قال: زمن المعجزات يتدحرج، وفي الساحات يتوهَّج الكسيح، وأنت تدعي أنك تسكن الثقافة أو الثقافة تسكنك، في حين كلماتك تفضحك، تنحاز لشعوبية ما، تنحاز للحظة الماضية بدلاً من المستقبل الواعد؟
قلت: أن تكون مثقفاً ومحبّاً للحياة في الوقت عينه، أن تكون كاتباً جوالاً وقارئاً في المقاهي وعلى الأرصفة، أن تكون عربياً، أن لا تعتبر المثقف مثقفاً إن لم يكن مطلعاً على الأصيل والحديث، أن تكون منفتحاً على الكتّاب الغربيين بقدر عشقك للجاحظ والتوحيدي وابن الفارض والمتنبي والكندي وابن المقفع، أن تربط بين المغرب والمشرق، الغرب والشرق، وأن تكون عربياً في جميع الأحوال والفضاءات ومهما تغيرت الجغرافيا هي أن أكون أنا نفسي دون ماكياج أو تزييف.
قال: لماذا اللف والدوران ألست الضائع في زحمة الجغرافيا والألوان واللغات بين وجود وعدم؟
قلت: عندما أسير في الشوارع هنا وأرى كل تلك الوجوه العدنانية والهجرية والتميمية، والكنعانية، وأولئك الفينيقيون والبربر والترك، والكرد والزنج والعجم فلا أرى إلا الإنسان يلفه المكان والنور والظلام والنسيان في رحلة الهواء والهراء الطائفي، فهذه الطوائف لم تستقل بثقافاتها سوى لإيقاظ الحروب. لم تستثمر بعد لبناء ثقافة متعددة قد يحسدنا عليها العالم لم يحدث تقدُّم كبير، فيما أرى، وإنْ كان من المفاجئ أن نرى كم هو بطيء هذا “السريع”!
قال: ألا تخاف من التجديف ضدَّ تيار المجتمع، في مواجهة الأفكار الراسخة واسعة الانتشار؟
قلت: الصدق فيما نكتب وفيما نقول لا يعني الوقاحة، النزاهة في ما نكتب تعني فيما تعنيه كسر قشرة اللياقة المزيفة، ولكن إذا ما توكَّلنا على سلطة الحسِّ العام يمكن لنا اتخاذ موقف مُعارِض للرأي العام نفسه دون خدشه، أي أنك تنقده من داخل المنظومة وليس من خارجها، لأننا شركاء في القيم المشتركة. هذه هي الرسالة التي أحاول أن أمرِّرها في ما أكتب، رسالة العيش بسلطة الحسِّ العام وهذا يشبه إلى حد بعيد روح الطفولة التي توحِّد العالم. إن تحرير روح الطفولة فينا مهمةٌ أساسية في أي عمل كتابي أصيل، بل إن مدار بقائنا يتوقف على قدرتنا على تحرير الطفل الداخلي فينا؛ وهذا قطعًا واحد من الأسئلة الاجتماعية الأهم في عصرنا.
قال: لماذا تهرب من الإبداعي وتتجه إلى السياسي فيما تكتب؟
قلت: لم أعد أؤمن بأدب القضايا، لستُ كاتباً في منظمة العفو الدولية ولا في المنظمة العربية لحقوق الإنسان! لا أحب الشعر المناضل. ولا الرواية المناضلة، لأنها تشبه “المارشات” العسكرية، اعتبر الإبداع مثل الحياة، حراً متجدداً بلا قيود، وبلا التزامات، لا شيء محدداً فيه، وأصول الكتابة تكمن في الحرية الداخلية.
قال: لماذا تعود دائماً إلى الكتابة عن الحب والموت باستمرار وكأنهما هما وجهان لعملة واحدة عندك؟
قلت: الحب هو أكثر تجارب الحياة مساساً بإنسانية الإنسان تماماً مثل الوجود والعدم، فما الحب إلا انتصاراً على النوع والجنس اللذين يخلوان من التفرد والفردية. وعندما يكون الحب قويًا فإنه يتصف بعمق يمكن أن يصِل إلى اللانهائية. أما الموت، فقد يكون انتصارًا للحب والتضحية بالذات، والإنسان يشقُّ عليه أن يواجِهَ سرَّ الموت، ولكنه يدرِك في نهاية الأمر أن الموت ينطوي على سر فريد هو الحب النابِع في الحياة الأبدية. ولابد من أن نفقد الحياة لكي نظفر بها ظَفَرًا كامِلاً، ولذلك فالحب والموت لا ينفصِلان، غير أن الحب أقوى من الموت ولهذا يستمر في الموت الاتصال الروحي بهؤلاء الذين نحبهم بل إنه يزداد توثقًا، وذلك لأنه اجتاز تضحية الحب العظمى التي هي الموت.
قال: إنك تتحدث عن الموت كمرادف للجمال والبهجة ألا ترى في ذلك مفارقة؟
قلت: ألا تحمل الوجوه الميتة لمحة من جمال غريب؟ أعتقد أن الأمر كذلك لأن الموت هو لحظة التنوير العظمى، ولأن الإنسان يتحرر في الموت من ملامحِه الفظَّة القبيحَة، ولأن الموت إيذانٌ بالتحول السامي. لكن لا شيء يمكن أن ينقذ العالَم من حالَة الغربة في نهاية الأمر غير الله.
