يبدو أن مايحدث اليوم في الساحة الإعلامية من سباق على إنشاء قنوات ووسائل إعلامية أخرى ماهو إلا صراع قائم على كسب الرأي العام بغية توظيفه لصالح الجهة الممولة والمؤسسة لتلك الوسلية الإعلامية. وفيما يخص الصراع العربي الفارسي في الأحواز، ومنذ مايقارب الـ 9 عقود، أي منذ احتلال هذا البلد العربي ليومنا هذا، لم يمتلك الشعب الأحوازي أية وسيلة إعلامية لتغيطة الأحداث والشؤون الخاصة به وصراعه مع المحتل. في عهد ماقبل ثورة 1979 لم نسمع عن أية وسيلة اعلامية؛ اللهم إلا بعض البرامج الإذاعية التي كانت تبث عبر الراديو من أرض العراق، وكذلك شهرية “الأحواز” منذ 1970 حتى 1996 ونشرة أخرى تحت عنوان “كارون”. كان حينها لدولة الاحتلال راديو “صوت النفط” يبث من عبادان، وكذلك استمر البث حتى بعد الثورة بتغير بعض المفاهيم، لكن ظل الهدف الرئيس لهذه الإذاعة تكريس مفاهيم الاحتلال، كما تطور فيما بعد إلى محطة تلفزيونية تبث ساعة في اليوم من مجموعة برامجها باللغة العربية وذلك لتكريس التفريس. ولكن بعد ثورة 1979 وبمجرد ما استطاع بعض النشطاء الأحوازيين أن يفيقوا نتيجة الوضع السياسي الانتقالي منذ الإطاحة بالنظام الملكي حتى وصول الخميني إلى سدة الحكم، بدأ التيار القومي وكذلك اليساري الأحوازي بالنشاط الثقافي، والذي تجلى بنشر بعض الصحف الناطقة بالعربية. وخلال هذه الفترة القصيرة استطاع النشطاء في “منظمة تقدمي الشعب العربي” أن يصدروا نشرة دورية تحت عنوان “الكفاح” وكانت تطبع (بالرونيو) وبأعداد قليلة، إلا أن لها الكثير من القراء الذين ينتظرون صدورها بفارغ الصبر. كما كانت هذه المنظمة على صلة قوية مع الحركة العمالية والطلابية الأحوازية، لذلك بادرت إلى إصدار نشرتي “كفاح العامل” و«كفاح الطالب”، وتأسست في الأحواز منظمة سياسية أخرى هي “منظمة الوحدة الثورية للشعب العربي الأحوازي”، وكانت هذه المنظمة امتداد لتنظيم منظمة فدائي الشعب الإيراني الجناح العربي، وأصدرت بدورها مجلتها الشهرية تحت عنوان “النضال”. كما أصدر الشباب الديمقراطي القومي نشرة “الطريق”، وأصدر القوميون نشرة “عربستان”. لكن سرعان ما غضبت السلطات الفارسية وتم تعليق عمل جميع المؤسسات السياسية والثقافية، كما طال الغضب الفارسي النشطاء وتم نفي الكثير من هؤلاء وتلى ذلك مجزرة المحمرة بقيادة “أحمد مدني” الحاكم العسكري في الأحواز انذاك. بعد هذه الفترة القصيرة دخلت الدولة الفارسية حرب الثماني سنوات، وتم تعليق جميع الأنشطة الثقافية منذ 1980 حتى مجيء التيار الإصلاحي بقيادة خاتمي على سدة الحكم 1997. في هذه الفترة بدأ العديد من النشطاء من طلاب الجامعات وغيرهم من مؤسسات أن يتتبعوا لتحقيق بعض من حقوق الشعب العربي في الحقل الثقافي، وانتشرت حينها دورات طلابية وبشكل بسيط، غايتها استمرار الوعي وتغذية فكر الجيل الصاعد بغية نضوج الفكر التحرري من بوتقة الاحتلال الفارسي الذي بات يدخل مخيلة الإنسان الأحوازي ويغزوه في شتى المجالات. نشرات؛ البرهان والنداء والكلام الآخر والتذكرة والحوار والهدى ولمحات والتغيير وديرة هلي والأنوار وأقلام الطلبة والمناهل والآفاق والفتى والتراث بإدارة محمد علي العموري، الذي حكم عليه بالإعدام مؤخراً وينتظر تنفيذ الحقد الفارسي بحقه في سجون مظلمة. كانت هذه النشرات تنشر على المستوى الطلابي وتوزع في كل من الجامعات والأحياء العربية. وكذلك أسبوعية “أهواز” وشهرية “صوت الشعب” وأسبوعية “الشورى” كان قد نشر باللغتين العربية والفارسية، لكن تم تجميد القسم العربي من صحيفة أهواز وإغلاق صوت الشعب وكذلك الشورى فيما بعد. بعد فترة وجيزة نُشرت صحيفة يومية ناطقة بالفارسية تحت عنوان “همسايه ها”، إلا أن هذه الصحيفة التي كانت قد ركزت حول القضايا الاجتماعية والثقافية بعيداً عن السياسة، لكنها لم تسلم من الغضب والحقد الفارسي، وتم سجن رئيس تحريرها ومؤسسها “محمد حزبائي”، وأحد أبرز الصحافيين فيها “أمير نيسي” وتم تعليق نشرها بشكل تام. خارج البلاد نشرت عدد من المجلات على يد بعض النشطاء الأحوازيين، ويمكن ذكر مجلة “الرماح” في هولندا في التسعينيات من القرن الماضي، ونشرة “النظرة” بإدارة المرحوم منصور الأهوازي في لندن. كذلك نشرات أخرى كمجلة عيلام ونيسان والأحواز العربية والتي كانت تنشر بين حين وآخر بإصدار عدد قليل وغير مهنية. أخيراً؛ وبعد أن دخلت أنياب الدولة الفارسية إلى جسد الدول العربية و«وصلت السكّينة إلى العظم”، حسب المثل الأحوازي، بدأ بعض النشطاء العرب، مشكورين على كل جهودهم وتعاطفهم، بالسماح لنا بنشر بعض الكتابات كمقال وتقرير وكذلك تغطية بعض أخبار الأحواز، وتخصيص ساعات في فضائيات ذات توجهات إسلامية بحتة. كما جاء سلفاً لم يحظَ الشعب العربي الأحوازي بوسيلة إعلامية مستقلة ومهنية لتسليط الضوء على قضيته الحقة. وظلت حصة القضية الأحوازية مع كل أهميتها الاستراتيجية والحيوية للعالم العربي، وعلى وجه الخصوص لدول الخليج العربي، صفراً على الشمال في حسابات هذه الدول، الأمر الذي سوف تدفع ثمنه الأمة بأسرها.