نأمل أن تصدق الوفاق هذه المرة بالانفصال عن جماعة 14 فبراير وفلول حق ووفاء وإخلاص من راديكاليي حزب الدعوة ومن مجموعة الشيرازيين المتشددين ومن فلول حزب الله، انفصالاً تاماً لا تكتيكياً مؤقتاً يتفق مع تعهدها بالوثيقة وتعود لرشدها، لا من أجل شركائها في الوطن فهي لا تراهم، ولا من أجل الوطن ذاته، فهي لا ترى سوى نفسها، إنما على الأقل ليرضى عنها حلفاؤها الذين أحرجوا وكادت الوفاق أن تضيع عليهم تعب تدريب وتأهيل وإعداد (قادة المستقبل)!
فإن ثبت اعتزالها خطاباً وممارسة عن دعم العنف وتوفير غطاء ديني وسياسي له محلياً ودولياً، فحينها ممكن أن نقول إن تغيراً قد حدث.
نستطيع أن نقول إن الوفاق نجحت في الامتحان الأول ونأت بنفسها -حتى كتابة هذا المقال- عن الإعلان أو حتى عن ذكر المسيرة التي جرت أول امس، والتي أراد بها منظموها جر الوفاق تحديداً والعودة بها وبالبحرين للتصدر بالمشهد الإعلامي ليكون الفخ الثاني لإسقاط الوفاق بعد فخ 14 فبراير العام الماضي، وقد استخدم في هذه المسيرة المولوتوف المحضر سلفاً والأسلحة المصنعة محلياً من قاذفات وغيره، وتم إبلاغ كافة وسائل الإعلام مسبقاً، لكن الوفاق صمدت أمام كل الإغراءات ولم تكتب في حسابها الرسمي شيئاً يذكر عن تلك المسيرة، وهذا مؤشر إيجابي يجب أن يبنى عليه.
الابتعاد عن هذه المجموعة يتطلب شجاعة في اتخاذ القرار وجرأة في تنفيذه، ومراجعة رشيدة وتقديراً واقعياً لحجم الخسائر التي منيت بها الوفاق نتيجة انسياقها دون تفكير وراء شخصيات كانت تزدريها هي أكثر من غيرها، والنتيجة أن المجتمع الدولي الذي صدق الوفاق أعاد النظر في موقفه وبدأت الوفاق تفقد مصداقيتها.
أرقام الأضرار البشرية والمادية التي أعلن عنها وزير العدل، والتي بلغت بالآلاف من إصابات رجال الأمن وسقوط وفيات بين رجال أمن ومدنيين، والعدد الضخم الذي تم ضبطه من مواد متفجرة وأسلحة مصنعة محلياً وما لحق بالممتلكات العامة؛ هي أضرار لمجتمع يواجه إرهاباً حقيقياً تسترت عليه الوفاق وقدمت له كل الدعم بالتعتيم عليه ونفيه مكذبة كل تصريح رسمي وكل صورة وكل دليل، بل إنها نفت حتى وجود من استشهد وقتل في المواجهة في تدني غير مسبوق للحس الإنساني، كل ذلك من أجل أن تبقي على الحبل السري بينها وبين تلك المجموعات الإرهابية موصولاً وحتى لا تتهم بأنها (تخاذلت) عن نصرة التيار!
حتى اضطرت البحرين واضطر العديد من المسؤولين إلى زيارة البحرين للاطلاع عن قرب وشاهدوا بأنفسهم كذب الوفاق ومحاولات التعتيم والتضليل.
اليوم جاء وقت استحقاق هذه المواقف غير المدروسة فجاءت النتيجة مخيبة للآمال بالنسبة للمجتمع الدولي الذي وثق بها وصدق أنها (معارضة) سلمية تحمل أجندة إصلاحية حتى رأى بنفسه حجم الأضرار والإرهاب، ورأى انقسام الشارع البحريني بسبب وقوف الوفاق صفاً واحدً مع المجموعة الإرهابية وهي تحمل لواء الطائفة الشيعية وتتحدث باسمهم، فلا تذكر وسيلة إعلامية اليوم الوفاق إلا وذكرت معها (المعارضة الشيعية) لتحمل الطائفة الشيعية وزر مواقفها معها ظلماً وزوراً وبهتاناً!!
اليوم الوفاق بحاجة لبناء وتعزيز مصداقيتها من جديد بالانفصال انفصالاً تاماً عن تلك المجموعة، وذلك بعدم تشجيعها لا بالكتابة عنهم أو بالتدخل في المعالجة الأمنية، ولا بالدفاع عنهم لاحقاً وتقديم الدعم المعنوي أو اللوجستي محلياً ودولياً.
ومثلما يراقب المجتمع الدولي مصداقية «وثيقة اللاعنف» كذلك يتابعها الشعب البحريني الذي قطعت الوفاق أواصر وروابط العيش المشترك معه، فالكل بحاجة لمراقبة مثبت يثبت الخط الفاصل بين الوفاق وبين تلك المجموعات الإرهابية على الساحة (ميدانياً وكذلك حراكاً دبلوماسياً) «فوثيقة اللاعنف» لا تعني شيئاً إن كانت الوفاق ستظل الراعي الرسمي لتلك المجموعات وتتحمل بدلاً منهم عبأ المواجهة.
الوفاق بحاجة لإعادة بناء مصداقيتها من جديد والهدوء الذي عم البحرين خلال أيام عاشوراء كان الامتحان الأول ثم جاء الامتحان الثاني باعتزال منظمي المسيرة أول أمس، والآن جاء استحقاق القياس والامتحان الأكبر وهو صمود هذا الوضع والبقاء عليه، ومقاومة كل الأفخاخ التي سيزرعها الإرهابيون لجرها من جديد.. فهل تستطيع؟!