لرجال الدين دور مؤثر في اتخاذ القرارات، الأفراد يتأثرون بما يقولونه ويفتون به والجمعيات السياسية حتى غير الملتزمة دينياً تبجلهم وتعتبرهم نبراساً وتأخذ بأقوالهم التي هي في النهاية توجيهات ينفذونها ولا يحيدون عنها. والمتابع لأحداث البحرين يتبين ببساطة كيف كان لرجال الدين ولا يزال دوراً أساساً ومؤثراً في قيادتها وفي إشعالها وفي التهدئة. ليس الحديث هنا عن رجال الدين الممثلين لمذهب بعينه ولكن كل رجال الدين، ذلك أن شعب البحرين تأسس على احترام وتبجيل رجل الدين حتى وإن أفتى في السياسة.
خلال السنة ونصف السنة الماضية قاد رجال الدين الحراك السياسي الشعبي عبر خطب الجمعة ومن خلال لقاءاتهم مع المصلين بعد كل صلاة وأصدروا الكثير من الفتاوى التي ربما وصلت حد تكفير من يقف مع الآخر. لقد كان لرجال الدين بشكل عام دور في شق الصف والتأجيج حتى بدا أن أي حل لا يمكن أن يتم من دون موافقتهم فهم اليوم رقم مهم.
من هذا المنطلق يمكن القول إن لرجال الدين دوراً مهماً ينبغي أن يمارسوه في شهر رمضان يتمثل في أمور عدة أولها الدعوة إلى التهدئة والتأكيد على أن شهر رمضان للعبادة وليس للعنف والمواجهات فيخصصون خطبهم عبر مختلف المنابر لهذا التوجه والتشديد على الابتعاد عن كل ما يعكر صفو الشهر الكريم ويؤذي الناس والوطن، وثانيها أن يكونوا شركاء حقيقيين في الحل عبر اقتطاع جزء من وقتهم لتبادل الزيارات فيقوم رجال الدين المحسوبون على هذا الطرف بزيارة مجالس رجال الدين المحسوبين على الطرف الآخر ويقوم هؤلاء بزيارة أولئك والسعي معاً إلى التأكيد على أن الاختلاف في وجهات النظر لا يؤثر سلباً في العلاقات وأننا في كل الأحوال أبناء وطن واحد، فالعامة إن شاهدوا ذلك تأثروا به وتأكد لهم أننا في كل الأحوال أبناء وطن واحد وأن ما حدث ما كان ينبغي أن يحدث أو على الأقل لا ينبغي أن يحدث من جديد.
كنت قد حضرت في التسعينيات الزيارة التي قام بها الشيخ عبدالأمير الجمري للشيخ عيسى بن محمد آل خليفة بجمعية الإصلاح بالمحرق، ولمست بأم عيني كيف تمكن الرجلان وببساطة من بث روح التفاؤل بين الحضور الذي كان من الطائفتين الكريمتين، حتى شعر الجميع أنهم إخوة وأهل فحلقوا جميعاً في مساحة الحلم الجميل. أما الأجمل فكان أن تأثير ذلك اللقاء استمر زمناً طويلاً ولم يعكره سوى ما حدث في فبراير العام الماضي.
ليس بالضرورة أن يتحدث رجال الدين في تلك الزيارات في الشأن السياسي، حيث اللقاء نفسه فعل سياسي مؤثر. إن زيارة الشيخ عيسى قاسم لمجلس الشيخ عبداللطيف المحمود وزيارة الشيخ السعيدي لمجلس الشيخ العصفور مثلاً من شأنها أن تزيل الجدار الذي حدث غصباً عن الجميع، فإذا سبق ذلك وتبعه تأكيد رجال الدين على أن رمضان هو للصوم وللعبادة وحث كل واحد منهم أتباعه ومريديه على التوقف عن ممارسة كافة أشكال العنف بما في ذلك العنف الكلامي فإنهم يكونون قد أدوا خدمة جليلة لهذا الوطن الذي حقيقة لا يستحق كل هذا الذي يجري له.
إن كل ما سيفعله رجال الدين في هذا الخصوص هو أنهم سيطبقون ما تحتويه بعض الآيات الكريمة وما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام وآله والصحابة من دعوات إلى السلم والجنوح إليه وإلى المصالحة وإلى السعي لإقناع من يعرض كي يكون الجميع في خانة الذي ينال فضل البدء بالسلام.
دور مهم جداً يمكن لرجال الدين أن يلعبوه في شهر رمضان قد يأخذ الجميع إلى حيث الباب الذي ندلف منه إلى الحل الذي يرضي الجميع.