عندما يبتعد المواطن العربي مسافة قصيرة عن لوحة المشهد السياسي الذي آلت إليه الأمور بعد الأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية، سيجد أنها تتوزع على ثلاث مساحات لونية رئيسة؛ تشغل الأولى منها تلك الدول التي أطيح فيها بالأنظمة وأتت أخرى بديلة لها مثل مصر وتونس، أما الثانية فهي تلك التي ما تزال نيران الصراعات فيها مشتعلة دون حسم واضح للأمور والأبرز فيها سوريا وليبيا واليمن، وتلك التي حافظت على نفسها وتنفرد بها المغرب، وإلى حد بعيد مع اختلاف الظروف القائمة فيها والأسباب قطر.
يطغى على تلك المساحات لون واحد فقط هو الأحمر والمعبر عن دماء نزيف منظمات المجتمع المدني العربية التي ما تزال في المساحات اللونية الثلاث، تنزف جروحها من آثار الطعنات المقصودة، وتلك غير المقصودة التي لم يتوان الجميع عن غرس سكاكينها في جسدها، يرى ذلك المراقب العربي أن منظمات المجتمع المدني كانت أكبر ضحايا تلك الأحداث التي تؤكدها الحقائق التالية:
1. التهميش المتواصل الذي تعرضت له منظمات المجتمع المدني العربية قبل الأحداث، عندما حرمت من ممارسات دورها المناط بها والذي تنعم به نظيراتها في المجتمعات الأخرى المتمدنة، كي لا نقول متحضرة.
مثل هذا التهميش خلق منظمات مجتمع مدني هشة لا تملك مقومات أداء دورها المناط بها على نحو صحيح، وعاجزة بفضل ذلك عن مواكبة الأحداث التي تمر بها بلدانها دع عنك التأثير فيها. ولكي نقول كلمة حق في سلوك الأنظمة العربية ينبغي لنا أن نؤكد وبوضوح كامل أنها ليست وحدها المسؤولة عن مثل هذه الحالة المحبطة، حيث تشاركها المسؤولية المباشرة أيضاً القوى المعارضة التي كانت لها نظرتها السلبية سواء في فهمها للدور السياسي/ المجتمعي لتلك المنظمات، أو لطبيعة العلاقة المفترض نسجها بين تلك المنظمات والقوى السياسية المعارضة، إن أريد لتلك الأولى أن تقف على رجليها وتمارس بكفاءة المهمات المناط بها القيام بها في على النحو الصحيح وفي الاتجاه السليم.
لذا ينبغي أن تتجاوز العلاقة الرابطة بين الدولة أو القوى المعارضة لها بشكل مستقل مع منظمات المجتمع المدني على حد سواء، مجرد حق الإشهار وممارسة النشاط من قبل الأولى والتجيير المفتعل والذيلية المقنعة من قبل الثانية.
2. التسييس المتجاوز للحد لدور تلك المنظمات السياسي/ المجتمعي، فرأينا الطرفين، الدولة والقوى المعارضة لها، يمعنان بوعي وإصرار متكاملين في تسييس أنظمة وبرامج تلك المنظمات بعد الأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية على امتداد السنتين الماضيتين، عندما وجدت منظمات المجتمع المدني نفسها مشدودة من طرفين متنازعين وفي اتجاهين متعاكسين بدلاً من أن يكونا متنافسين.
محصلة ذلك إحباط شبه مطلق فتك بتلك المنظمات واستشرى في جسدها وشل حركتها وحيويتها اللتين هي في أمس الحاجة لهما. تلاشت من أمام تلك المنظمات الخيارات السليمة التي تبحث عنها، والتي كان بإمكانها الاستفادة منها من أجل القيام بأدوارها المطلوبة واستعادة حركتها النشطة التي كانت في أمس الحاجة لها. ليس المطلوب هنا، ومن أجل استعادة منظمات المجتمع المدني حقها في ممارسة ذلك الدور، حجبها عن دخول الدائرة التي تلائمها والتي بطبيعة الحال تبحث عنها رغم كل الصعوبات التي وضعتها في طريقها الحكومات والقوى المحلية التي تعارضها.
