ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن خبر قناة العربية صحيح مائة بالمائة، وقد أكده تصريح وزارة الداخلية، وحتى التعليق المقتضب الذي خصت به السفارة الأمريكية جريدة الوسط لم ينف أن أمريكياً أدخل إلى مملكة البحرين مبلغ 11 مليون دولار كاش عبر مطار البحرين، تعليق السفارة على خبر العربية قال إن هناك معلومات غير صحيحة وردت بالخبر، والخبر كما قرأناه حافل بأكثر من معلومة، فما هي المعلومة الصحيحة وما هي المعلومة غير الصحيحة؟ هل المعلومة التي أوردتها الداخلية أيضاً غير صحيحة؟ وهي أن الرجل أدخل 11 مليون دولار كاش إلى البحرين؟
ما نفته الداخلية هو جزئية اعتقال الرجل؛ إنما هذا ليس هو لب الخبر، وسواء اعتقل أو تم توقيفه لفترة وإخلاء سبيله، فإن ذلك لا يغير من الواقعة في شيء. فبالعقل؛ لابد أن يكون الرجل قد تم توقيفه لساعات على الأقل إلى حين استجوابه والتأكد من معلوماته ومن ثم إخلاء سبيله، وهذا يؤكد حتى الجزئية الثانية من الخبر المتعلقة بالتوقيف.
أما بقية الخبر فقد كانت اجتهاداً خاصاً بمراسل العربية تم فيها ربط تصريحات سابقة لمسؤول بحريني كبير بحجم المشير مع هذا الخبر الجديد وتركها كاحتمال وارد، خصوصاً أنه لا يمكن لأحد أن ينكر أن وسيلة إدخال المبلغ كانت غير طبيعية (هذا أخف وصف ممكن أن نصف به الطريقة) إنما في النهاية أهم ما جاء بالخبر وما شكل مادته الأساسية تشير كل الدلالات أنه صحيح وهو إدخال مبلغ مهول بطريقة غريبة!!
العربية إذا كان لها سبق الكشف عن هذه الحادثة، وهذا ما يهم بالنسبة لأي وسيلة إعلامية عالية المهنية تحترم نفسها بأنها لا يمكن أبداً أن تتجاهل معلومة كهذه وردت لها.
إنما بعيداً عن “العربية” والمهنية الإعلامية نعود لأساس القضية، وهي التي تركت الرأي العام البحريني أمام واقعة ثابتة دون توضيح يوقف كم الهواجس التي فتحت بابها تلك الواقعة، ولتكن تساؤلات لشريحة من السذج والبسطاء وأهل الله من البحرينيين، على رأي التعليقات التي حفلت بها وسائل التواصل الاجتماعي.. (خذونا يا جماعة على قد عقلنا)، إنما هذه الشريحة تحتاج لمن يوضح لها حقيقة ما حصل.
أولاً؛ ما هو المشروع والمجاز وفق القوانين المحلية ووفق القوانين الدولية فيما يتعلق بإدخال أموال كاش عبر أحد منافذ الدولة؟
وهل من الطبيعي والقانوني أن تسمح أي دولة في العالم أن يدخل لها مبلغ 11 مليون دولار كاش بهذه الطريقة؟
إن كان ذلك أمراً طبيعياً فليغلق الملف؟ لكن تصريح وزارة الداخلية ترك هذه المسألة دون توضيح، والذي نعرفه كقواعد عامة، أن إدخال أي مبلغ لابد أن يكون ضمن ضوابط قانونية وعادة تحدد الدولة سقفاً مالياً يسمح به يختلف من دولة إلى دولة، وعلى من يدخل البلد أن يصرح بما في حوزته من أموال، وما يزيد على هذا السقف يصادر في الحال وقد حدث ذلك كثيراً، هذا ما نعرفه من قوانين، وبالتأكيد أن مبلغ 11 مليون دولار سقف لا يخطر على بال أحد!!
فهل من الطبيعي أن يسمح لكائن من كان أن يدخل 11 مليون دولار لمجرد أنه تقدم وصرح بالمبلغ؟! بغض النظر عن الكيفية التي سيصرف بها المبلغ إن كان مخصصاً لرواتب أو كان مخصصاً لعمل زينة عيد الميلاد، القصة تكمن في السؤال هل هو مسموح أم لا؟
ثم إن التصريح خلا من مدّنا بمزيد من التوضيح؛ هل هي المرة الأولى؟ هل اعتادت البحرية الأمريكية أن تمرر هكذا مبالغ بهذا الحجم أكثر من مرة؟ وهل يعقل أن تقوم البحرية بصرف رواتب موظفيها بالكاش كل شهر؟ ثم لم لا يكون صرف الرواتب عبر الطرق المتعارف عليها؟ (خذونا على قد عقلنا).
ثم سؤال يطرح نفسه وطبيعي في مواجهة هذه الواقعة الغريبة؛ هل تستلم كل القوات الأمريكية التي هي خارج الولايات المتحدة الأمريكية رواتبها بذات الطريقة؟ بمعنى هل القوات الأمريكية الموجودة في الناتو مثلاً تصرف لها رواتبها كاش؟ وهل تسمح ألمانيا أن يدخل 11 مليون دولار كاش عبر مطار برلين بمجرد أن يصرح الأمريكي أنه يحملها وأنها رواتب للقوات الأمريكية؟
ثم كيف يمكن تعقب صرف هذا المبلغ داخل البحرين خاصة وأنه دخل إلى أراضيها؟
وهذا يطرح تساؤلاً كبيراً أين دور البنك المركزي؟ لمَ لم يعلق على هذا الخبر؟ إنه مساس كبير بحدود مسؤولياته.
نريد توضيحاً وإجابات لهذه الأسئلة قبل أن نسترسل في التحليلات وندخل فيما هو محظور.
وطبعاً الأسئلة ستمتد على الأنظمة الأمريكية؛ هل تسمح القوانين الأمريكية بنقل أموال بهذا الحجم كاش وعبر المطارات؟ ولماذا البحرين؟
لا يمكن أبداً ترك تلك الأسئلة مفتوحة والاكتفاء بذلك التصريح المقتضب الذي فتح من التساؤلات أكثر مما أجاب عليها.
حدثوا العاقل بما يعقل.. رجل يصرح أن بحوزته 11 مليون دولار كاش فيدخل بها البلد؟!! هل كيف؟!! (إشهالبلد المهية؟)!!