هذه السطور تتضمن معلومات ذكرت عدة مرات في السابق، لكننا نعيد تسليط الضوء عليها لأهميتها وحتى يعي الناس في البحرين، خاصة البسطاء ما يدور في “أجندة” قوى العالم الغربي بشأن مخططات التغيير في بلدان العالم الثالث التي تصنف دولنا العربية تحتها. لتبسيط الشرح، عليكم أن تعرفوا بأن هناك حزمة برامج أمريكية تدار من خلال منظمة تحت اسم “مبادرة الشراكة الشرق أوسطية”، والأخيرة تنطلق من أهداف أعلنها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بكل صراحة بشأن تغيير خارطة العالم وتحديداً الشرق الأوسط، والذي أسمته وزيرة الخارجية السابقة كوندليزا رايس بمشروع “الشرق الأوسط الجديد”. هذه المنظمة تعلن أهدافها عبر موقعها الإلكتروني الذي تدير من خلاله كل العمليات، وهي تركز على توفير المساعدة، التدريب، والدعم الموجه للمجموعات والأفراد الذين يحاولون تغيير مجتمعاتهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي يطلقون عليها اختصاراً مسمى “مينا” باللغة الإنجليزية. هذه المنظمة تعمل في 18 دولة من خلال خلق شراكات مع منظمات المجتمع المدني، أو من تسميهم قادة المجتمع من نشطاء وشباب ونساء، بالإضافة إلى مجموعات من القطاع الخاص. تعلن المنظمة بأن الهدف من عملها هو تطوير جهود هذه الفئات باتجاه الإصلاح. تعمل هذه المنظمة الأمريكية بطريقة الأسلوب التصاعدي من الأسفل إلى الأعلى عبر الاهتمام بالفئات المحلية والتركيز على احتياجاتها. هذه المنظمة نشطة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2002، وتساهم بأكثر من 600 مليون دولار أمريكي يتم ضخها في أكثر من 100 مشروع من خلال التمويل المالي الذي يقدم للفئات التي تستهدفها، وهي تدير العملية من خلال مكتبها الرئيس في واشنطن، ومكتبين إقليميين في تونس وأبوظبي. المنظمة الأمريكية تعترف في موقعها الإلكتروني بأن مشاريعها زادت وتضخمت بشكل كبير خلال “الربيع العربي” خاصة في الدول التي حدثت فيها تغييرات باتجاه الديمقراطية، وسمت هذه الدول بمصر وتونس وليبيا، وأن هذه المشاريع ركزت على أهداف محددة كدعم الانتخابات الحرة النزيهة، وتوسيع مشاركة المجتمع المدني وإعطاء صوت أكبر للمواطنين في تشكيل الأنظمة السياسية والاقتصادية والتشريعية. تقول المنظمة بأن الهدف من عملها هو خلق حالة من “الشراكة الحيوية” بين الولايات المتحدة ومواطني “مينا”، وذلك من خلال “دعمهم وتقويتهم” لبناء مجتمعات تعددية وتفاعلية، وهذه الشراكة هي أحد الأسس الرئيسة التي تهتم بها الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة الرئيس باراك أوباما. تقول المنظمة بأنها تريد من هؤلاء المواطنين المستهدفين أن ينظروا للولايات المتحدة الأمريكية على أنها “شريك فاعل لإحداث التغييرات داخل مجتمعاتهم”، في مقابل توفير الدعم المالي والتدريب والتخطيط في الاتجاه الصحيح لتحقيق النتائج المؤثرة والملموسة. فرص التمويل التي تقدمها المنظمة سهلة جداً، يكفي أن تدخل الموقع الإلكتروني لتقديم طلب الحصول على الدعم المالي، وفي نفس الوقت يشرح لك الموقع كيف تدير مبلغ التمويل. في عام 2009 فقط قدمت المنظمة مبالغ بقيمة 50 مليون دولار لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لإدارة مشاريع تدخل في الإطار التي تعمل فيه، وكل الطلبات تمت مراجعتها في واشنطن ومكاتبها الإقليمية. وبحسب إحصائيات المنظمة نفسها فإنها من خلال عمل المكاتب الإقليمية ضخت أكثر من 580 مليون دولار لأكثر من 680 مشروعاً في 18 دولة منذ عام 2002. تقول المنظمة بأنها تبحث عن أفكار إبداعية وطرق لتطوير المشاريع في المنطقة، وتحرص على نجاح