في ظل رغبة الدولة في تهيئة الحوار؛ هناك أصوات تتجه نحو التصعيد والنكران والجحود لكل ما نفذته الدولة من توصيات بسيوني، التي لم تلاق أي امتنان أو حتى ذكرى واحدة بخير، بدءًا من إعادة المفصولين ومضاعفة مساحات المساجد المخالفة وبنائها على نفقة الدولة وإطلاق سراح أغلب من شاركوا في المؤامرة الانقلابية في الجرائم الأمنية وتخفيف الأحكام. كل ذلك وتقول الوفاق في تقريرها: «إذ خلص التقرير إلى عدم تنفيذ التوصيات والتلاعب والالتفاف عليها من قبل الحكومة»؛ إذاً ماذا ستقدمون لهم بعد؟
لقد فتحت الدولة قلبها وصدرها وذراعها وأخذتهم بالأحضان، فلم يبق خير إلا أسبغته عليهم، ولم تبق فرصة عمل إلا أتاحتها أمامهم، ولم يكن مجال علم ومعرفة إلا قدمته إليهم، ولم تبق ساحة رياضية أو لعبة دولية إلا وأرسلتهم لها، ولم تترك صفقة تجارية أو مناقصة إنشائية أو صناعية إلا وأعطتهم إياها دون تدقيق ولا تمحيص، بل والبنية التحتية للبلاد كلها تحت أيديهم، والاقتصاد الوطني الخاص والعام كله بيد تجارهم الكبار والصغار، والثروات من نفط وغاز ومواصلات برية وجوية كلها تعود إليهم، فماذا بقي.. ولم تقدموه إليهم؟
لقد فتحت الوزارة الأمنية للجميع، ووظف أبناءهم في جميع أجهزتها ووحداتها، حيث لا تخلو سيارة مرور أو شرطة منهم، وها هو قسم المراجعات والحوادث والمعلومات والمراكز كلها لهم، كذلك هي المؤسسة العسكرية فقد بدأت أرجلهم تدب فيها، إذاً كل المؤسسات الحكومة والأمنية والعسكرية والشركات الوطنية الكبرى، كما سيطروا على البحر والمنافذ والموانئ، فلم يبق شيء إلا صار إليهم!!
ورغم كل ذلك، هل ما زالوا ينكرون كل شيء ولم يأتوا على ذكره في تقاريرهم، هل ذكروا أن لهم من المساجد المئات والمآتم أضعاف المئات، وأن المضايف احتلت الطرقات، والمواكب سدت الشوارع وأغلقت الممرات، وهل ذكروا ما تقدمه لهم المؤسسات الحكومة من دعم في أيام عزائهم، هل ذكروا ما تعانيه أغلبية الشعب من تضييق في حياتهم وتعطيل لمصالحهم؟ لم يذكر شيئاً أبداً، فها هو عيسى قاسم يعلن إنكاره في قوله: «لا بد من شجب واستنكار ما جرى من استهداف واضح وإساءة صارخة لإحياء الموسم العاشورائي وتضييق للحرية الدينية»، إذ لم يكتف بمكبرات مآتمه ومسيراتها ولا باستنفار مؤسسات الدولة لخدمة شعائره، فهو يريد أكثر من هذا لأنه يرى أن حقوقه وحريته الدينية لا تسعها المسيرات ولا تحملها المآتم، ولا تكفي نقلها المكبرات، ولم يقنعها من الطواقم الطبية 20 طبيباً و10 ممرضين و5 سيارات إسعاف وفرتها الدولة لرعاية مواكبهم. فكل هذه الخدمات والمساندات لا تشفع للدولة من أن يصفها عيسى قاسم بأنه تعسف منها في التعامل في مسألة الحقوق والحرية الدينية، ومن ثم ينادي بسرعة الإصلاح الجدي العاجل، إذ أن ما يعنيه هو تغيير الحكم في البحرين، فماذا ترى الدولة بعد هذا أن تقدم إليهم في الحوار؟
أغلب مرافق الدولة سلمت لهم، ويجري الآن العمل على تسليم ما تبقى منها، وستسلم لهم في الحوار، سيسلم لهم ما يريدون، لأن كل هذا وما لديهم وما يسيطرون عليه من أجهزة ومؤسسات وما يحصلون عليه من منافع غير مقنع بالنسبة لهم، فماذا سيقدم لهم بعد هذا، فلا يوجد شيء لم يقدم.. إلا كرسي الحكم!!