قبل سنوات قليلة نشرت مؤسسة الفنون والآداب الوطنية الأمريكية مجموعة قصائد وأغان كتبها جنود أمريكان يحاربون في أفغانستان أو حاربوا في العراق، حيث تبنى البنتاغون هذا المشروع الأدبي، حيث أرسل إلى أرض المعركة شعراء وأدباء وأساتذة في الأدب إلى القواعد الأمريكية في الخارج لتعليم الجنود كيف يكتبون قصائدهم في أرض المعركة. وقد نشر عدد من هؤلاء الجنود دواوين وقصائد مليئة بالغنائية والتأمل، وأوجاع الحرب، ومن أشهر هذه القصائد التي تم نشرها، قصيدة الجندي الأمريكي” برنار تيريز” التي أصدرها مع مطلع العام 2006 بعنوان “إنني هنا أيتها الرصاصة”.
وقد نجحت الكاتبة والمترجمة العراقية بثينة الناصري في جمع بعض يوميات هؤلاء الجنود الأمريكان في بلاد الرافدين في كتاب عن مركز الحضارة العربية في القاهرة، بذلت جهداً كبيراً في البحث في مدونات الجنود والصحافيين الغربيين العاملين في العراق، حيث كتب هؤلاء الجنود أو أغلبهم ما كتبوا بأسماء مستعارة، لأن كتابتهم تخالف التعليمات العسكرية، وفي هذه المدونات يتردد الحديث عن درجة الحرارة التي لا تحتمل، والتي يقدرها بعض الجنود بحوالي 60 درجة مئوية في الشمس. وعند تصفح ترجمة هذا الكتاب وما تضمنه من قساوة مجردة من الإنسانية تصاب بالغثيان وتقول لنفسك: قد يكون الجهل أحياناً نعمة، فمن يحتاج إلى ألم مضاف عليه أن يقرأ عدداً من صفحات هذا الكتاب، من يقرأه كله فسيجد العالم من حوله مظلماً وضيقاً ووحشياً والحياة كذبة لا تستحق أن نثق بها، ضمن ما اكتشفه هؤلاء الجنود المدفوعون دفعاً إلى القتل والحرب خارج فضائهم الوطني، لصالح المركب العسكري الصناعي الرأسمالي المتوحش، من حقيقة ذلك القتل وتفحص وقائعه عن قرب لتكون الحقيقة أشد قسوة وإيلاماً لإنسانية الإنسان من الموت نفسه، حتى ليود المرء لو تفقأ عيناه، لو تصم أذناه، لو توقف قلبه عن النبض قبل أن يرى ويسمع ويشعر بما جرى هناك. هذا ما يقوله هذا الكتاب في كل قصيدة ويومية وجملة وفقرة، فما حدث في العراق شيء مروع هو أشبه بالمحو لتاريخ عظيم، أشبه بتزوير لحضارة كاملة ومحو للذاكرة الجماعية وإعادة الإنسان إلى ما قبل التاريخ. لذلك لابد أن نقول إن “يوميات الجنود الأمريكان في بلاد الرافدين” هو كتاب سيئ بسبب سوء أخلاق أبطاله ووحشية القيم التي يؤمنون بها. فهل يمكن أن تكون قراءة كتاب عن جريمة قتل مسلية لا تستثني أحداً من شعب كامل فيما القتلة طلقاء؟ وإذا ما عرف القارئ أن القتلى هم أهلنا في العراق العظيم فإن معرفة كل سطر في هذا الكتاب يجعلنا نشعر بالتقزز والألم والغضب لأن ما جرى في العراق كان مؤامرة أمريكية - إيرانية مبيتة ومتوحشة وشريرة ومجردة من الإنسانية لإهانة شعب عظيم صاحب حضارة عظيمة، وبذلك إهانة الإنسان مطلقاً، واحتقار القيم التي نادت بها الشرائع السماوية واحتضنتها الثورات البشرية في كل مكان وفي كل مرحلة من مر ما يكتبه الجنود الغزاة يجعلنا نشعر أن البشرية لم تتعلم شيئاً من التاريخ، وأن الساسة الأمريكان هم آخر من يعلمنا الديمقراطية والحرية والإنسانية.
^ درجة فوق الهمس..
كتب أحد الجنود الأمريكان في يومياته: “لقد قتلنا الجميع، قلت لقائدي: إنه يوم سيئ، فرد قائلاً: لا إنه يوم جيد أن العراقيين رأونا ونحن نهين أمواتهم طوال الوقت، كنا نتحلق حول جثثهم المتفحمة نمثّل بهم، نركلهم خارج السيارات، نبول على جثثهم، ونضع سجائر في أفواههم. كما رأيت مركبات تدوسهم.”!! هذا أنموذج واحد من الفقرات والمدونات واليوميات والجمل القاسية المجردة من الإنسانية، جملة تدفع بنا إلى أعماق الجحيم. لقد جاءوا من أجل القتل. ما الذي يمكن أن ننتظره من (إنسان) قرر أن تكون مهنته القتل؟ لم يزيف القتلة أفعالهم. لم يتكلم أحد منهم عن الحرية ولم يذكروا العراقيين إلا بصفتهم أعداء. يكتب آخر: (وبدأت أطلق النار على المباني كلما رأيت أحداً يتحرك في تلك اللحظة كان الجميع أعدائي، ما عدا أبناء بلدي). إنها وحشية دموية يثيرها مشهد الدم والجثث والأعضاء البشرية المتفحمة والمقطوعة والأشلاء المتناثرة.
