نحن ولله الحمد كلنا متدينون، فالدين والتدين ليس حكراً على أحد أو حتى على طائفة أو فريق أو مذهب، فالمسلمون والعرب كلهم متدينون، والشعب البحريني خاصة متدين ومحافظ بطبعه، وهذه سجية الأجداد والآباء والأبناء، كما إن ثقافة التدين تختلف من حيث المفهوم والتطبيق، من شخص إلى شخص ومن جماعة إلى جماعة أخرى، لكن في المحصلة سنظل كلنا متدينون باختلاف أعراقنا وأجناسنا ومذاهبنا.

مشكلة البعض أنهم يصرون على أن يمارسوا تدينهم القشوري بصورة فاقعة، ليلفتوا الأنظار إليهم، ليس هذا فحسب، بل يعتقدون أنهم هم المؤمنون وغيرهم ليسوا كذلك.

هذه الإشكالية الثقافية والعملية تتجلى بأضخم صورها في ثورات الربيع العربي تحديداً، وفي كل منعطف سياسي كبير تمر به الدول العربية والإسلامية، كل ذلك ليقولوا للناس إنهم من فئة المؤمنين الخُلَّص، وما سواهم يعتبرون من فئة المراتب المتدنية في الإيمان.

إن أهم إشكاليات الربيع العربي، أكدت لنا أن حركات ومنظمات الإسلام السياسي دخلت جميعها على الخط، فاحتكرت الشعارات والمطالب والاستراتيجيات وحتى إرادات الشعوب، فهي لم تدع مجالاً لكل الأطياف الأخرى في التعبير أو حتى في ترك فضاءات حرة لها، كي تبدي رغبتها في أدنى مستويات الوجود السياسي.

السمة الغالبة على كل زعماء ونشطاء الربيع العربي هو سيماء المتدينين من أصحاب الإسلام السياسي من الذين فشلوا في التعامل مع الواقع السياسي لأكثر من نصف قرن من الزمن، فرأوا في الربيع العربي فرصة للظهور على السطح السياسي، فهم لم يتصالحوا مع الشعوب ولا مع الأنظمة ولا مع كل الدول الأخرى، بل إن بعضهم لم يتصالحوا مع غيرهم من أصحاب التيارات الإسلامية الأخرى، بل إن الكثير منهم لم يتصالحوا حتى مع أنفسهم، فحدثت عنهم انشقاقات عنيفة في داخل تياراتهم الدينية، لأن الصراع على قيادات تلك التيارات، كانت السِّمة الغالبة على إدارتها وثقافتها.

بما أن الشعوب الإسلامية والعربية هي شعوب مؤمنة بطبيعتها وبفطرتها، فإننا سوف نقترح على الجماعات الإسلامية الأصولية أن ترفع يدها من الربيع العربي، وأن تمارس دورها كما تمارس التيارات الأخرى دورها، وهذه هي الديمقراطية، وأن لا تمارس ذات الأدوار التي تمارسها بعض الأنظمة العربية، من عنف الفكر والوسيلة والأسلوب والنظام، بل نحن نجزم أن بعض تلك المنظمات الإسلامية الأصولية اليمينية الراديكالية أشد قسوة من تلك الأنظمة، حتى ولو تزينت بلبوس التقوى والإيمان.

ربما تعطيك وترسم لك بعض تلك الحركات الإسلامية طريق الجنة قبل طريق الديمقراطية، لكنها من المؤكد حين تصل إلى الحكم، فإنها سوف تدخل الناس إلى الجحيم لا إلى الفردوس. كلنا يعرف أن غالبية الحركات الإسلامية تستغل فقر وحاجات الناس وتهميش الأنظمة لهم، فتقوم باللعب على هذه الأوراق العاطفية، فتقوم بشراء العواطف الساذجة وحاجة الناس للقمة العيش، فتستخدمهم وقوداً لحركاتها، وما أن تنتصر، فتتركهم كما كانوا حفاة عراة وأكثر.

قلتها من قبل إنها “الجمبزة”، حتى ولو لم ترق لبعضهم هذه المفردة، لأن التجربة أثبتت عدم صلاحية الحركات الإسلامية المتطرفة لقيادة المجتمعات بشكلها الحديث، لأنها سوف تمارس دور بعض الخلافات الإسلامية الفاشلة التي حصلت عبر تاريخ الأمة، بعد الخلافة الراشدة، حتى جلبت لها الويلات والمآسي.

نكرر، نحن لسنا ضد الإسلاميين، لأننا كلنا مؤمنون في الأصل، بل نحن ضد كل الحركات الأصولية والوصولية التي تستثمر ضعف المجتمعات وغياب الديمقراطيات في وطننا العربي، فتقوم باستغلال الشعوب لصالح أجندتها الخاصة.

نحن مع الديمقراطية والحرية ومع الإسلام ومع كل التوجهات الأخرى، فالشعوب اليوم، لا تريد أن يمثلها أحد بعينه، كما إنها لا تريد أن تجعل لها سفراء من ورق، فهي تعتقد أنها أصبحت شعوباً راشدة، لا تحتاج لمن يقوم بتوجيهها باسم الدين، بل تريد أن تقرر مصيرها بإرادتها، وعليهِ، افسحوا لها المجال أن تعبر عن رغباتها بعيداً عن التهديد والوعيد، وبعيداً عن الجنة والنار، فالشعوب العربية أكثر إيماناً من كل الحركات الإسلامية.