إن أكثر ما يشجع الناس وشرائح المجتمع (خصوصاً فئة الشباب) للخوض في القضايا السياسية وفي كل القضايا التي لا تخصهم في الأساس، هو في تمدد أوقات الفراغ، وفي توفر الوقت (الزائد) عن المألوف، وفي غياب العدالة أحياناً أخرى، مما يشجع كل المجتمع في أن يتحدث وينشغل وربما يشتغل في السياسة، حتى لو كانت لا تعنيه لا من قريب أو بعيد.
نتحدث اليوم هنا عن الفراغ القاتل الذي يحمل مضمونه معه، هذا الموت الذي لا ينفك عن فراغ لا قيمة له سوى العدم والعبثية بأثمن الأشياء المحيطة بنا، فمن أخطر هذه المحيطات التي تلفنا هو الشأن السياسي المحض.
لا بد للأسرة البحرينية أن تُملي وقت فراغ صغارها وشبابها، كما يجب على منظمات المجتمع المدني تكثيف وخلق وصناعة البرامج التوعوية والتثقيفية والعلمية والرياضية والمهنية للصغار والشباب، كما إن من الواجب على الدولة توفير هذه المناخات الطيبة والمتنوعة لشبابنا حتى لا يكونوا لقمة سائغة للعدمية والفوضى، ولا فرق بين أن يشتغل صغارنا بالسياسة أو تعاطي المخدرات، فكلا الطريقين يؤديان إلى الهلكة وخراب مستقبلهم ومستقبل أوطانهم.
إن خلق فرص الإبداع وملء أوقات فراغ الشباب بطريقة مدروسة ووفق استراتيجيات بعيدة المدى يفوت الفرصة على كل من يريد أن يقحم هذه الشريحة من المجتمع في صراعات سياسية لا تخصهم ولا تمت إليهم بصلة، سوى ضياعهم وضياع وتمزيق حاضرهم ومستقبلهم، ومن ثم بعد خراب مالطا يجلس من ضيَّعهم على رفات هؤلاء الصغار يؤبنهم.
إن بناء استراتيجيات طويلة المدى (أكرر طويلة المدى) لشبابنا البحريني من قبل الجهات المعنية برعاية الشباب هي المخرج الحقيقي من أزمة تورطهم في الشأن السياسي وغيرها من القضايا العنيفة الأخرى كالجريمة والمخدرات، فمنظمات المجتمع المدني وقبلها المؤسسة العامة للشباب والرياضة كلهم مسؤولون كامل المسؤولية عن ملء أوقات فراغ صغارنا بالبرامج المفيدة والمسلية والمسؤولة، حتى لا تكون هنالك أيَّة حجة على أحد، لكن أن يظل الوقت غير شاغر لهذه الشريحة، فإننا سنكون أمام مجموعة من القنابل الموقوتة والمزروعة في قلب الشارع والمجتمع.
إن أخطر ما يواجه واقعنا البحريني اليوم هو عدم وجود ما (يُملي) أوقات فراغ شبابنا بالأمر المفيد، لهذا فهم يقعون بين محذورين اثنين، إما أن يتوجهوا للسياسة من أعنف أبوابها وصورها، أو يُصابوا بالإحباط فيلجئوا إلى طريق المخدرات والجريمة والضياع.
سألتُ بعض العينات الشبابية البحرينية التي تتسكع في الطرقات وبصورة عشوائية عن سبب عدم انخراطهم في برامج مفيدة تملأ أوقات فراغهم، فكانت الإجابة شبه موحَّدة؛ عدم وجود برامج ترتقي وتطلعاتهم وتفريغ إبداعاتهم من خلالها، سوى برامج خجولة تقع في زمن العطلة الصيفية فقط!. لا يمكن أن نلوم الشباب دائماً حين ينحرف عن جادة الطريق نحو الهاوية، خصوصاً إذا كانت كل الأيدي ممتنعة عن الإمساك بيده نحو البناء والإبداع، فالدولة ومؤسساتها يتحملون نصف المسؤولية، وعلى الأسرة وكل منظمات المجتمع المدني النصف الآخر، أما الشباب فهو المتهم الأخير.