في 2005م تجاسر الممثل جورج كلوني على انتقاد الخليجيين في فيلمه سيريانا (Syriana)، ويبدو أن فوزه فيه بجائزة أوسكار أغراه ليصبح ناطقاً رسمياً لبلد عربي آخر هو السودان. خلال العدوان الصهيوني 24 أكتوبر 2012 استغل «كلوني»الفرصة، وقامت مجموعة ساتلايت سنتينيل بروجيكت (Satellite Sentinel Project) التي أسسها عام 2010 بالتصريح أن صوراً التقطتها أقمارها أظهرت 6 حفر كبيرة يبلغ عرض كل واحدة منها 16 متراً في موقع مصنع اليرموك العسكري، وكانت منظمته قد سجلت قبل أسبوعين وجود 40 حاوية قرب المبنى، مما يعني وجود شحنة قابلة للانفجار. كما أرجعت منظمته سبب الضربة كعملية جراحية لتدمير تلك الحاويات ومخزن للسلاح على عمق 120 متراً. وقد دمرت الانفجارات مبنيين وخلفت أضراراً في 21 مبنىً آخر في محيط 700 متر. وتكمن قيمة شهادة كلوني ومنظمته غير الحكومية بتوثيقها لما حدث كدليل كافٍ لإدانة إسرائيل.
ظهور كلوني جاء نتيجة صمت عربي مشين في نهج لا نفسرة إلا بالهوان أو بالترويض الفكري للمواطن العربي لتقبل غارات إسرائيل وكأنها ضد كمبوديا وليس ضد بلد عربي شقيق، كما جاء ظهور كلوني نتيجة قلة حصافة الخطاب السوداني بعد الغارة، فمندوبهم بالأمم المتحدة يقول وهو يلعق جراحة مستجدياً عطف المجتمع الدولي إن هذه هي المرة الثالثة التي تنتهك فيها أجواء بلاده، بدل تنفيذ خطط رد مبيته منذ الضربة الأولى. بل أنه كشف ضعف جاهزية قواته أمام أي طائرات مزودة بأنظمة تشويش متقدمة، وقد سترنا الله بعدم خروج البشير ليندد بالغارة.
شنت إسرائيل هذه الغارة، كما تقول، لأن الرئيس السوداني مجرم حرب مطلوب للعدالة، وبلاده قاعدة لابن لادن، وهوحليف لإيران تستخدمه كنقطة عبور لنقل الأسلحة لحماس والجهاد الإسلامي، لكن هذه الأسباب كانت قائمة منذ عقد فما الذي دفعها لشن الغارة حالياً؟ تقول مؤشرات البيئة الأمنية الراهنة إن الهجوم مستحق للأسباب التالية:
1- التقليل من وزن تصريحات رئيس الأركان الأمريكي الذي سفه فكرة مهاجمة إيران من قبل إسرائيل منفردة قائلاً: «لا نشارك ولا نبارك».
2- أمر اليميني بنيامين نتانياهو بتنفيذ الغارة؛ فنجاحها خصم من رصيد الوسط الإسرائيلي في الانتخابات التشريعية المبكرة في مطلع 2013.
3- كانت الغارة رسالة لحكومة الإخوان المصرية لحفظ بنود اتفاقية السلام والابتعاد عن إخوان غزة، فالانتصار الأيديولوجي الذي حققه الإخوان عربياً لا يغير الواقع الاستراتيجي في مراكز العمليات الحربية.
4- الغارة على السودان تمرين لقدرة إسرائيل على ضرب إيران، لضمان الأهداف التالية:
أ- التنفيذ منفردين؛ فالسودان يبعد 1900 كلم في حين لا يبعد موقع فوردو الإيراني عن تل أبيب سوى 1600 كم.
ب- قدرة إسرائيل على إدارة حملة جوية معقدة تتضمن طائرات متعددة المهام.
جـ- هونت العملية من الخشية في قدرة ورغبة إيران على الرد الانتقامي فيما لو هاجمتها اسرائيل أو مع أمريكا.
لكننا لا نوافق على هذا التحليل؛ ففي ذلك الرأي قصور كبير للاسباب التالية:
1- هناك فرق شاسع في حجم ونوع وجاهزية قدرات الدفاع الجوي الإيرانية عن السودانية التي لا تملك حتى طائرات إقلاع فوري اعتراضية للعمل ليلاً.
2 - إن تنفيذ أربع طائرات لمهمة تدمير هدف واحد ليس كمهاجمة 20 طائرة إسرائيلية أو أكثر لــ 11 مفاعلاً. كما إن طهران تملك منظومات متطورة مشابهة لصواريخ S300 الروسية المروعة.
3- قد يكون تجاوز الطائرات الإسرائيلية للكشف الراداري السعودي والمصري فوق البحر الأحمر ممكناً لتحليقها قرب المسطح المائي، لكنه مستحيل فوق السعودية والأردن وسوريا والعراق والكويت مجتمعة، أو على الاقل نصفها، لضرب إيران فلدى هذه الدول أحدث الرادارات.
