في محاولة لضرب سياسة الرئيس الأمريكي المعاد انتخابه باراك أوباما، عادت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية السابقة في عهد جورج بوش الابن لتدلي بدلوها بشأن الوضع في الشرق الأوسط عبر مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست”.المثير في مقال رايس أنها تحدثت عن الأمور المعنية بالشرق الأوسط بشكل مباشر وواضح جداً.قارئ المقال لابد وأنه سيستذكر مواقف رايس من منطقة الشرق الأوسط، وكيف كانت المنطقة بالنسبة لها ولإدارة بوش بمثابة “حقل تجارب” و«منطقة عمليات” هدفها الأول والأخير تعزيز الوجود الأمريكي وتقويته وضمان استمراره لأطول فترة ممكنة، والهدف الأخير كان السبب وراء تبني إدارة بوش فكرة “الشرق الأوسط الجديد”.رايس تحدثت بكل وضوح عن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، كاشفة بجلاء أن ما يحصل لا يهم على الإطلاق بالنسبة لشعوب هذه المنطقة أو أنظمتها، سواء سقط نظام هنا أو بقي نظام آخر هناك، إذ المهم هو ما قالته بالنص حينما ركزت على الشأن السوري: “النزاع في سوريا ينذر بانهيار منظومة الشرق الأوسط المتعارف عليها، وقدوم قوى لا تخدم مصالح الولايات المتحدة إلى سدة الحكم في تلك المنطقة الهامة من العالم”.تتحدث “عرابة” مشروع “الشرق الأوسط الجديد” عن هذه “المنطقة الهامة” من العالم، وكلنا يعرف سبب الأهمية (النفط والغاز)، وتختصر الاهتمام الأمريكي بالرغبة في ضمان مصالح البيت الأبيض “فقط”، ونكرر للمرة المليون “مصالحهم فقط”.تقول رايس في مقالها إن وضع سوريا ينذر بانفلات في قدرة الولايات المتحدة بالحفاظ على وحدة المنطقة، و«إعادة بنائها”، وركزوا على هذا الوصف “إعادة بناء المنطقة”، خاصة حينما مضت رايس لتلقي باللوم بشأن التشكيل الحالي لكيانات المنطقة الشرق أوسطية على البريطانيين والفرنسيين، باعتبار أنهم من رسموا حدود المنطقة ووزعوها بشكل لا يراعي الاختلافات العرقية والطائفية، مبررة بأن الصراعات الحاصلة اليوم هي نتيجة لذلك، وهي نتيجة لعدم تمكن الولايات المتحدة من احتواء الوضع في الشرق الأوسط، بالعربي الفصيح يمكن ترجمة قولها بالتالي: كل ما يحصل هو نتيجة فشل الولايات المتحدة في تطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد بشكله الكامل وبناء على الأساس المستوحى منه المشروع وهو مخطط برنارد لويس. رايس في مقالها تدعو الرئيس الأمريكي الحالي -بصورة غير مباشرة- إلى إعادة استخدام أسلوب جورج بوش في غزو العالم واقتحام الدول وإعادة فرض السيطرة على المناطق الحيوية، إذ هي تعتبر أن ما حصل في العراق بعد إزاحة صدام -والفضل لبوش الابن طبعاً- كان يمضي في طريق صحيح إلى أن طرأت أمور أثرت على ذلك (طبعاً لا تقصد مجيء أوباما طبعاً) على رأسها انسحاب القوات الأمريكية من العراق، ما جعل الأخيرة ترتمي في أحضان إيران.مقال رايس يمثل “شرارة” تدعو لإذكاء حرب في المنطقة تنتهي -وفق حساباتها- لمد نفوذ الولايات المتحدة على المنطقة وإعادة بنائها، خاصة حينما تصور إيران بأنها “كارل ماركس” الساعي لتوحيد الشيعة تحت لوائها في كل الدول واستخدام “حزب الله” والمليشيات الشيعية المسلحة في مناطق العمليات والتوترات، وأن سلاح طهران النووي لن يمثل خطراً على إسرائيل فقط بل على المنطقة عموماً. الفكرة هنا تحميل واشنطن المسؤولية، وأنها إن لم تتدخل الآن في المنطقة فلا مكان لها مستقبلاً، مستنكرة “توسل” واشنطن لكل من روسيا والصين طوال شهور لأجل إصدار قرار أممي بشأن سوريا، رغم معرفة الجميع أن موقف روسيا والصين لا يعني اكتراثهما بما يحصل في سوريا بقدر ما هو معني بلعب دور الند ضد واشنطن. المعسكر “الشيوعي” يتحد مجدداً ضد من تسبب بانهيار أسطورة الاتحاد السوفيتي.رايس أكدت بأن نفوذ أمريكا ووزنها ضروريان، وإلا فإن المخاوف تتركز بترك الأمر لقوى إقليمية لا تنسجم مصالحها مع مصالح واشنطن، محذرة من أن إيران ستكون هي الرابحة وحلفاء واشنطن هم الخاسرون.ما يفهم من مقال رايس أنها تقول بأن الولايات المتحدة فشلت في تفتيت الشرق الأوسط مثلما تريد، وبالتالي لم تنجح في إعادة بنائه كما تريد.الآن، هل ما كتبته كوندوليزا رايس في “الواشنطن بوست” يعتبر تحليلاً للموقف الحالي، أم نقداً لاذعاً لسياسة باراك أوباما، أم محاولة لتنبيه الإدارة الأمريكية بألا تخسر المزيد من المكاسب التي حققتها “الحرب على الإرهاب” في المنطقة؟!كل هذه الاحتمالات واردة، لكنني أرى بأنها قد تكون كتبت ما كتبت بسبب “حرقة” في قلبها لرؤية المشروع التقسيمي للشرق الأوسط الجديد الذي استماتت هي والإدارة الأمريكية السابقة لتحويله إلى واقع وهو يفشل ويتهاوى بهذا الشكل. وعليه يبدو واضحاً بأنها مستعدة لتقديم محاضرة ودرس خصوصي عاجل لأوباما نفسه تشرح له فيهما كيف يطبق مشروع تقسيم الشرق الأوسط، وكيف يحافظ على مصالح الولايات المتحدة بغض النظر عن جميع التبعات.والله لم يبهدل المنطقة إلا أفكارك يا “مودموزيل” رايس!
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90