هذه المشاريع. في حين تعرف “الدعم المالي” الذي تمنحه لهذه المؤسسات أوهؤلاء الأفراد على أنه التزام من الحكومة الفيدرالية، من خلال وزارة الخارجية الأمريكية، لمنظمات أو أفراد لتطويرعملهم بما يتلاقى مع أهداف المنظمة. والمنظمة تقدم المساعدة للشخص أو الجهة التي تموله، بالأخص المساعدة في إدارة المبالغ، في مقابل على كل المستفيدين توقيع اتفاقية للالتزام بالشروط المتعلقة بالتمويل والتي تتوافق مع معايير الحكومة الفيدرالية الأمريكية.. المؤسسات التي منحت الدعم تنوعت في تركيبتها وانتماءاتها وأفكارها ووضعها المجتمعي، أي هي أطياف مختلفة، لكن عليها العمل في اتجاه واحد، وهو الاتجاه الذي يحقق هدف المنظمة في خلق شراكة أمريكية مع هذه الجهات في شأن إحداث التغيير. مبالغ الدعم تتراوح مابين 25 ألف دولار إلى 150 ألف دولار للمشروع وليس للشخص أو للجهة، أي يمكن للجهة الواحدة تبني عدة مشاريع وكل منها له ميزانيته المدفوعة، وهذا النوع من الدعم يركز على دعم الأنشطة سريعة الأثر وعادة تنتهي هذه المشاريع خلال سنة. هذه المنظمة لديها منسقون في السفارات وظيفتهم التواصل مع المجتمعات المحلية حتى يساعدوهم في إحداث التغيير في مجتمعاتهم، من خلال هذا التواصل يتمكن الدبلوماسيون الأمريكيون من فهم هذه المجتمعات بشكل أفضل، بهدف توفير سبل الدعم المناسبة لهم. بعد هذا السرد المقتضب، قد تتبادر إلى أذهانكم تساؤلات عديدة، وقد تجدون تفسيرات منطقية لأمور تحصل بشكل دوري من خلال الدبلوماسيين الذين يمثلون الولايات المتحدة عبر سفارتها في البحرين. هذه الملايين التي ضخت لهذه المشاريع في المنطقة، والتي يحق لمؤسسات معينة التحصل عليها، ألا يقودنا للتساؤل بشأن عدد الذين استفادوا ومن يكونون؟! ألا يربطنا بجهات كان لها دور في افتعال الأزمة الانقلابية في البحرين؟! كم استلموا ومنذ متى تم دعمهم من قبل هذه المنظمة الأمريكية التي تمثل السياسة الرسمية للبيت الأبيض؟! في جانب آخر، حينما تتعرفوا أكثر على عمل المنظمة وارتباطها بنوايا التغيير في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من الداخل من خلال التركيز على المجتمع المدني، وارتباط الدبلوماسيين والسفراء الأمريكان بذلك “كل ذلك موجود في موقعها الإلكتروني”، يمكنكم فهم السبب الذي يدعو السفير الأمريكي في البحرين للقيام بما يقوم به حالياً، يمكنكم الخلوص لنتيجة هامة تفيد بأن واشنطن لا تطمح في مقام أول لتقوية شراكتها وارتباطها مع الحكومات وقيادات الدول بقدر ما تريد خلق “تبعيات” سياسية من قوى الشارع باسم “الشراكة” وباسم دعم الحريات. باختصار دورهذه المنظمة لا يعد إلا تدخلاً سافراً في شؤون الدول، لا يعتبر إلا نوعاً من الاستنهاض التحريضي للشارع على قياداته، في دول معينة قد يكون الحراك الشعبي هو الفعل الطبيعي لمواجهة أنظمة استبدادية دكتاتورية، لكن في دول أخرى تحول هذا الدعم و«التدخل” لاستنهاض جبهات طائفية ذات أجندات خاصة لتحاول إسقاط الأنظمة واختطاف الحكم على حساب تعددية المكونات في المجتمع. يحصل كل هذا، وأجزم بأن المعنيين بالأمر يعلمون كل ذلك وبالتفاصيل، لكن مع ما يحصل من قبل السفير الأمريكي من ممارسات وتدخلات صريحة وواضحة، نخرج في النهاية ببيانات وتصريحات تفيد بأننا و«الحليفة الاستراتيجية” نمتلك علاقات قوية ومتينة وشراكة لا يمكن إضعافها. الشراكة الحقيقية التي يبحثون عنها ليست مع الأنظمة، بل مع الشعوب التي من خلال تأليبها واستنهاضها يمكن “هز” هذه الأنظمة. عموماً، يكفي أن تعرفوا في النهاية أن هذه المنظمة لا تدخل دولاً بعينها مثل إيران وتركيا وإسرائيل. ويا فهيم افهم.