4- لم تكن العملية الإسرائيلية لإثبات القدرة في ضرب إيران بقدر ماهي لغلق الأبواب الخلفية التي فتحتها إيران على الصهاينة عبر اختراقات ناجحة نفذها حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، فعملية مجمع اليرموك كانت رداً صارماً على التوغل الإيراني بطائرة من غير طيار وذات بصمة رادارية منخفضة «stealth drone». والمؤشرات على بدء إسرائيل تبني استراتيجية غلق الثغرات الإيرانية كثيرة منها:
أ- صدر الاتهام السوداني لإسرائيل سريعاً وكأنه معد سلفاً -دع عنك تعذر الخرطوم بعدم قدرة أحد على تنفيذ الهجوم إلا تل ابيب- حيث أكد الاتهام إيرانية المشروع وتوقع السودان تعرضه للهجوم.
ب- سرعة تنديد الخارجية الإيرانية بالغارة واتهام إسرائيل.
د- استقبل رئيس الأركان السوداني الجنرال عصمت عبدالرحمن بعد ساعات من الانفجار فريقاً من المحققين الإيرانيين ضم أعلى رتب المؤسسة العسكرية في طهران؛ وهم قائد سلاح الجو الجنرال حسين شاه صافي والجنرال أمير علي حجيزاده قائد الحرس الثورى لشؤون حرب الفضاء، والجنرال عزيز ناصر زاده نائب آمر القوة الجوية، والجنرال فرزاد إسماعيل آمر قاعدة «خاتم الانبياء» للدفاع الجوي. وقد استهلوا عملهم بالكشف على رادار مطار الخرطوم الذي تعرض للتشويش ثم مجمع اليرموك وهم من حدد نوع سلاح العدو. لقد كان الهجوم الجوي الإسرائيلي على مجمع اليرموك رسالة إلى أن إسرائيل قد نجحت في إغلاق باب خلفي لطهران كانت تحتفظ فيه بالاحتياط الاستراتيجي من صواريخ شهاب لاستخدامها في حال تعرض مثيلاتها في ايران للدمار، كما كان بالمجمع أسلحة وصواريخ متطورة تم تهريبها من ليبيا لتنقل لغزة، بل قيل إن المصنع نجح في إنتاج مثلها. وسيتبع ذلك إغلاق أبواب أخرى قد يكون منها مواقع تصنيع لحزب الله في لبنان، ومراكز تدريب في العراق.
لقد استقبلنا الروح النقدية البناءة لفيلم سيريانا (Syriana) بمنع عرضه في أكثر من عاصمة، لأن محلل الطاقة في الفيلم قال موجهاً حديثه لرجل خليجي: «هل تود أن تعرف كيف ننظر إليكم في عالم الأعمال؟ نعتقد أنكم أمضيتم المائة عام الماضية في خيام تقطعون رؤوس بعض، وهو ما ستفعلونه في المائة عام القادمة». فهل يتم حجب موقع مجموعة ساتلايت سنتينيل بروجيكت (Satellite Sentinel Project) حتى لا يصورنا في هزيمة قادمة!
ظهور كلوني جاء نتيجة صمت عربي مشين في نهج لا نفسرة إلا بالهوان أو بالترويض الفكري للمواطن العربي لتقبل غارات إسرائيل وكأنها ضد كمبوديا وليس ضد بلد عربي شقيق، كما جاء ظهور كلوني نتيجة قلة حصافة الخطاب السوداني بعد الغارة، فمندوبهم بالأمم المتحدة يقول وهو يلعق جراحة مستجدياً عطف المجتمع الدولي إن هذه هي المرة الثالثة التي تنتهك فيها أجواء بلاده، بدل تنفيذ خطط رد مبيته منذ الضربة الأولى. بل أنه كشف ضعف جاهزية قواته أمام أي طائرات مزودة بأنظمة تشويش متقدمة، وقد سترنا الله بعدم خروج البشير ليندد بالغارة.
شنت إسرائيل هذه الغارة، كما تقول، لأن الرئيس السوداني مجرم حرب مطلوب للعدالة، وبلاده قاعدة لابن لادن، وهوحليف لإيران تستخدمه كنقطة عبور لنقل الأسلحة لحماس والجهاد الإسلامي، لكن هذه الأسباب كانت قائمة منذ عقد فما الذي دفعها لشن الغارة حالياً؟ تقول مؤشرات البيئة الأمنية الراهنة إن الهجوم مستحق للأسباب التالية:
1- التقليل من وزن تصريحات رئيس الأركان الأمريكي الذي سفه فكرة مهاجمة إيران من قبل إسرائيل منفردة قائلاً: «لا نشارك ولا نبارك».
2- أمر اليميني بنيامين نتانياهو بتنفيذ الغارة؛ فنجاحها خصم من رصيد الوسط الإسرائيلي في الانتخابات التشريعية المبكرة في مطلع 2013.