من هنا ينبغي أن يفسح في المجال أمام تلك المنظمات كي تؤدي رسالتها المجتمعية من خلال معادلة ناجحة بين مهامها المجتمعية الواسعة، ودورها السياسي المحدود والمعرف ضمن مقاييس عالمية تعمل وفقها نظيراتها في المجتمعات المتقدمة.
3. التجيير السياسي المفتعل، خصوصاً خلال الأزمات السياسية، وهو ما لمسناه وعانت منه تلك المنظمات خلال الأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية خلال العامين الماضيين، حيث عانت تلك المنظمات من محاولة دائمة مستمرة من قبل الطرفين المتصارعين من أجل جرها نحوها.
أخطر ما في هذا الأمر هو نجاح أحد طرفي الصراع في هذه المهمة فينعم بالنجاح الآني السريع، لكنه لا يدرك، بوعي أو دون وعي، أن انتصاره على غريمه لم يكن ليتحقق لو لم تكن منظمة المجتمع المدني المعنية أول ضحاياه وأسوأهم إصابة. أخطر ما في الأمر هنا انحراف المنظمة عن طريقها الطبيعي فتخسر أثناء ذلك الانحراف كل أعضائها النشيطين الذي فقدوا الثقة فيها، فتركوها، إن لم تضطر هي إلى التخلص منهم، بعد أن فقدت الكثير من مواصفاتها التي تحتاج لها. بالقدر ذاته يفرض عليها ذلك وخاصة في هيئاتها القيادية، أن تفقد أو أن تستغني عن مساهمات عناصرها القيادية ذات الخبرة الغنية والمؤهلات العالية في العمل المجتمعي، والتي يصعب تعويضها.
هذه الحالة السلبية غير الصحية التي تعاني منها منظمات المجتمع المدني العربية ليس مستعصية ويصعب علاجها والخروج من عنق زجاجتها متى ما توفرت الشروط الأساسية التالية:
1. قبول القوى السياسية المتصارعة بخطأ التسييس غير المحدود لمنظمات المجتمع المدني بغض النظر عن أية مكاسب آنية في الزمان، وضيقة في الأفق التي يمكن أن يحققها أي من تلك القوى. وما لم يتوفر ذلك القبول تفقد مشروعات تفعيل دور تلك المنظمات مبرراتها ومن ثم جدواها. هذا القبول ينبغي له أن يتحول إلى ممارسات عملية راسخة الجذور تسندها رؤية استراتيجية تنظر للمستقبل البعيد لا تحصر نفسها في نطاق آني ضيق.
2. قناعة القوى السياسية كافة من قوى حاكمة وتلك المعارضة لها على حد سواء بخطأ توجهاتها التي أشرنا لها أعلاه نحو منظمات المجتمع المدني العربية، بغض النظر عن المكاسب الآنية التي يمكن حصدها من أي منهما. هذه القناعة لا بد لها كي تكون مجدية وبالفعالية المطلوبة أن تتجاوز حدود القبول النظري، إلى دائرة الممارسة العملية الصادقة، المستندة إلى خلفية نظرية راسخة غير قابلة للمجادلة أو المساومة، بعض النظر عن الظروف المحيطة بها. هذا يقتضي توفر نوع من عهد شرف ضمني بين طرفي الصراع، يحترمه كلاهما، والمؤسسات الأخرى المنبثقة عن أي منهما.
3. إبعاد منظمات المجتمع المدني عن الصراعات المباشرة بالدرجة الكافية التي لا تحرمها من دورها السياسي المبدع، ولا تزجها في معارك سياسية مباشرة لا تندرج تحت قائمة المهام المناط بتلك المنظمات القيام بها. هنا تبرز ضرورة تطبيق مقاييس المعادلة الراقية التي توازن بين الأهداف المجتمعية الكبرى، والمهمات السياسية المحدودة التي تخدم تلك الأهداف دون أن تتجاوزها، أو أن تقود منظمات المجتمع المدني نحو مستنقع العمل السياسي المباشر الذي يحرفها عن الطريق السليمة التي يفترض فيها أن تسلكها، برغبة صادقة منها، وبمحض إرادتها. تأسيساً على ذلك، من المنطقي أن منظمات المجتمع المدني وحدها القادرة، متى ما أحسنا التعامل معها، على انتشالنا من الاستمرار في السير على طريق نهاياته غير معروفه، وربما تكون محفوفة بالمخاطر غير الواضحة للعيان.
