تصاعد تعويل الرأي العام على مجلس النواب -بافتراضه ممثلاً له- بشأن محاسبة أصحاب المخالفات والتجاوزات التي أماط عنها اللثام «التقرير السنوي لديوان الرقابة».
ومن الواضح أن تطلعات الرأي العام البحريني حالمة نسبياً؛ فمجلس النواب نفسه بحاجة لنواب يرفعون صوته، ويبدو أن الحلقة في الوسط «مفقودة». إن ناقش مجلس النواب تلك المخالفات أو لم يفعل لن يؤخذ له برأي كما حدث في سنوات مضت، ولن يمنح النائب أكثر من «حق الجعجعة» المعروف، رغم استغرابي الشديد لعدم احتواء الدستور ذلك الحق، باعتباره يمنح المواطنين على أقل تقدير ارتياحاً نفسياً، يخرجون من خلاله مشاعرهم وغضبهم على الملأ، إزاء نهب أموالهم، فضلاً عن ضياع وتضييع الحقوق. فباعتقادي أن «حق الجعجعة» مغاير لحق التعبير من حيث الدواعي والنتائج.
ربما من الخطأ أن نلوم نوابنا الأفاضل الذين استحقوا رفع القبعات والعُقل على صمودهم تحت قبة البرلمان، ولكن في جلسة المكاشفة هذه لا ضير من إزالة قليل من ضبابية الرؤية، يمكن القول إن المجلس يخدم في المقام الأول الصورة الذهنية التي ارتأتها الدولة لنفسها في الإعلام الداخلي والخارجي، وتباعاً لذلك الهدف أصبح نوابنا -للأسف الشديد- مجرد قطع أكسسوار لمّعته بعض الامتيازات على حساب الشعب؛ ليظهر مثالاً حيّاً لفخامة الديمقراطية في قصرها البحريني العاجي المنيف.
ما سبق لا ينفي أن مجلس النواب صوت الشعب، ذلك الشعب الذي عاش صامتاً لسنوات ومن ثم انفلت نصفه بمغريات خارجية، ونصفه الآخر على شفا جرف من الضغط في الداخل، وقد اختار الأخير السكوت بإرادته امتثالاً للدعوة الإلهية «صبر جميل»، لكن فلتتيقظ الحكومة لكي لا تدخل جحر الضب مرتين ولتدرك يقيناً أن للصبر حدوداً.
دعونا لا نختلف على أن مجلس النواب يمثل صوت الشعب، ودعونا نفترض أيضاً مصداقية وتفاني جميع النواب من تحت قبة البرلمان، لكن لا يجب أن نغفل النظر عن كاتم أصوات تحت قبة البرلمان، فتحدثوا يا نواب حتى تفتر أجفانكم، أنتم صوت الشعب في بلد ديمقراطي. ودعونا جميعاً لا ننسى أن بمقابل كاتم الصوت تحت قبة البرلمان مكبرات أصوات تنعق في الخارج، حتى لم يعد في وطني البحرين إلاَّ صوتان؛ عيسى قاسم وعلي سلمان. وربما لم يعد يعلو عليهما صوتٌ آخر.
وقبل أن أستأنف لمملكتي هذا الحكم عليها دعونا مجدداً ألا نغفل صوت الحق، ولكن الحق في بلدي مكبل بالقيود، فعذراً أيها الشعب لم يعد لك خيار إلاَّ سماع النعيق، فإلى متى ستقضي العمر تصم الآذان وغيرك من فوق قبة البرلمان يصغي إليهم بإمعان؟
لطالما أصبحت كلمة «تمكين» في بلادي على كل لسان وفي مختلف الميادين، فلمَ لا يدعو الرأي العام لتمكين النواب وإسماع أصواتهم بدلاً من الاكتفاء بالانتخاب؟، وإن كان من باب أَولى أن يضمن النواب حقوقهم أولاً. وإن اكتفاء الشعب بالأخيرة يُمكّننا القول إن لمجلس النواب تقرير رقابة سنوياً خاصاً يجب أن يرصد ويرفع لسيادة الشعب، بما يتضمنه من إهدار فاضح للمال العام تندى له الجباه بلا مردود نفعي حقيقي يُذكر. وإن كانت شيمة ربّ البيت وقاضيه البذخ فما عسى تكون شيمة أهل الدار من أصحاب المناصب والمراكز العليا؟ ومن يُحاسب إن تقاسم أصحاب الدار كعكتهم بتراضٍ بعد أن يُقرّ المجلس «علاوة قهوة مُرَّة».. لكل مواطن؟.
^ اضبطوا نبضكم..
الديمقراطية سيف ذو وجهين لا ثالث لهما، ولكي يبرق وجهٌ في الخارج مُعلناً مجد المملكة، لابد أن نجتر الآلام من الداخل حتى آخر قطرة دم مواطن، فمخاض البحرين عسير، وقد استلزم الجراحة، وحفاظاً على حياة الأم، لم يعد من سبيل سوى موت الجنين!!