غداً تُجرى انتخابات الرئاسة الأمريكية، قد تكون مهمة للرأي العام الأمريكي، ولكنها هنا في الشرق الأوسط ليست بقدر الأهمية ذاتها، فشعوب دول الشرق الأوسط، وتحديداً العرب باتوا يدركون أن الانتخابات الجديدة لن تأتي بجديد، ولن تنهي حالة الفوضى الخلاقة التي ابتكرتها إدارة المحافظين الجدد إبان حكم الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش الابن، ونفذتها ببراعة الإدارة الأمريكية اللاحقة خلال حكم الرئيس الديمقراطي باراك أوباما. ومازالت دول المنطقة تكتوي بنيران هذه الفوضى التي لا يتوقع أن تنتهي سريعاً وتداعياتها الأكبر لم تأتِ بعد.
حسم الانتخابات الرئاسية اليوم لن ينتهي بالرئيس الحالي أوباما لتغيير سياسته تجاه المنطقة إذا فاز، ولن ينتهي أيضاً بسياسة جديدة للمترشح الجمهوري الجديد إذا فاز. فالسياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط باتت لديها ثوابت واضحة وهي قديمة ولن تتغيّر، بل المتغيّر فيها مجرد التكتيكات، فمثلاً حماية المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة وفي مقدمتها أمن الطاقة «النفط تحديداً» وأمن إسرائيل من الثوابت القديمة التي لا يمكن أن تتغيّر في ظل سيطرة واشنطن على النظام الدولي الحالي. ولكن تكتيكات حماية المصالح الأمريكية هي التي تتبدل باستمرار طبقاً لمبادئ السياسة الخارجية، وطبقاً للمستجدات الإقليمية والدولية، ففي السابق كان من الممكن تحقيق أهداف السياسة الخارجية لواشنطن من خلال إقامة تحالفات استراتيجية مع دول الشرق الأوسط ومن بينها دول مجلس التعاون الخليجي. ولكن اليوم -من منظور أمريكي- لا يمكن حماية المصالح الأمريكية باستمرار هذه التحالفات، بل ينبغي إيجاد نخب جديدة حاكمة بدلاً من العائلات الخليجية المالكة حالياً.
وعليه ليس متوقعاً إعادة النظر في سياسة الفوضى الخلاقة لأن أدواتها صارت جزءاً من تفاعلات السياسة الدولية، ومثال ذلك شبكات التواصل الاجتماعي الضخمة التي باتت واقعاً لا يمكن تجاهله أو التغافل عنه لأهميتها في تغيير اتجاهات الرأي العام والتحكم فيه دون قيود.
الانتخابات الرئاسية الأمريكية لن تفرز جديداً، ولكنها ستفرض واقعاً آخر، ففي حالة فوز الرئيس أوباما بولاية ثانية، فإنه سيركز على تحقيق أهداف استراتيجية أخرى أكثر أهمية لأنه يدرك أنه لن يكون في البيت الأبيض بعد انتهاء سنوات الدورة الرئاسية المقبلة بعد أربع سنوات من الآن. أما في حالة فوز المترشح الجمهوري رومني فإنه سينشغل بمواجهة التحديات التي باتت مؤرقة للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط نتيجة الفوضى الخلاقة المنتشرة هنا.
وفي كلتا الحالتين، لن يكون هناك جديد على صعيد العلاقات الخليجية - الأمريكية خلال الفترة المقبلة، بل المنتظر مزيد من التحديات التي ستثبت قدرة كل طرف على التمسك بمصالحه الاستراتيجية وحمايتها.