اليوم لا يستطيع أي متتبع للشأن المحلي أن يتجاوز موضوع إقحام الدين والتكليف الإلهي، الذي يزعمه رجال الدين، في السياسة وفي تحريض البسطاء والشباب ليكونوا وقوداً للأحداث الجارية، والتي يستفيد منها في النهاية رجال الدين أنفسهم، خصوصاً إن كان رجل الدين هو نفسه الولي الفقيه.
الموضوع خطير جداً؛ فقد أقدم عيسى قاسم على ذات الفعل الذي قام به قبل ذلك الخميني حين وزع صكوك الجنة على الناس في إيران، وقام قاسم بإعطاء من توفي في حادث السيارة صكاً بالشهادة، وقال فيه: (هنيئاً لك يا شهيدنا الغالي، وإلى جنة الله ورضوانه)، كان هذا الصك بتوقيع يدوي من قاسم.
والخطورة هنا في أن يتم إيهام الشباب بأن أية وفاة (حادث سيارة أو غيره) فإن قاسم يستطيع أن يعطيهم صكاً بتوقيعه أنه شهيد وأنه بالجنة.
وهذا فيه منازعة لأمر لا يمتلكه إلا الله سبحانه وتعالى، فلا تستطيع أن تقول إن فلاناً شهيد، بل القول نحسبه شهيداً بإذن الله، أو تقبله الله من الشهداء، هذا لشهداء المعارك.
لكن ما يفعله الولي الفقيه بأن يطلق اسم شهيد وأنه في الجنة إنما هو منازعة للحق الإلهي للواحد الأحد الذي هو أعلم بالشهداء، وهو من يُدخل من يشاء في رحمته، وليس المخلوق الذي لا يعلم عن نفسه أصلاً هل هو في الجنة أم في النار.
قاسم أعطى صكاً لقتيل السيارة بأنه شهيد وبالجنة، لكن هل يعلم قاسم عن نفسه إن كان هو في الجنة أم في النار؟
لمن يملك العقل والتفكير بتجرد من التبعية العمياء، هل له أن يحكم على ما يحدث من توزيع لصكوك الشهادة والجنة، أليس هذا فيه هلاك للشباب وتقديمهم وقوداً لأزمة ولمشروع انقلاب فاشل؟
كل ما حدث منذ محاولة الانقلاب الفاشلة ألا يحتاج إلى مراجعة من لدن أصحاب العقول؟
ما فعلت بكم حركات الانقلاب الوفاق والآخرون من الإرهابيين؟
إلى ماذا وصلتم الآن؟
كم هي الخسارات؟
كم عدد الطلاب الذين خسروا سنواتهم الدراسية لعام أو أكثر بسبب الإضراب وإدخال التعليم في اللعبة السياسية بعد تحريض الوفاق، ومن بعد ما سلمت الدولة راية التعليم ووضعتها في يد الوفاق وقالت لها: (افعلي ما شئت يا وفاق في التعليم نحن في زمن الديمقراطية)..!
تطفو على السطح بين حين وآخر خلافات بين أعضاء الوفاق ذاتهم، فهناك من كان يقول إن الفرصة كانت كبيرة في المبادرة التي طرحت أثناء احتلال الدوار، لكن الوفاق والولي الفقيه ركبا رأس الشيطان، وأخذتهما العزة بالإثم في الدوار ووجود المتجمهرين إلى أن خسروا كل شيء اليوم.
نسمع عقلاء من الشيعة يقولون اليوم، إن ما فعلته الوفاق وغيرها، أعاد الشيعة 50 عاماً للوراء، وأن مجمل خسارات الشيعة في اتباعهم للوفاق لم تتجل كلها بعد، وأن القادم أكثر ظلامية، كلها بسبب تضييع الفرص السانحة للحوار، وبسبب الإرهاب الذي نزع الغطاء الدولي عنهم، وهذا جد مؤثر، فلو كانت الحركة سلمية فعلاً حتى مع طائفيتها لكان ذلك فيه قوة لهم، وإحراج للدولة سيجبرها على التراجع والتنازلات.
حتى سحب الجنسيات ممن منحت الدولة لهم الجنسية كان للوفاق يد فيه، فقد تحجرت عقولهم وتزمتوا بتوجيه من الولي الفقيه وبسبب التوجيه الخارجي حتى أصبحت انتكاسات وخسائر الوفاق كبيرة جداً.
حين تتطلع على الأنشطة المعلنة للوفاق اليوم -بخلاف الأدوار في الخفاء والتحريض والتحركات الأخرى، كان آخرها ما كشفه الشيخ المقابي- فإن أي رجل عاقل سيقول إلى هنا أوصلتنا يا وفاق؟
من بعد إسقاط الدولة ودستور جديد تكتبه الوفاق، أصبحت اليوم تشعل الشموع وتكتفي بالمشاركة في تأبين وزيارات لمناطق معينة.
وإشعال الشموع ليس من الدين الإسلامي، هو من طقوس ديانات أخرى نحترمها، لكن ليس من الدين الإسلامي في شيء.
فإلى أين أوصلت الوفاق أتباعها، كم من فرصة سانحة كانت أمامهم للدخول بقوة في حوار وطني؟
لماذا ذرف الدموع الوزير في حينها إبان مبادرة الحوار أثناء الأزمة على غباء الوفاق في تضييع الفرصة؟
كان هو العراب، يسخط على تضييع الفرصة، الفرصة ذهبت إلى غير رجعة، والوفاق اليوم تشعل شموع التأبين وتقدم الورود وغيرها من الأنشطة.
ضاعت الفرص، وخسر الشباب مستقبلهم بسبب تحريضهم على العنف وجعلهم وقوداً للانقلاب، وآخرون خسروا سنوات دراسية وآخرون خسروا فرص عمل، كل ذلك بسبب مراهقة الوفاق السياسية، وبسبب إنها لم تقبل بكعكة كبيرة، لأنها تريد كعكة أكبر بكثير، فأضاعت الاثنتين.
كانت الوفاق تظن أنها تمتلك الضربة القوية، لكن هذه الضربة ارتدت عليها، وحتى الآن لم تنته الهزات الارتدادية)..!!