وقد نجحت الكاتبة والمترجمة العراقية بثينة الناصري في جمع بعض يوميات هؤلاء الجنود الأمريكان في بلاد الرافدين في كتاب عن مركز الحضارة العربية في القاهرة، بذلت جهداً كبيراً في البحث في مدونات الجنود والصحافيين الغربيين العاملين في العراق، حيث كتب هؤلاء الجنود أو أغلبهم ما كتبوا بأسماء مستعارة، لأن كتابتهم تخالف التعليمات العسكرية، وفي هذه المدونات يتردد الحديث عن درجة الحرارة التي لا تحتمل، والتي يقدرها بعض الجنود بحوالي 60 درجة مئوية في الشمس. وعند تصفح ترجمة هذا الكتاب وما تضمنه من قساوة مجردة من الإنسانية تصاب بالغثيان وتقول لنفسك: قد يكون الجهل أحياناً نعمة، فمن يحتاج إلى ألم مضاف عليه أن يقرأ عدداً من صفحات هذا الكتاب، من يقرأه كله فسيجد العالم من حوله مظلماً وضيقاً ووحشياً والحياة كذبة لا تستحق أن نثق بها، ضمن ما اكتشفه هؤلاء الجنود المدفوعون دفعاً إلى القتل والحرب خارج فضائهم الوطني، لصالح المركب العسكري الصناعي الرأسمالي المتوحش، من حقيقة ذلك القتل وتفحص وقائعه عن قرب لتكون الحقيقة أشد قسوة وإيلاماً لإنسانية الإنسان من الموت نفسه، حتى ليود المرء لو تفقأ عيناه، لو تصم أذناه، لو توقف قلبه عن النبض قبل أن يرى ويسمع ويشعر بما جرى هناك. هذا ما يقوله هذا الكتاب في كل قصيدة ويومية وجملة وفقرة، فما حدث في العراق شيء مروع هو أشبه بالمحو لتاريخ عظيم، أشبه بتزوير لحضارة كاملة ومحو للذاكرة الجماعية وإعادة الإنسان إلى ما قبل التاريخ. لذلك لابد أن نقول إن “يوميات الجنود الأمريكان في بلاد الرافدين” هو كتاب سيئ بسبب سوء أخلاق أبطاله ووحشية القيم التي يؤمنون بها. فهل يمكن أن تكون قراءة كتاب عن جريمة قتل مسلية لا تستثني أحداً من شعب كامل فيما القتلة طلقاء؟ وإذا ما عرف القارئ أن القتلى هم أهلنا في العراق العظيم فإن معرفة كل سطر في هذا الكتاب يجعلنا نشعر بالتقزز والألم والغضب لأن ما جرى في العراق كان مؤامرة أمريكية - إيرانية مبيتة ومتوحشة وشريرة ومجردة من الإنسانية لإهانة شعب عظيم صاحب حضارة عظيمة، وبذلك إهانة الإنسان مطلقاً، واحتقار القيم التي نادت بها الشرائع السماوية واحتضنتها الثورات البشرية في كل مكان وفي كل مرحلة من مر ما يكتبه الجنود الغزاة يجعلنا نشعر أن البشرية لم تتعلم شيئاً من التاريخ، وأن الساسة الأمريكان هم آخر من يعلمنا الديمقراطية والحرية والإنسانية.
^ درجة فوق الهمس..
كتب أحد الجنود الأمريكان في يومياته: “لقد قتلنا الجميع، قلت لقائدي: إنه يوم سيئ، فرد قائلاً: لا إنه يوم جيد أن العراقيين رأونا ونحن نهين أمواتهم طوال الوقت، كنا نتحلق حول جثثهم المتفحمة نمثّل بهم، نركلهم خارج السيارات، نبول على جثثهم، ونضع سجائر في أفواههم. كما رأيت مركبات تدوسهم.”!! هذا أنموذج واحد من الفقرات والمدونات واليوميات والجمل القاسية المجردة من الإنسانية، جملة تدفع بنا إلى أعماق الجحيم. لقد جاءوا من أجل القتل. ما الذي يمكن أن ننتظره من (إنسان) قرر أن تكون مهنته القتل؟ لم يزيف القتلة أفعالهم. لم يتكلم أحد منهم عن الحرية ولم يذكروا العراقيين إلا بصفتهم أعداء. يكتب آخر: (وبدأت أطلق النار على المباني كلما رأيت أحداً يتحرك في تلك اللحظة كان الجميع أعدائي، ما عدا أبناء بلدي). إنها وحشية دموية يثيرها مشهد الدم والجثث والأعضاء البشرية المتفحمة والمقطوعة والأشلاء المتناثرة.