أن التفكير أحد وظائف العقل الأساسية، فقد ارتبط العقل بالمعرفة والعلم، إذ يصعب بدونهما حل المشكلات المستجدة يومياً.
ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الرؤية العقلانية للأوضاع السياسية في مجتمعنا يفترض أن ترتقي بالملكات الذهنية والفكرية لدى المواطن، وتحترم عقله، وتقدِّر قدرته على تكوين رأيٍ سديدٍ خاص به، وتحجر عنه الانفعالات العاطفية الطارئة التي تعيق العقل عن أداء وظائفه الأساسيّة، وتصِّد الأفكار غير العقلانية التي قد تجرجر البلاد والعباد إلى طريق الفتنة والهلاك!