{{ article.visit_count }}
يطغى على تلك المساحات لون واحد فقط هو الأحمر والمعبر عن دماء نزيف منظمات المجتمع المدني العربية التي ما تزال في المساحات اللونية الثلاث، تنزف جروحها من آثار الطعنات المقصودة، وتلك غير المقصودة التي لم يتوان الجميع عن غرس سكاكينها في جسدها، يرى ذلك المراقب العربي أن منظمات المجتمع المدني كانت أكبر ضحايا تلك الأحداث التي تؤكدها الحقائق التالية:
1. التهميش المتواصل الذي تعرضت له منظمات المجتمع المدني العربية قبل الأحداث، عندما حرمت من ممارسات دورها المناط بها والذي تنعم به نظيراتها في المجتمعات الأخرى المتمدنة، كي لا نقول متحضرة.
مثل هذا التهميش خلق منظمات مجتمع مدني هشة لا تملك مقومات أداء دورها المناط بها على نحو صحيح، وعاجزة بفضل ذلك عن مواكبة الأحداث التي تمر بها بلدانها دع عنك التأثير فيها. ولكي نقول كلمة حق في سلوك الأنظمة العربية ينبغي لنا أن نؤكد وبوضوح كامل أنها ليست وحدها المسؤولة عن مثل هذه الحالة المحبطة، حيث تشاركها المسؤولية المباشرة أيضاً القوى المعارضة التي كانت لها نظرتها السلبية سواء في فهمها للدور السياسي/ المجتمعي لتلك المنظمات، أو لطبيعة العلاقة المفترض نسجها بين تلك المنظمات والقوى السياسية المعارضة، إن أريد لتلك الأولى أن تقف على رجليها وتمارس بكفاءة المهمات المناط بها القيام بها في على النحو الصحيح وفي الاتجاه السليم.
لذا ينبغي أن تتجاوز العلاقة الرابطة بين الدولة أو القوى المعارضة لها بشكل مستقل مع منظمات المجتمع المدني على حد سواء، مجرد حق الإشهار وممارسة النشاط من قبل الأولى والتجيير المفتعل والذيلية المقنعة من قبل الثانية.
2. التسييس المتجاوز للحد لدور تلك المنظمات السياسي/ المجتمعي، فرأينا الطرفين، الدولة والقوى المعارضة لها، يمعنان بوعي وإصرار متكاملين في تسييس أنظمة وبرامج تلك المنظمات بعد الأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية على امتداد السنتين الماضيتين، عندما وجدت منظمات المجتمع المدني نفسها مشدودة من طرفين متنازعين وفي اتجاهين متعاكسين بدلاً من أن يكونا متنافسين.
محصلة ذلك إحباط شبه مطلق فتك بتلك المنظمات واستشرى في جسدها وشل حركتها وحيويتها اللتين هي في أمس الحاجة لهما. تلاشت من أمام تلك المنظمات الخيارات السليمة التي تبحث عنها، والتي كان بإمكانها الاستفادة منها من أجل القيام بأدوارها المطلوبة واستعادة حركتها النشطة التي كانت في أمس الحاجة لها. ليس المطلوب هنا، ومن أجل استعادة منظمات المجتمع المدني حقها في ممارسة ذلك الدور، حجبها عن دخول الدائرة التي تلائمها والتي بطبيعة الحال تبحث عنها رغم كل الصعوبات التي وضعتها في طريقها الحكومات والقوى المحلية التي تعارضها.
من هنا ينبغي أن يفسح في المجال أمام تلك المنظمات كي تؤدي رسالتها المجتمعية من خلال معادلة ناجحة بين مهامها المجتمعية الواسعة، ودورها السياسي المحدود والمعرف ضمن مقاييس عالمية تعمل وفقها نظيراتها في المجتمعات المتقدمة.
