كنت أحسب أن بناء مجمع علمي للإخوة السوريين الذين هجروا إلى الأردن جراء البطش الدموي من قبل النظام السوري سوف يستغرق وقتاً أكثر من بعد ما أمر به جلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله قبل فترة كبادرة من لدن جلالته لتكون فكرة غير مسبوقة حتى الساعة في المخيمات السورية بالأردن، وليكون المجمع باسم مملكة البحرين كتضامن مع الأشقاء في سوريا ولمساعدة الإخوة بالأردن على النهوض بمسؤولية اللاجئين السوريين.كنت أحسب أن الأمر سيستغرق وقتاً أكبر من ذلك برغم أن البناء ليس من الطوب إلا أن المباني جيدة وقوية وتساعد على التحصيل العلمي وتقي الطلبة والطالبات البرد والحر. فقد كانت جهود المؤسسة الخيرية الملكية وبتوجيهات سمو الشيخ ناصر بن حمد حفظه الله وبكفاءة العاملين في المؤسسة ويتصدرهم الأمين العام للمؤسسة الدكتور مصطفى السيد عاملاً مهماً في إنجاز بناء المجمع العلمي خلال فترة قياسية جداً، إذ استغرق بناء المجمع 35 يوماً تقريباً، وهذا جهد كبير تستحق المؤسسة الخيرية الملكية عليه الشكر.بالأمس كنا في زيارة إعلامية للمجمع لتفقد آخر التجهيزات للافتتاح والذي سيصادف بإذن الله اليوم الأحد، وتحت رعاية كريمة من سمو الشيخ ناصر بن حمد، وقد كانت الزيارة تحمل انطباعات كثيرة خاصة حين ترى موضع اللاجئين عن قرب وبملامسة للواقع.قبل أي شيء وقبل الكتابة عن المشروع بتفاصيله والذي ستنشره الوطن باذن الله، فإن مثل هذه الزيارات تشعرك بمشاعر مختلطة، أولها أنك تود أن تقدم المساعدة بما تستطيع للأخوة السوريين الذين شردوا بسبب القصف العشوائي لمنازلهم.الأمر الآخر هو الإحساس الحقيقي بقيمة الأمن والأمان في وطننا (أدام الله علينا نعمة الأمن وكسر شوكة كل من يريد السوء لوطننا) وألا شيء يساوي الوطن، ولا شيء يساوي الأمن والأمان لدى الإنسان، وأن يكون مطمئناً هانئاً مستقراً في بيته وبين أهله.إنها نعمة عظيمة سوف يشعر بها من شاهد الذي شاهدناه من مبيت العوائل في الصحراء تحت الخيام الصغيرة.ما هو بديل فقدان الأمن، إنها الفوضى والشتات والتشرد وضياع المال والولد، كلها تداعيات لفقدان الأمن في الأوطان، برغم جهود إخواننا في الأردن وجهود اليونيسيف إلا أن العيش في سجن كبير وخيام وسط البرد القارس ولديك أبناء وزوجة وربما مع الوالدين، كلها تعتبر مأساة حقيقية، فقد وصلنا أمس إلى الأردن ودرجة الحرارة تصل إلى العشر درجات ظهراً، فما بالك في وسط الصحراء وبالليل، كان الله في عون إخوتنا في سوريا سواء كانوا في الأردن أو تركيا.قيمة التعليم وذهاب الأبناء للمدرسة بشكل منتظم أيضاً استشعرناها أمس، فقد كان وضع اللاجئين في الأردن من دون تعليم ولا يعرفون متى تنتهي الحرب، وأبناؤهم من غير تعليم، والظروف الصحية أيضاً ليست على ما يرام، كلها صور مشاهد مرت علينا أمس ونحن نطوف أجزاء من مخيم الزعتري للاجئين السوريين بالأردن، فكل ما سوف تنطق به في قلبك فتقول: «أعان الله من يسكن هنا ونصرهم على عدوهم، وأعادهم إلى بلادهم بخير وسلامة»، وستقول أيضاً، «الحمد لله على نعمة الأمن والأمان في الأوطان، فلا شيء يساوي أمنك وأمن أسرتك ووطنك».مشروع البحرين العلمي الذي أمر به جلالة الملك هو فكرة رائعة ترتكز على النهوض بالإنسان والحرص على التعليم، فهناك من سيرسل المعونات، لكن حاجة الإنسان للتعليم تبقى هي من أهم أسباب نهوض وصعود المجتمعات.الشكر إلى جلالة الملك والشكر لسمو الشيخ ناصر بن حمد على الفكرة والمشروع الرائع، والشكر للمؤسسة الخيرية الملكية على جهودها وسرعة تنفيذ المشروع بقيادة الدكتور مصطفى السيد وطاقم العمل معه في المؤسسة.