في تقرير إخباري منشور في (الوطن) مؤخراً، عما سمَّاه « استغراب» الرأي العام البحريني من تزايد تدخلات السفير الأمريكي بالمنامة في الشأن الداخلي، من خلال ما يجريه من اجتماعات مكثفة مع أطراف من المعارضة البحرينية و»بحماس منقطع النظير لدعم مطالب الوفاق خلال لقاءاته معهم» بما في ذلك «دعم استمرار (الاعتصامات والمسيرات) في العاصمة».. انتهى الاقتباس.
والحقيقة أنه لا غرابة مطلقاً في مثل هذا التدخل بالنسبة إلى السيد جراكيسكي؛ سواء لطبيعة تجربته السابقة كسفير لبلاده في العراق أو لأدوار السفراء الأمريكان في البلاد العربية عامة.
فعلى الصعيد الأول، فقد كان للسفير المذكور باع في إعادة هندسة النظام السياسي في العراق الجديد على أسس المحاصصة الطائفية والذي نجح في تحويله إلى كيان مشوَّه مفكك سياسياً ومجتمعياً وقابل للانفجار في أية لحظة، فضلاً عن تمكين طهران من التأثير المباشر على هذا البلد انطلاقاً من الأسس الطائفية تحديداً، وقد يكون المطلوب من نفس السفير إعادة إنتاج التجربة العراقية في المنامة. من يدري؟
على الصعيد الثاني، فإن الأدوار التي يمارسها العديد من السفراء الأمريكان في الدول العربية لا تختلف كثيراً عما يمارسه السيد جراكيسكي، ونكتفي في هذا السياق بمثال واحد مستفز للتدخل الفظ المثير للاشمئزاز وهو محاولة السيد ديفيد ولش السفير الأمريكي السابق في القاهرة التدخل في الشأن الداخلي المصري وبشكل مثير للمشاكل مع القوى الشعبية المصرية حتى وصفه البعض آنذاك بكونه مندوباً سامياً بدرجة ديكتاتور، وذلك لتدخله في الشؤون المصرية الداخلية وإحراج الحكومة باستمرار بإلقائه التعليمات والتوجيهات والانتقادات، وكلها على صلة بالسياسة الأميركية وموقف الآخرين منها، حتى وصلت تلك التدخلات الفظة ذروتها حين انتقد ولش الصحافة المصرية مطالباً رؤساء تحرير الصحف بفرض رقابة على ما يكتب بها من انتقادات للولايات المتحدة، ولكن الرأي العام المصري والنخب المصرية ومؤسسات المجتمع المدني هي التي أوقفت هذا السفير عند حده ووضعت غطرسته في حجمها الطبيعي.
وهنا من حقنا أن نطرح الأسئلة المشروعة التالية والتي تحتاج إلى إجابات صريحة لتتضح الصورة:
- هل يحق للسيد جراكيسكي أن يتصرف ويتحرك في ساحة مفتوحة دون التزام بالقواعد المعتمدة؟ أم إنه يمارس دوراً متفقاً عليه؟
- هل تحتاج الأزمة السياسية في البحرين إلى وسطاء بدرجة سفير لحلحلتها؟ وإذا كان الأمر كذلك فأي أهمية للقاءات الرسمية مع الأحزاب الرئيسة لإيجاد مخرج من هذه الأزمة؟
- أين هو الدور الجاد للرأي العام المحلي الذي يفترض أن يقف ضد هذه الفظاظة المثيرة في التدخل في الشأن الداخلي سواء من هذا السفير أو غيره من السفراء؟
إن التغني الأميركي بالديمقراطية معزوفة لم تعد تقنع أحداً، لأن لها في كل مرحلة توزيعات مختلفة تأخذ بعين الاعتبار الضرورات واحتياجات السياسة الأميركية وحدها دون غيرها. فهي تارة تأخذ لغة الدفاع عن حقوق الإنسان، أو مكافحة الإرهاب والدفاع أو مطاردة أسلحة الدمار الشامل لتدميرها لخطرها على السلم والاستقرار والأمن في العالم ، وتارة تأخذ لغة الدعوة إلى تطوير الأنظمة وتغيير بنيتها لتنتج ثقافة التسامح بدلاً من إنتاج ثقافة أصولية تشكل تربة خصبة للإرهاب وهكذا، ولعلّ المنطقة العربية شكلت نموذجاً فاقعاً لتطبيقات الديمقراطية الأميركية المزعومة، والتي سرعان ما تعرت ادعاءاتها حين تبدت حقيقة ما تهدف إليه واشنطن في دعواتها إلى تطوير البنية السياسية للأنظمة العربية، في إطار ما سمي ببرنامج الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط والتي عادت بالوبال على المنطقة.
