يعرب البعض عن دهشته واستغرابه من مواقفي التي يعتبرها حادة ولا يتردد في اتهامي بأنها مع السلطة وضد الناس، فهذا البعض يفترض أن انتمائي إلى أحد المذهبين الكريمين يفرض عليّ أفكاراً وسلوكيات محددة، وبالتالي ينبغي مني تنفيذ كل ما يخطط له «كبار الطائفة» ويأمرون به وإلا اعتبرني خارجاً عن الملّة.
سبق أن أشرت في أكثر من مقال أن انتمائي المذهبي شيء وحبي لوطني شيء آخر، وأنني أقدم الوطن على المذهب، وأن ما يحدث الآن يعرّض الوطن للخطر ويرمي به وبالمواطنين جميعاً إلى المجهول، وقلت أكثر من مرة إنني لا أساوم على وطني وإنني ضد دعوات إسقاط النظام التي يتشدق بها البعض غير المدرك لطبيعة المنطقة وطبيعة المرحلة، لكني في نفس الوقت مع التغيير الإيجابي ومع مطالب المواطنين المعيشية ومع مطالب توسيع هامش الحريات، بل إنني لم أقل قط إن المواطنين الذين خرجوا في مسيرات وأقاموا التجمعات (ما عندهم سالفة) وأجزم أن والحكومة مع التغيير والتطوير ومع توسيع هامش الحريات ومع حصول المواطنين على ما يريدون فيما يتعلق بأمورهم المعيشية وتحسين أوضاعهم، بل هي معهم حتى في تطوير التشريعات والقوانين التي تضمن لهم الكثير من الحقوق، بدليل إخضاعها كل التشريعات للمراجعة وصولاً إلى تعديل الدستور. وأردد دائماً بأني مع الحوار الذي يحفظ هذا البلد وأهله ويعطي كل ذي حق حقه.
هذا الكلام رددته كثيراً في مقالاتي وفي مناقشاتي مع الآخرين؛ معتقداتي الدينية هي علاقة خاصة بيني وبين رب العالمين الذي سيحاسبني يوم الحساب، وانتمائي المذهبي الذي بطبيعة الحال لم يكن لي فيه حق الاختيار لا علاقة له بحبي لوطني، حبي لوطني يأتي في المقام الثاني بعد حبي لله عز وجل. الله أولاً والوطن ثانياً. هكذا أنا دائماً.
أما مواقفي مما يحدث في الساحة من أفعال وسلوكيات، فالجميع صار يعرفها ولا يمكن أن أحيد عنها، فأنا ضد العنف دائماً وضد الأعمال الإرهابية وضد كل عمل يتسبب في أذى الناس، مواطنين ومقيمين، لذا تصديت بقوة إلى تلك الممارسات غير المسؤولة التي تتسبب في أذى الآخرين، فمن غير الممكن أن أؤيد قطع الشوارع وإشعال إطارات السيارات فيها وتعطيل حياة الناس الذين لا ذنب لهم فيما يجري وتعريض حياتهم للخطر، ومن غير الممكن أن أوافق على تلك السلوكيات الخاطئة لأنها ببساطة خاطئة ولا تليق بشعب راق كشعب البحرين الذي ظل طويلاً مثالاً يحتذى.
وللعلم، فإنني لا أنتمي إلى أي جمعية سياسية، ولست عضواً في أي مؤسسة تمارس العمل السياسي، فأنا أؤمن أن الصحافي ينبغي أن يظل مستقلاً، وبالتالي فمن غير الممكن أن أقف إلى جانب ضد الجانب الآخر، ومن غير الممكن أن أوقع على عريضة ضد هذا أو ذاك. أنا أؤمن أن الصحافي ملزم بمتابعة كل ما يدور في الساحة في المجال الذي اختاره ولكن يجب ألا يكون طرفاً فيه.
الصحافي يحضر المسيرات والتجمعات لكنه لا يحضرها كمشارك وإنما كمراقب ومتابع لها، والصحافي يترك كل ما يؤمن به من أفكار في درج السيارة قبل أن يتوجه إلى مبنى الصحيفة التي يعمل لصالحها، والحال نفسها تنطبق على العرائض التي انتشر الحديث عنها مؤخراً بشكل واسع، فمن غير المقبول أن يكون الصحافي مع طرف ضد الطرف أو الأطراف الأخرى وإلا فقد دوره التنويري.
هذا الكلام أقوله بشكل خاص إلى أولئك الذين أشاعوا أنني وقعت عريضة ضد الشيخ عيسى قاسم أو كنت من بين من رفعوا الدعوى ضده، دون أن يعني هذا أنني لا أختلف معه.