لن يتحرك المواطن البحريني الشيعي ويلجأ للدولة لحمايته إلا حين يتأكد أن الدولة قادرة فعلاً على حمايته من بطش الإرهابيين، أما وهو يراها تقدم رِجلاً وتؤخر أخرى فإنه سيلتزم الصمت ويترك المعركة تدور رحاها بين الإرهاب وبين الدولة ويبقى هو على الحياد.
الهستيرية التي أصابت البعض نتيجة دخول القوات الأمنية لمنطقة العكر بسبب الخوف من خسارة «أرض» و»منطقة نفوذ» كانت خاضعة للجماعات الإرهابية، فالدولة لم تتواجد داخل هذا المربع لا أمنياً ولا حتى خدمياً منذ عقود طويلة، وتركت العكر ومناطق أخرى ليرتع فيها الإرهاب وينمو ويسيطر على الأهالي ويكون هو الدولة، وحين قامت الدولة باتخاذ تلك الخطوة الشجاعة جن جنونهم، ووقفوا عند مبنى الأمم المتحدة وكتبوا لأوباما واتصلوا بالسفير الأمريكي والبريطاني، وقامت قيامتهم وسخرت لهم كل القنوات الإيرانية إمكاناتها، فذلك التواجد المكثف يعطي شعوراً للأهالي بوجود الدولة لحمايتهم ويمنحهم الفرصة للتعبير عن رأيهم دونما خوف من بطش الإرهاب.
لعقود مضت والجماعات الإرهابية تسيطر على الأهالي من خلال سيطرتها على دور العبادة في تلك المناطق في غياب تام عن إشراف الدولة وطردت وهددت وأرهبت كل من حاول استعادة تلك الدور للقيام بدورها التقليدي السابق، إنما الجماعات الإرهابية كانت تخطط وتستعد لساعة الصفر، وهي هنا ستحتاج أن تسخر تلك المنابر لهذه اللحظة والدولة لم تحرك ساكناً وتركت الصراع بين هذه الأفرقة اعتقاداً منها أنه صراع عقائدي ذو خصوصية مذهبية.
الدولة لم تضع الإطار القانوني الذي ينظم عمل المنابر وينظم عملية ارتقائه، وما وضعته كان محدوداً ولا يتجاوز كادراً للأئمة، ومع ذلك عجزت عن تطبيقه وخضعت للإرهاب ولم تحمِ من انضم لها عن قناعة، حتى تحولت المنابر إلى دولة داخل الدولة ومن ثم تحولت إلى غرف علميات حين حانت ساعة الصفر.
اليوم نحن بحاجة لاستراتيجية شاملة لفتح مناطق النفوذ الإرهابي، رؤية تشترك بها المؤسسات الرسمية والمدنية وتضع لها خطوات تنفيذية، تقيّم كل سنة. تلك المناطق لا تحتاج لخدمات إسكانية وصحية وتعليمية فحسب؛ بل تحتاج إلى مشروع متكامل يدرس النواقص التشريعية التي حالت دون انفتاح تلك المناطق على الدولة، وتدرس أين تقاعست السلطة التنفيذية عن القيام بدورها وتبدأ بتفعيلها فوراً، وتدرس كيف تكون العكر وغيرها من مناطق نفوذ الجماعات الراديكالية جزءاً من البحرين هوية وهوى، البحرين بناسها وبأهلها وبمقيميها وبدستورها وبكل مقوماتها، البحرين الأصلية. باختصار فك العزلة عن تلك المناطق يحتاج لبرنامج حقيقي يفكك عوامل العزلة يحتاج لمصارحة، لمواجهة، لاستعداد، لتحمل مسؤولية التقصير.
ما هو برنامج الجمعيات والمؤسسات المدنية لفك العزلة؟ ما هو برنامج السلطات الثلاث لفك العزلة؟ ما هو برنامج الإعلام لفك العزلة؟ ما هو برنامج وزارة الثقافة لفك العزلة؟ ما هو برنامج المؤسسة العامة للشباب والرياضة لفك العزلة.. ما هو برنامج الإسكان؟ ما هو برنامج التنمية الاجتماعية؟ ما هو برنامج حتى الخدمة المدنية؟ كل هؤلاء مطلوب منهم أن يقدموا مقترحاتهم لمجلس الوزراء على شكل برامج قابلة للتنفيذ تجمع وتنخل ويختار منها ويخصص جهاز لمتابعة تنفيذها.
التنمية الحضرية لا تعني وصول الخدمات أو التواجد الأمني فقط، بل تعني شعور الإنسان في تلك المناطق بأنه حر في اختياره دون إرهاب ودون تهديد فكري، التواجد الأمني هو لحماية الأهالي من الإرهاب وإشعارهم أن الدولة موجودة هنا.
اليوم أمامنا تحدٍّ كبير، البحرين عليها أن تستعيد هويتها وتعيد نسيجها وتتخلص من الإرهاب ومن مناطق النفوذ المغلقة.
مسؤولية الدولة ألا تترك بؤراً مغلقة تتمكن أمريكا أو غيرها من فتحها ولا تتمكن الدولة الأُمّ من دخولها!!
حين استنجد الأهالي بالدولة وأهملتهم وجد الإرهاب مرتعاً خصباً له، وحين نامت الدولة وغفلت وجدت إيران وغيرها في تلك المناطق مرتعاً خصباً لها، التحدي الكبير للدولة هو كيف تعيد البحريني ابن العكر وابن بقية مناطق النفوذ الإرهابي لحضنها راغباً وآمناً مطمئناً؟ كيف تفك طوق الممانعة؟ كيف تكسب قلوب هؤلاء؟ كيف تقطع الطريق وتعزل الإرهاب؟ ذلك هو التحدي.