يبدو أن تجذّر جملة من المفاهيم والتصوّرات المغلوطة عن الأحداث التي عصفت بالبلاد في الأذهان يجعل لهيب الأزمة السياسية مشتعلاً، ويعمِّق الخلافات، وهذه المفاهيم هي:
أولاً: إنَّ الأزمة القائمة تحمل صبغة طائفية، وإنَّ الحل يكمن في مراعاة ظروف الطوائف المختلفة، وإيجاد نوع من التوازن في الحقوق والواجبات بينها، والصحيح هو أنَّ الأحداث المؤلمة التي خبرناها جميعاً ذات بُعد سياسي واضح لا لبس فيه، وهناك مطالبات مشروعة بالمزيد من الإصلاحات الديمقراطية والدستورية يريد جميع المخلصين أن تتحقق كلها أو القسم الأكبر منها، أما تصويرها على أساس أنها تتعلّق بأبناء مذهب معيّن دون سواه فهو مجاف للحقيقة وللواقع.
ثانياً: إن قوى المعارضة السياسية تمثل رأي “الأكثرية”، لأنَّ التيارات الأكثر تأثيراً ونفوذاً فيها تعبِّر عن صوت “الأغلبية” المنتمية لمكوّن اجتماعي محدّد، ومن ثمَّ فإنَّ الدولة “يجب” أنْ تتحاور مع هذه القوى لأنها العنصر المؤثِّر في العملية السياسية، ولأن “الجماهير” تقف خلفها.
هذا هو للأسف أحد التصورات “المقلوبة” إن جاز التعبير، عن الواقع السياسي القائم، فالقوى التي تزعم أنها تقود الناس باتجاه إنجاز مطالبهم السياسية، وتحشد التجمّعات واللقاءات المختلفة من أجل إيصال هذه المطالب إلى الجهات السياسية الرسمية، نقول إنَّ هذه القوى لا تمثّل الأغلبية، وثقلها الحالي، حتى بمعايير العددية المطلقة، لا يؤهلها للتحدّث باسم الجميع أو نيابة عن أبناء الشعب، سواءً في الداخل أو الخارج، حيث لاتزال هناك الأصوات المعتدلة التي لم تتمكن هذه التيارات من استقطابها ومثل هذه الأصوات لا تستطيع ولا تريد العيش في جلبابها.
ثالثاً: إنَّ الأصوات العقلانية التي تدعو إلى وقف العنف من الطرفين، والبدء في الحوار الوطني الشامل دون شروط، “لا تستوعب” مجريات العملية السياسية، لأنها تساوي بين “الضحية والجلاد”، وهي لا تريد للبلد خيراً، وإنما تسعى جاهدةً إلى “ضمان مصالحها وغنائمها” التي حصلت عليها خلال الأزمة الراهنة.
الصحيح أنَّ هناك كمٌّ كبير من الأصوات الغيورة على وضع البلاد ومستقبلها، ولأنَّ هذه القوى لا تريد أن ترى وطننا مسرحاً لتصفية الحسابات الإقليمية والمذهبية والفئوية الضيِّقة، فستواصل رفع عقيرتها من أجل إشاعة السلم الأهلي، وتعزيز الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب، بصرف النظر عن انتماءاتهم، وتحقيق الوئام والإخاء في مجتمعنا!
{{ article.visit_count }}