صدر تقرير ديوان الرقابة المالية التاسع، وها هو كالعادة، يُحدث زوبعة في فنجان بدأت تهدأ شيئاً فشيئاً، الحكومة أدت واجبها وكشفت بنفسها وبأدواتها جانباً من الفساد في أداء موظفيها، وسلمت الراية لمجلس النواب ليتولى مهامه في الرقابة والمحاسبة والتشريع حسب الدستور، ونحن لا نتوقع الكثير من النواب، إلا ما يشبه عملية استعراض حرق العلم الإسرائيلي التي كانت ستحرق مجلس النواب بدل أن تحرر فلسطين!
سنترك التحليلات المالية والاقتصادية للمختصين، وسنقرأ حقيقة ما يخفيه هذا الفساد المالي المهول، فوراء كل فساد مالي يكمن فساد إداري هو أخطر وأشد فتكاً بالبلد من بضعة ملايين تضيع من مقدرات الشعب. إن الفساد الإداري هو المسؤول الأول عن المشروعات العقيمة التي تنفذها الوزارات والتي تستنزف الملايين، وهو المسؤول عن إهدار مئات الخبرات البشرية من الكفاءات البحرينية التي تضيع إمكاناتها ويُعَطّل عطاؤها هدراً، بسبب سياسات إدارية صادرة عن مسؤولين غير أكفاء ابتليت بهم البحرين وبإدارتهم المتخبطة لشؤون التنمية في البلاد.
نقابل العديد من الموظفين في وزارات وهيئات مختلفة في الدولة، وأغلبهم يحملون الشكوى نفسها، وهي أن العديد من المسؤولين في الوظائف التنفيذية غير أكفاء وغير مختصين ولا يستشيرون أولي الأمر في إداراتهم وأقسامهم، ولا يعتمدون على أهل الثقة من الموظفين، بعض هؤلاء المسؤولين هبطوا من أماكن شتى لا علاقة لها بالمهام الفنية التي يزاولونها وبعضهم تسلق من الأبواب الخلفية فوصل وقطع على غيره الطريق، وقليل منهم من عُيِّن في منصبه لكفاءته وخبرته ولرؤية يحملها لتطوير العمل، والقرابات والصداقات حاضرة في التعيينات، والأولوية لمن يقدم فروض الولاء والطاعة والإقصاء والتهميش لأصحاب وجهات النظر المخالفة.
يهدر هؤلاء المسؤولون أموال الدولة بتعييناتهم وترقياتهم لغير المؤتمنين على أموال الدولة والذين ينفقونها دون ترشيد وفي غير أوجه الحاجة الصحيحة، ولا مشكلة عندهم من إنفاقٍ هنا وهناك لا يؤتي ثمرة، ويهدر هؤلاء المال العام في مشاريع كبيرة وغير مدروسة بملايين الدنانير، ويهدرون الأموال في السفرات غير المجدية للفرجة على المشاريع التطويرية في العالم وعلى اللقاءات الودية مع المسؤولين العرب والدوليين، وعلى حضور المعارض والمنتديات، ويعودون ممتلئين بالمتعة والراحة والمطبوعات، ولا يقدمون أثراً لسفراتهم ولجولاتهم في العمل، ذلك أن السفر للمهام الرسمية تحوَّل إلى ترفيه واستجمام براتب مدفوع يومياً، ولم يعد يُرصد ضمن الخطة العامة للوزارة وللأهداف التطويرية ومجالات التنمية البشرية التي تتعين ترجمة أثرها وفائدتها في الخطة نفسها وفي برامج العمل ذاتها.
أُهدرت ملايين كثيرة على جيش جرار من الخبراء والمستشارين والشركات الاستشارية الذين تقاطروا على البحرين من شرق العالم وغربه وجنوبه وشماله، والسبب خلو البحرين من الكفاءات والخبرات!!، بعض الخبراء الأجانب يعملون موظفين في الصحة وفي وظائف عامة في بلدانهم أو هم شباب صغار من خريجي (IT) وهم اليوم يقودون مسيرة تطوير التعليم في البحرين!، وبعضهم ممن فُصل من مزاولة مهنة الطب واليوم يدير مستشفيات مهمة في البحرين، بعضهم لا يعرف كيف يستخدم برامج كمبيوتر (ماكنتوش) ومطلوب منه إعداد برامج وتصميمات فنية ضخمة، هؤلاء الخبراء يتقاضون رواتب بآلاف الدنانير شهرياً وبعضهم يتقاضى راتب وزيرين، ويسكنون فللاً وشققاً فاخرة في أمواج أو يقيمون في فنادق سبع نجوم، ويسافرون على حساب الدولة ويعقدون اجتماعاتهم في الخارج على حساب الدولة، ولم نرَ من أثر خبرتهم شيئاً!، فلم يصل الطالب البحريني إلى مستوى الطالب السنغفوري، ولم يصبح المعلم البحريني بكفاءة المعلم الإسكتلندي، ولم تتحول مستشفياتنا إلى مثيلتها الكندية، ولم ينافس تلفزيون البحرين قناة العربية!!، ولو أن هذه الملايين أنفقت في بناء المدارس والمستشفيات وفي جلب الأجهزة المتقدمة وبناء مراكز الأبحاث والتدريب ولو تم تدريب الكفاءات البحرينية تدريباً نوعياً مخططاً له وموجهاً وخاضعاً للتقييم الصحيح لتغير الأداء الحكومي ولتطورت مجالات التنمية في البحرين، ولذهبت الأموال حيث تستفيد منها الدولة .