3. التجيير السياسي المفتعل، خصوصاً خلال الأزمات السياسية، وهو ما لمسناه وعانت منه تلك المنظمات خلال الأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية خلال العامين الماضيين، حيث عانت تلك المنظمات من محاولة دائمة مستمرة من قبل الطرفين المتصارعين من أجل جرها نحوها.
أخطر ما في هذا الأمر هو نجاح أحد طرفي الصراع في هذه المهمة فينعم بالنجاح الآني السريع، لكنه لا يدرك، بوعي أو دون وعي، أن انتصاره على غريمه لم يكن ليتحقق لو لم تكن منظمة المجتمع المدني المعنية أول ضحاياه وأسوأهم إصابة. أخطر ما في الأمر هنا انحراف المنظمة عن طريقها الطبيعي فتخسر أثناء ذلك الانحراف كل أعضائها النشيطين الذي فقدوا الثقة فيها، فتركوها، إن لم تضطر هي إلى التخلص منهم، بعد أن فقدت الكثير من مواصفاتها التي تحتاج لها. بالقدر ذاته يفرض عليها ذلك وخاصة في هيئاتها القيادية، أن تفقد أو أن تستغني عن مساهمات عناصرها القيادية ذات الخبرة الغنية والمؤهلات العالية في العمل المجتمعي، والتي يصعب تعويضها.
هذه الحالة السلبية غير الصحية التي تعاني منها منظمات المجتمع المدني العربية ليس مستعصية ويصعب علاجها والخروج من عنق زجاجتها متى ما توفرت الشروط الأساسية التالية:
1. قبول القوى السياسية المتصارعة بخطأ التسييس غير المحدود لمنظمات المجتمع المدني بغض النظر عن أية مكاسب آنية في الزمان، وضيقة في الأفق التي يمكن أن يحققها أي من تلك القوى. وما لم يتوفر ذلك القبول تفقد مشروعات تفعيل دور تلك المنظمات مبرراتها ومن ثم جدواها. هذا القبول ينبغي له أن يتحول إلى ممارسات عملية راسخة الجذور تسندها رؤية استراتيجية تنظر للمستقبل البعيد لا تحصر نفسها في نطاق آني ضيق.
2. قناعة القوى السياسية كافة من قوى حاكمة وتلك المعارضة لها على حد سواء بخطأ توجهاتها التي أشرنا لها أعلاه نحو منظمات المجتمع المدني العربية، بغض النظر عن المكاسب الآنية التي يمكن حصدها من أي منهما. هذه القناعة لا بد لها كي تكون مجدية وبالفعالية المطلوبة أن تتجاوز حدود القبول النظري، إلى دائرة الممارسة العملية الصادقة، المستندة إلى خلفية نظرية راسخة غير قابلة للمجادلة أو المساومة، بعض النظر عن الظروف المحيطة بها. هذا يقتضي توفر نوع من عهد شرف ضمني بين طرفي الصراع، يحترمه كلاهما، والمؤسسات الأخرى المنبثقة عن أي منهما.
3. إبعاد منظمات المجتمع المدني عن الصراعات المباشرة بالدرجة الكافية التي لا تحرمها من دورها السياسي المبدع، ولا تزجها في معارك سياسية مباشرة لا تندرج تحت قائمة المهام المناط بتلك المنظمات القيام بها. هنا تبرز ضرورة تطبيق مقاييس المعادلة الراقية التي توازن بين الأهداف المجتمعية الكبرى، والمهمات السياسية المحدودة التي تخدم تلك الأهداف دون أن تتجاوزها، أو أن تقود منظمات المجتمع المدني نحو مستنقع العمل السياسي المباشر الذي يحرفها عن الطريق السليمة التي يفترض فيها أن تسلكها، برغبة صادقة منها، وبمحض إرادتها. تأسيساً على ذلك، من المنطقي أن منظمات المجتمع المدني وحدها القادرة، متى ما أحسنا التعامل معها، على انتشالنا من الاستمرار في السير على طريق نهاياته غير معروفه، وربما تكون محفوفة بالمخاطر غير الواضحة للعيان.