بقدر ما تمثل مواقع التواصل الاجتماعي رافداً قوياً لكل إنسان يريد أن يصدح بصوته دون مقص الرقيب وبوابة للأصوات المطلقة والمنطلقة دون قيود؛ إلا أنها من جهة أخرى تمثل تهديداً حقيقياً للسلم الأهلي والسلام المجتمعي والأممي في شكلها الحاضر، فكثير من السطور التي يسطرها بعض من يقوم بكتابة ما يحلو له عبر تلك المواقع الإلكترونية، تعتبر قنابل موقوتة في طريق المجتمعات البشرية، خصوصاً حين تنطلق الكلمات من موقع اللامسؤولية، وبأسماء وهمية من خلال عالم افتراضي مريب.
اليوم وعبر متابعتنا لبعضٍ من مواقع التواصل الاجتماعي، وجدنا أن هنالك انفلاتاً مخيفاً عبر هذا العالم الافتراضي، ذلك العالم الهلامي الذي لا يمكن لأحد أن يحدد شكله وناسه ومنطلقاته وثوابته، إن كانت له ثوابت أصلاً. وعليه فالكائنات المنتشرة من خلاله طولاً وعرضاً وعلى مدار الساعة تستطيع أن تخلق عالماً موازياً للعالم الحقيقي، فيه الزيف الحقيقي والكذب الصادق والجريمة الفاضلة والرذيلة العفيفة، وبهذا تكون القيم والمبادئ الأخلاقية في مهب الريح، وربما في كثير من الأحيان يصيب كثير من مرتادي تلكم المواقع عشىً ليليَّاً ضد كل من يكتب باسمه الحقيقي حتى لو أثبت للعالم أنه هو لا غيره، بدمه ولحمه، لأن المناط في طمأنينة المجتمعات البشرية ستكون للأسماء الافتراضية، وبهذا يُستحال الوصول إلى ربع الحقيقة من خلال مواقع هي في الأساس غير حقيقية.
هذا الخطر في تراتيبية المنظومات القيمية للمجتمعات البشرية، يكمن في ضربها تحت الحزام عبر مواقع افتراضية يرتادها مئات الملايين من المخلوقات المستعارة، خصوصاً للمجتمعات التي لم تلجأ بعد لهيبة القانون الأخلاقي ورهبة النظام البشري، فتكون عرضة للتفكك والانهيار.
ربما يستأنس بعضهم بتلك المواقع الاجتماعية من حيث المبدأ، لكن لو فتشنا قليلاً فيما يحدث تحتها من حِراك ثقافي هلامي، فإننا سنعادل تلك المكونات اللفظية والمفردات المستعملة في إبقاء سلطة أو إسقاطها، ما يعادل حرباً كونية باردة.
إن أكثر الناس معاناة في ذلك العالم الافتراضي الشرس هم الأشخاص الحقيقيون، كذلك الأفكار والقيم النبيلة والمبادئ السامية كلها عرضة للتشويه والمصادرة في ظل الهجمة الفتَّاكة التي تتعرض لها تلك الحقيقة.
أما حين نتحدث عن وطن صغير كالبحرين؛ فإن ما يقلقنا هو تأجيج أوار الفتنة والدعوة للتشرذم والفرقة والتناحر، والأمر الآخر هو في طمس الحقائق رغبة في تثبيت الأفكار والمعتقدات الشخصية السياسية الضيقة، حتى لو كان يحصل كل ذلك بأسماء خفية ليست كالأسماء.
هذا الأمر لا يحدث في البحرين فقط؛ لكن للبحرين خصوصية في موقعها وفي أزمتها وفي مرحلتها وفي إنسانها ومجتمعها، لهذا كان لزاماً أخلاقياً علينا جميعاً مراعاة هذه الخصوصية للذاكرة الجمعية تجنباً للطعنات التي تأتينا من كل جهة، في الوقت الذي لا تستحق فيه البحرين كل الذي يحصل لها من خلال تلكم المواقع.
تويتر تحديداً؛ بدأ يرسم ملامح الحرب بين الطوائف والعوائل والأفراد والجماعات في البحرين، كل ذلك يحدث على أيد عبثية تدعي الحرية والإنسانية والوطنية والديمقراطية، وهي ربما لو ظهرت بأسمائها الحقيقية لن تجدهم سوى نكرات تتبع نكرات، وهنا تكمن المصيبة.