كل مظاهر الفساد الإداري الخطير هذه تحدث أمام مشهد آخر أشد سوءاً وهو تهميش الكفاءات البحرينية ومحاربتها، فالمسؤول غير الكفْء يمتاز بسيكيولوجية خاصة، تجعله يحيط نفسه بجوقة من الموظيفين غير الأكفاء على شاكلته، يزينون له أعماله ويضخمون من إنجازاته، ويعدون له التقارير الشكلانية عن نسب التقدم ومستوى التطور وملامح التغيير في عهده، المناقشة في أعراف المسؤولين غير الأكفاء من الأخطاء المهنية، وإبداء وجهات نظر مخالِفة أوالإشارة إلى أي خلل ومشكلة في إدارة العمل تعد صورة من صور إعاقة مسيرة التقدم، والاختلاف في الرأي والرؤية مخالفة إدارية تستوجب الإبعاد وتقليص الصلاحيات و(كسر الراس) بترقية الأقل كفاءة ممن هم برتبة منافق أو محب للمسؤول، فلا تجد الكفاءات البحرينية المهمشة سبيلاً إلا الصمت و»التطنيش» وأحيانا الهجرة إلى دول الجوار التي تفتح ذراعيها فرحاً باستقبالهم وتمد يديها بسخاء للاستفادة منهم وتعينهم خبراء ومستشارين في مجالات التنمية المختلفة.
قبل أن نراجع الملايين التي أهدرت في تقرير الرقابة المالية يتعيَّن علينا مراجعة التعيينات في الوظائف التنفيذية في السنوات الأخيرة، ومراجعة كيفية تعيينها ومعايير توظيفها وكيف أدت طرق التوظيف وأسباب الترقيات هذه إلى تبديد الملايين واستسهال هدر المال العام بالسهولة نفسها التي وصل بها هؤلاء المسؤولون غير الأكفاء إلى مواقع ليسوا مؤهلين لها.
{{ article.visit_count }}
سنترك التحليلات المالية والاقتصادية للمختصين، وسنقرأ حقيقة ما يخفيه هذا الفساد المالي المهول، فوراء كل فساد مالي يكمن فساد إداري هو أخطر وأشد فتكاً بالبلد من بضعة ملايين تضيع من مقدرات الشعب. إن الفساد الإداري هو المسؤول الأول عن المشروعات العقيمة التي تنفذها الوزارات والتي تستنزف الملايين، وهو المسؤول عن إهدار مئات الخبرات البشرية من الكفاءات البحرينية التي تضيع إمكاناتها ويُعَطّل عطاؤها هدراً، بسبب سياسات إدارية صادرة عن مسؤولين غير أكفاء ابتليت بهم البحرين وبإدارتهم المتخبطة لشؤون التنمية في البلاد.
نقابل العديد من الموظفين في وزارات وهيئات مختلفة في الدولة، وأغلبهم يحملون الشكوى نفسها، وهي أن العديد من المسؤولين في الوظائف التنفيذية غير أكفاء وغير مختصين ولا يستشيرون أولي الأمر في إداراتهم وأقسامهم، ولا يعتمدون على أهل الثقة من الموظفين، بعض هؤلاء المسؤولين هبطوا من أماكن شتى لا علاقة لها بالمهام الفنية التي يزاولونها وبعضهم تسلق من الأبواب الخلفية فوصل وقطع على غيره الطريق، وقليل منهم من عُيِّن في منصبه لكفاءته وخبرته ولرؤية يحملها لتطوير العمل، والقرابات والصداقات حاضرة في التعيينات، والأولوية لمن يقدم فروض الولاء والطاعة والإقصاء والتهميش لأصحاب وجهات النظر المخالفة.
