أتصوّر أن السؤال المركزي الذي يفترض أن يشغل بال علماء التربية والنفس والاجتماع يدور حول ما إذا كان الربيع العربي قادراً بالفعل على إنتاج القيم الأساسية للمواطنة الحقّة، وهي: الانتماء للوطن، والديمقراطية، والتسامح، والتنوير، والعمل المُنتج، حيث إن هذه القيم بالذات تمثِّل حجر الأساس لتقدّم الأمم ورفعتها، وهي معيار انتمائها للحضارة المعاصرة، أو هكذا نعتقد.
فمن الواضح للمتابعين لمسيرة التحرّكات الثورية الجماهيرية التي حصلت في بعض الأقطار العربية أنها، أي التحرّكات، تقف أمام استحقاقات مصيريّة لمواطنيها خاصة أن القوى التي وصلت لسدّة الحكم لم تتخذ القرار الحاسم بعد بشأن ماهيّة النظام السياسي الذي تسعى لتشييده على أنقاض النظام السابق، ولم تنفك تتخذ قرارات يغلب عليها طابع الارتجال والعفوية.
إن القيم الخمس المشار إليها لم يتم انتقائها بصورةٍ عشوائية أو اعتباطية، لأنّها، كما أبرزت التجارب التاريخية العريقة، تشكل الرافعة الحقيقية لنهضة الأمّة ورقيّها، فمن الصعب أن يتخيّل المرء مجتمعاً لا تسود فيه قيمة الانتماء للوطن، بصفتها القيمة الأبرز والأكثر أهميةً وتأثيراً، ونقصد بها تحديداً في هذا السياق: قدرة المواطن على تشرّب حب الوطن من المهد إلى اللحد، والدفاع عن ترابه ومائه وأجوائه من الطامعين، والارتباط الوثيق بأبناء مجتمعه باعتبارهم أبناء الوطن، وهذه القيمة بالذات تزداد محوريةً في الظروف الحالية، حيث تعيش القوى المتربصة بوحدتنا حلم تمزيق البلدان العربية إلى دويلات متناحرة وهو ما نشهد بعض بداياته المتعثِّرة الآن.
إن المجتمع الذي يدّعي التطور والانتماء للقرن الحادي والعشرين لا يمكن أن يحيا بأمان وطمأنينة وثقة في المستقبل ما لم يرسِ بين أبنائه قواعد الديمقراطية والحرية والمساواة، وتصبح نبراساً لهم، وما لم يعمل على إعلاء قيم التسامح المذهبي وتنميتها في أوساطهم، مثلما أن تنوير الفرد بحقوقه وواجباته، وزرع حب القراءة والمعرفة في نفوس الناشئة، وإطلاعهم على منجزات الثقافة العالميّة والوطنية، شرط أساسي لانضمام شعوبنا إلى ركب الدول المتحضِّرة.
وأخيراً فإن تنمية قيمة العمل المنتج هي التي ستؤمِّن لأجيالنا الصاعدة حياةً أفضل، فالمطلوب هو استبدال ثقافة الكسل والفهلوة والاتكالية المقيتة بثقافة العمل الصالح الذي يبني أوطاناً حرّةً لشعوبٍ سعيدةٍ!
أستاذ التربية بجامعة البحرين