هل يمكن أن تكون الديمقراطية طائفية؟ أو أن تكون الطائفية ديمقراطية؟جواب بكل بساطة، لا يمكن أن تكون الطائفية ديمقراطية؛ لأن الديمقراطية تكريس للمواطنة الحرة وأن الوطن هو نقيض الطائفية بطبيعته الاجتماعية والسياسية والتنظيمية، فعندما يسود النظام الطائفي يغيب الوطن، وعندما يفرض هذا الوطن نفسه على الجميع تتوارى الطائفية وتذبل، وبهذا المعنى فإن في الطائفية ضياعاً للوطن والمواطن، كما إنه عندما تحل الطائفة محل الوطن فإنها تضفي عليه صفاتها فيتآكل ويموت في الذاكرة والعقول والسلوك قبل موته المادي ونفيه إلى العدم من خلال الحروب التدميرية العقيمة وإعادة إنتاج لحروب أخرى من ذات الطبيعة وهي الحروب التي تتغذى عليها الطائفية ولا تقوى على العيش بدونها.صحيح أنه بالإمكان إنشاء الطائفية المحاصصية، لكن لن يكون ذلك إلا باتفاق الطوائف على إلغاء الوطن والمواطن وتقاسم المغانم على أسس طائفية، وإذا كان البعض يعتقدون أن هذا النوع من المحاصصة (كتلك الموجودة في لبنان وتشق الحياة العامة والإدارة وجميع مؤسسات الدولة) فإنه من الأفضل لهم أن يتحدثوا عن أي شيء، إلا عن الديمقراطية والوطنية.لا مجال، والحالة هذه، لأية حلول تلفيقية تخترع توازنات وهمية وبدائل ذات مسميات محايدة شكلاً تلفلف بها جوهرها الأيديولوجي الرجعي، كأن يسمي الطائفيُّ نفسه إيمانياً ديمقراطياً توافقياً، أو أن يدعو تنويري يساري تقدمي إلى سيادة (العدالة والحق) وإلى إزالة التمييز الطائفي ولكنه يرفض، في ذات الوقت، البديل الديمقراطي العلماني مجاملة أو مسايرة أو خوفاً من حلفائه الطائفيين إلى النخاع.إن الجدل العقيم حول ما سمي بالديمقراطية التوافقية بين الطوائف قد أفضى إلى خلطة عجيبة من المتضادات، هي أقرب إلى «الشكشوكة» المصلحية، لا تستقيم على أي وجه قلبتها، فعندما تلجأ بعض القيادات السياسية، بعد أن استتب لهم أمر الهيمنة الطائفية على الطائفة واحكموا السيطرة على مداخلها ومخارجها، إلى الترويج لتقسيم الوطن ليتحول إلى وطنين أو كانتونين، فإنهم (من حيث قصدوا أو لم يقصدوا) قد نجحوا فعلياً في بناء جدار للفصل (الطائفي) بين المواطنين من خلال تصنيفاتهم التمييزية المدمرة.إن مثل هذه الدعوة -رغم مما تتستر به من شعارات «ضد طائفية»- تكرس واقع الطائفية، لأنها تريد في الحقيقة استبدال هيمنة طائفة بهيمنة طائفة أخرى بداية، ولكن عندما تبين استحالة ذلك عملياً وسياسياً وواقعاً، وعند أوصلهم تفكيرهم السطحي إلى «انتهاء المعركة الطائفية بما يشبه التعادل في مباراة الصراع المفتعل المصطنع؛ فضلوا اللجوء إلى التقسيم الطائفي لإدارة الدولة من خلال ما يشبه مجلس الطوائف لاقتسام السلطة (وليس مجلس الطوائف الديمقراطي مثلاً) مادامت القصة كلها مجرد لعبة لغوية لا أكثر ولا أقل، وهكذا يستمر تاريخ الوطن في الدوران في حلقة مكررة من الخراب والدمار والغبن الشامل، نتيجة الاستماتة في الوصول إلى السلطة بأي ثمن وآخر (تقسيمها)!. إذا كان بعض الطائفيين مايزالون إلى اليوم يعتبرون الديمقراطية بدعة لا تجدر الثقة بها أو اللجوء إليها إلا للظفر بالسلطة (التي تتحول إلى غنيمة)، فإن التيارات الجديدة التي أحست أن لها بعض التأثير العددي ارتأت في الديمقراطية وسيلة نافعة للوصول إلى هذا الهدف كمطية للوصول إلى السلطة والسيطرة على المجتمع وإدارته، ولا يتم استخدام الديمقراطية إلا كآليات شكلية للسيطرة على المجتمع والتحول تدريجياً إلى ديكتاتورية دينية، أما ما بقي من الديمقراطية فهو مجرد هيكل عظمي دون حياة يمنع أي حراك ديمقراطي مستقل عن سلطة أو أي شكل من أشكال الاحتجاج عليها، وتكريس هيمنة الفقهاء على الحياة العامة والخاصة للمواطنين، ويتم تكفير وتخوين أي حركة خارج هذا الضبط والربط الصارمين، وفي ظل هكذا «ديمقراطية» يتم إعدام المعارضين واعتبارهم جواسيس وعملاء للغرب، ومنع التظاهر الحر وحتى الأنشطة الثقافية والفنية والسينمائية وغيرها.إذا كنا نتفق على ضرورة جعل الديمقراطية في المجتمعات الإسلامية محصنة بسياج من القيم الدينية التي تشكل هوية المجتمع، فإنه لا يمكن القول بأننا ديمقراطيون ونتكئ في ذات الوقت إلى سلطة المقدس الذي لا رد لقوله في الشأن السياسي أو الاجتماعي (حيث لا معارضة) بما يعني في النهاية انتفاء الديمقراطية في أهم تجلياتها العملية... وللحديث صلة
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90