يهدر هؤلاء المسؤولون أموال الدولة بتعييناتهم وترقياتهم لغير المؤتمنين على أموال الدولة والذين ينفقونها دون ترشيد وفي غير أوجه الحاجة الصحيحة، ولا مشكلة عندهم من إنفاقٍ هنا وهناك لا يؤتي ثمرة، ويهدر هؤلاء المال العام في مشاريع كبيرة وغير مدروسة بملايين الدنانير، ويهدرون الأموال في السفرات غير المجدية للفرجة على المشاريع التطويرية في العالم وعلى اللقاءات الودية مع المسؤولين العرب والدوليين، وعلى حضور المعارض والمنتديات، ويعودون ممتلئين بالمتعة والراحة والمطبوعات، ولا يقدمون أثراً لسفراتهم ولجولاتهم في العمل، ذلك أن السفر للمهام الرسمية تحوَّل إلى ترفيه واستجمام براتب مدفوع يومياً، ولم يعد يُرصد ضمن الخطة العامة للوزارة وللأهداف التطويرية ومجالات التنمية البشرية التي تتعين ترجمة أثرها وفائدتها في الخطة نفسها وفي برامج العمل ذاتها.
أُهدرت ملايين كثيرة على جيش جرار من الخبراء والمستشارين والشركات الاستشارية الذين تقاطروا على البحرين من شرق العالم وغربه وجنوبه وشماله، والسبب خلو البحرين من الكفاءات والخبرات!!، بعض الخبراء الأجانب يعملون موظفين في الصحة وفي وظائف عامة في بلدانهم أو هم شباب صغار من خريجي (IT) وهم اليوم يقودون مسيرة تطوير التعليم في البحرين!، وبعضهم ممن فُصل من مزاولة مهنة الطب واليوم يدير مستشفيات مهمة في البحرين، بعضهم لا يعرف كيف يستخدم برامج كمبيوتر (ماكنتوش) ومطلوب منه إعداد برامج وتصميمات فنية ضخمة، هؤلاء الخبراء يتقاضون رواتب بآلاف الدنانير شهرياً وبعضهم يتقاضى راتب وزيرين، ويسكنون فللاً وشققاً فاخرة في أمواج أو يقيمون في فنادق سبع نجوم، ويسافرون على حساب الدولة ويعقدون اجتماعاتهم في الخارج على حساب الدولة، ولم نرَ من أثر خبرتهم شيئاً!، فلم يصل الطالب البحريني إلى مستوى الطالب السنغفوري، ولم يصبح المعلم البحريني بكفاءة المعلم الإسكتلندي، ولم تتحول مستشفياتنا إلى مثيلتها الكندية، ولم ينافس تلفزيون البحرين قناة العربية!!، ولو أن هذه الملايين أنفقت في بناء المدارس والمستشفيات وفي جلب الأجهزة المتقدمة وبناء مراكز الأبحاث والتدريب ولو تم تدريب الكفاءات البحرينية تدريباً نوعياً مخططاً له وموجهاً وخاضعاً للتقييم الصحيح لتغير الأداء الحكومي ولتطورت مجالات التنمية في البحرين، ولذهبت الأموال حيث تستفيد منها الدولة .
كل مظاهر الفساد الإداري الخطير هذه تحدث أمام مشهد آخر أشد سوءاً وهو تهميش الكفاءات البحرينية ومحاربتها، فالمسؤول غير الكفْء يمتاز بسيكيولوجية خاصة، تجعله يحيط نفسه بجوقة من الموظيفين غير الأكفاء على شاكلته، يزينون له أعماله ويضخمون من إنجازاته، ويعدون له التقارير الشكلانية عن نسب التقدم ومستوى التطور وملامح التغيير في عهده، المناقشة في أعراف المسؤولين غير الأكفاء من الأخطاء المهنية، وإبداء وجهات نظر مخالِفة أوالإشارة إلى أي خلل ومشكلة في إدارة العمل تعد صورة من صور إعاقة مسيرة التقدم، والاختلاف في الرأي والرؤية مخالفة إدارية تستوجب الإبعاد وتقليص الصلاحيات و(كسر الراس) بترقية الأقل كفاءة ممن هم برتبة منافق أو محب للمسؤول، فلا تجد الكفاءات البحرينية المهمشة سبيلاً إلا الصمت و»التطنيش» وأحيانا الهجرة إلى دول الجوار التي تفتح ذراعيها فرحاً باستقبالهم وتمد يديها بسخاء للاستفادة منهم وتعينهم خبراء ومستشارين في مجالات التنمية المختلفة.
قبل أن نراجع الملايين التي أهدرت في تقرير الرقابة المالية يتعيَّن علينا مراجعة التعيينات في الوظائف التنفيذية في السنوات الأخيرة، ومراجعة كيفية تعيينها ومعايير توظيفها وكيف أدت طرق التوظيف وأسباب الترقيات هذه إلى تبديد الملايين واستسهال هدر المال العام بالسهولة نفسها التي وصل بها هؤلاء المسؤولون غير الأكفاء إلى مواقع ليسوا مؤهلين لها.