{{ article.visit_count }}
والحقيقة أنه لا غرابة مطلقاً في مثل هذا التدخل بالنسبة إلى السيد جراكيسكي؛ سواء لطبيعة تجربته السابقة كسفير لبلاده في العراق أو لأدوار السفراء الأمريكان في البلاد العربية عامة.
فعلى الصعيد الأول، فقد كان للسفير المذكور باع في إعادة هندسة النظام السياسي في العراق الجديد على أسس المحاصصة الطائفية والذي نجح في تحويله إلى كيان مشوَّه مفكك سياسياً ومجتمعياً وقابل للانفجار في أية لحظة، فضلاً عن تمكين طهران من التأثير المباشر على هذا البلد انطلاقاً من الأسس الطائفية تحديداً، وقد يكون المطلوب من نفس السفير إعادة إنتاج التجربة العراقية في المنامة. من يدري؟
على الصعيد الثاني، فإن الأدوار التي يمارسها العديد من السفراء الأمريكان في الدول العربية لا تختلف كثيراً عما يمارسه السيد جراكيسكي، ونكتفي في هذا السياق بمثال واحد مستفز للتدخل الفظ المثير للاشمئزاز وهو محاولة السيد ديفيد ولش السفير الأمريكي السابق في القاهرة التدخل في الشأن الداخلي المصري وبشكل مثير للمشاكل مع القوى الشعبية المصرية حتى وصفه البعض آنذاك بكونه مندوباً سامياً بدرجة ديكتاتور، وذلك لتدخله في الشؤون المصرية الداخلية وإحراج الحكومة باستمرار بإلقائه التعليمات والتوجيهات والانتقادات، وكلها على صلة بالسياسة الأميركية وموقف الآخرين منها، حتى وصلت تلك التدخلات الفظة ذروتها حين انتقد ولش الصحافة المصرية مطالباً رؤساء تحرير الصحف بفرض رقابة على ما يكتب بها من انتقادات للولايات المتحدة، ولكن الرأي العام المصري والنخب المصرية ومؤسسات المجتمع المدني هي التي أوقفت هذا السفير عند حده ووضعت غطرسته في حجمها الطبيعي.
وهنا من حقنا أن نطرح الأسئلة المشروعة التالية والتي تحتاج إلى إجابات صريحة لتتضح الصورة:
- هل يحق للسيد جراكيسكي أن يتصرف ويتحرك في ساحة مفتوحة دون التزام بالقواعد المعتمدة؟ أم إنه يمارس دوراً متفقاً عليه؟
- هل تحتاج الأزمة السياسية في البحرين إلى وسطاء بدرجة سفير لحلحلتها؟ وإذا كان الأمر كذلك فأي أهمية للقاءات الرسمية مع الأحزاب الرئيسة لإيجاد مخرج من هذه الأزمة؟
- أين هو الدور الجاد للرأي العام المحلي الذي يفترض أن يقف ضد هذه الفظاظة المثيرة في التدخل في الشأن الداخلي سواء من هذا السفير أو غيره من السفراء؟
إن التغني الأميركي بالديمقراطية معزوفة لم تعد تقنع أحداً، لأن لها في كل مرحلة توزيعات مختلفة تأخذ بعين الاعتبار الضرورات واحتياجات السياسة الأميركية وحدها دون غيرها. فهي تارة تأخذ لغة الدفاع عن حقوق الإنسان، أو مكافحة الإرهاب والدفاع أو مطاردة أسلحة الدمار الشامل لتدميرها لخطرها على السلم والاستقرار والأمن في العالم ، وتارة تأخذ لغة الدعوة إلى تطوير الأنظمة وتغيير بنيتها لتنتج ثقافة التسامح بدلاً من إنتاج ثقافة أصولية تشكل تربة خصبة للإرهاب وهكذا، ولعلّ المنطقة العربية شكلت نموذجاً فاقعاً لتطبيقات الديمقراطية الأميركية المزعومة، والتي سرعان ما تعرت ادعاءاتها حين تبدت حقيقة ما تهدف إليه واشنطن في دعواتها إلى تطوير البنية السياسية للأنظمة العربية، في إطار ما سمي ببرنامج الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط والتي عادت بالوبال على المنطقة.