3- كانت الغارة رسالة لحكومة الإخوان المصرية لحفظ بنود اتفاقية السلام والابتعاد عن إخوان غزة، فالانتصار الأيديولوجي الذي حققه الإخوان عربياً لا يغير الواقع الاستراتيجي في مراكز العمليات الحربية.
4- الغارة على السودان تمرين لقدرة إسرائيل على ضرب إيران، لضمان الأهداف التالية:
أ- التنفيذ منفردين؛ فالسودان يبعد 1900 كلم في حين لا يبعد موقع فوردو الإيراني عن تل أبيب سوى 1600 كم.
ب- قدرة إسرائيل على إدارة حملة جوية معقدة تتضمن طائرات متعددة المهام.
جـ- هونت العملية من الخشية في قدرة ورغبة إيران على الرد الانتقامي فيما لو هاجمتها اسرائيل أو مع أمريكا.
لكننا لا نوافق على هذا التحليل؛ ففي ذلك الرأي قصور كبير للاسباب التالية:
1- هناك فرق شاسع في حجم ونوع وجاهزية قدرات الدفاع الجوي الإيرانية عن السودانية التي لا تملك حتى طائرات إقلاع فوري اعتراضية للعمل ليلاً.
2 - إن تنفيذ أربع طائرات لمهمة تدمير هدف واحد ليس كمهاجمة 20 طائرة إسرائيلية أو أكثر لــ 11 مفاعلاً. كما إن طهران تملك منظومات متطورة مشابهة لصواريخ S300 الروسية المروعة.
3- قد يكون تجاوز الطائرات الإسرائيلية للكشف الراداري السعودي والمصري فوق البحر الأحمر ممكناً لتحليقها قرب المسطح المائي، لكنه مستحيل فوق السعودية والأردن وسوريا والعراق والكويت مجتمعة، أو على الاقل نصفها، لضرب إيران فلدى هذه الدول أحدث الرادارات.
4- لم تكن العملية الإسرائيلية لإثبات القدرة في ضرب إيران بقدر ماهي لغلق الأبواب الخلفية التي فتحتها إيران على الصهاينة عبر اختراقات ناجحة نفذها حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، فعملية مجمع اليرموك كانت رداً صارماً على التوغل الإيراني بطائرة من غير طيار وذات بصمة رادارية منخفضة «stealth drone». والمؤشرات على بدء إسرائيل تبني استراتيجية غلق الثغرات الإيرانية كثيرة منها:
أ- صدر الاتهام السوداني لإسرائيل سريعاً وكأنه معد سلفاً -دع عنك تعذر الخرطوم بعدم قدرة أحد على تنفيذ الهجوم إلا تل ابيب- حيث أكد الاتهام إيرانية المشروع وتوقع السودان تعرضه للهجوم.
ب- سرعة تنديد الخارجية الإيرانية بالغارة واتهام إسرائيل.
د- استقبل رئيس الأركان السوداني الجنرال عصمت عبدالرحمن بعد ساعات من الانفجار فريقاً من المحققين الإيرانيين ضم أعلى رتب المؤسسة العسكرية في طهران؛ وهم قائد سلاح الجو الجنرال حسين شاه صافي والجنرال أمير علي حجيزاده قائد الحرس الثورى لشؤون حرب الفضاء، والجنرال عزيز ناصر زاده نائب آمر القوة الجوية، والجنرال فرزاد إسماعيل آمر قاعدة «خاتم الانبياء» للدفاع الجوي. وقد استهلوا عملهم بالكشف على رادار مطار الخرطوم الذي تعرض للتشويش ثم مجمع اليرموك وهم من حدد نوع سلاح العدو. لقد كان الهجوم الجوي الإسرائيلي على مجمع اليرموك رسالة إلى أن إسرائيل قد نجحت في إغلاق باب خلفي لطهران كانت تحتفظ فيه بالاحتياط الاستراتيجي من صواريخ شهاب لاستخدامها في حال تعرض مثيلاتها في ايران للدمار، كما كان بالمجمع أسلحة وصواريخ متطورة تم تهريبها من ليبيا لتنقل لغزة، بل قيل إن المصنع نجح في إنتاج مثلها. وسيتبع ذلك إغلاق أبواب أخرى قد يكون منها مواقع تصنيع لحزب الله في لبنان، ومراكز تدريب في العراق.
لقد استقبلنا الروح النقدية البناءة لفيلم سيريانا (Syriana) بمنع عرضه في أكثر من عاصمة، لأن محلل الطاقة في الفيلم قال موجهاً حديثه لرجل خليجي: «هل تود أن تعرف كيف ننظر إليكم في عالم الأعمال؟ نعتقد أنكم أمضيتم المائة عام الماضية في خيام تقطعون رؤوس بعض، وهو ما ستفعلونه في المائة عام القادمة». فهل يتم حجب موقع مجموعة ساتلايت سنتينيل بروجيكت (Satellite Sentinel Project) حتى لا يصورنا في هزيمة قادمة!