قلت: أن تكون مثقفاً ومحبّاً للحياة في الوقت عينه، أن تكون كاتباً جوالاً وقارئاً في المقاهي وعلى الأرصفة، أن تكون عربياً، أن لا تعتبر المثقف مثقفاً إن لم يكن مطلعاً على الأصيل والحديث، أن تكون منفتحاً على الكتّاب الغربيين بقدر عشقك للجاحظ والتوحيدي وابن الفارض والمتنبي والكندي وابن المقفع، أن تربط بين المغرب والمشرق، الغرب والشرق، وأن تكون عربياً في جميع الأحوال والفضاءات ومهما تغيرت الجغرافيا هي أن أكون أنا نفسي دون ماكياج أو تزييف.
قال: لماذا اللف والدوران ألست الضائع في زحمة الجغرافيا والألوان واللغات بين وجود وعدم؟
قلت: عندما أسير في الشوارع هنا وأرى كل تلك الوجوه العدنانية والهجرية والتميمية، والكنعانية، وأولئك الفينيقيون والبربر والترك، والكرد والزنج والعجم فلا أرى إلا الإنسان يلفه المكان والنور والظلام والنسيان في رحلة الهواء والهراء الطائفي، فهذه الطوائف لم تستقل بثقافاتها سوى لإيقاظ الحروب. لم تستثمر بعد لبناء ثقافة متعددة قد يحسدنا عليها العالم لم يحدث تقدُّم كبير، فيما أرى، وإنْ كان من المفاجئ أن نرى كم هو بطيء هذا “السريع”!
قال: ألا تخاف من التجديف ضدَّ تيار المجتمع، في مواجهة الأفكار الراسخة واسعة الانتشار؟
قلت: الصدق فيما نكتب وفيما نقول لا يعني الوقاحة، النزاهة في ما نكتب تعني فيما تعنيه كسر قشرة اللياقة المزيفة، ولكن إذا ما توكَّلنا على سلطة الحسِّ العام يمكن لنا اتخاذ موقف مُعارِض للرأي العام نفسه دون خدشه، أي أنك تنقده من داخل المنظومة وليس من خارجها، لأننا شركاء في القيم المشتركة. هذه هي الرسالة التي أحاول أن أمرِّرها في ما أكتب، رسالة العيش بسلطة الحسِّ العام وهذا يشبه إلى حد بعيد روح الطفولة التي توحِّد العالم. إن تحرير روح الطفولة فينا مهمةٌ أساسية في أي عمل كتابي أصيل، بل إن مدار بقائنا يتوقف على قدرتنا على تحرير الطفل الداخلي فينا؛ وهذا قطعًا واحد من الأسئلة الاجتماعية الأهم في عصرنا.
قال: لماذا تهرب من الإبداعي وتتجه إلى السياسي فيما تكتب؟
قلت: لم أعد أؤمن بأدب القضايا، لستُ كاتباً في منظمة العفو الدولية ولا في المنظمة العربية لحقوق الإنسان! لا أحب الشعر المناضل. ولا الرواية المناضلة، لأنها تشبه “المارشات” العسكرية، اعتبر الإبداع مثل الحياة، حراً متجدداً بلا قيود، وبلا التزامات، لا شيء محدداً فيه، وأصول الكتابة تكمن في الحرية الداخلية.
قال: لماذا تعود دائماً إلى الكتابة عن الحب والموت باستمرار وكأنهما هما وجهان لعملة واحدة عندك؟
قلت: الحب هو أكثر تجارب الحياة مساساً بإنسانية الإنسان تماماً مثل الوجود والعدم، فما الحب إلا انتصاراً على النوع والجنس اللذين يخلوان من التفرد والفردية. وعندما يكون الحب قويًا فإنه يتصف بعمق يمكن أن يصِل إلى اللانهائية. أما الموت، فقد يكون انتصارًا للحب والتضحية بالذات، والإنسان يشقُّ عليه أن يواجِهَ سرَّ الموت، ولكنه يدرِك في نهاية الأمر أن الموت ينطوي على سر فريد هو الحب النابِع في الحياة الأبدية. ولابد من أن نفقد الحياة لكي نظفر بها ظَفَرًا كامِلاً، ولذلك فالحب والموت لا ينفصِلان، غير أن الحب أقوى من الموت ولهذا يستمر في الموت الاتصال الروحي بهؤلاء الذين نحبهم بل إنه يزداد توثقًا، وذلك لأنه اجتاز تضحية الحب العظمى التي هي الموت.
قال: إنك تتحدث عن الموت كمرادف للجمال والبهجة ألا ترى في ذلك مفارقة؟
قلت: ألا تحمل الوجوه الميتة لمحة من جمال غريب؟ أعتقد أن الأمر كذلك لأن الموت هو لحظة التنوير العظمى، ولأن الإنسان يتحرر في الموت من ملامحِه الفظَّة القبيحَة، ولأن الموت إيذانٌ بالتحول السامي. لكن لا شيء يمكن أن ينقذ العالَم من حالَة الغربة في نهاية الأمر غير الله.