في ضوء كل ما تقدم؛ نعود لنقطة البداية كي نفسر سبب امتداد فترة الصراع فوق الساحة السورية وعدم وصول الأمور فيها إلى نقطة الحسم النهائي. فمحصلة كل ما أشرنا إليه من اهتمام روسي لتنمية قطاع الطاقة في البلاد مصحوباً بانتعاش اقتصادي، يرتكز كلاهما على احتمال استكشاف مناطق نفط وغاز واعدة في منطقة كراسنويارسك، حيث من المتوقع أن تتحمل الشركات العاملة هناك كلفة إجراء المزيد من الاستكشافات والحفر. يتكامل ذلك مع انتعاش ونمو مستمرين في المستقبل المنظور كحد أدنى. في الاقتصاد الصيني يعتمد على غزو الأسواق الخارجية وتنمية تلك الداخلية استعداداً لمواجهة أية أزمة مفاجئة في الأولى. يتحول كل ذلك إلى قوة مالية نفطية مؤثرة في موازين القوى عندما تلتقي مصالح البلدين وأهدافهما في منطقة سياسية معينة، وهو ما يجري اليوم في سوريا، ويعبر عنه موقفهما المشترك من سير الأحداث فيها وتمسكهما باستمرار بشار الأسد في السلطة. والأمر في سوريا لا يقف عند حدود التضامن السياسي (الصيني - الروسي) المجرد مع نظام الحكم القائم في دمشق اليوم، حيث يطل بوجهه وبشكل سافر حجم التبادل التجاري بين دمشق والعاصمتين، كل منهما على حدة من جانب، وتفرض قاعدة طرطوس العسكرية الروسية أوراقها على طاولة أية مناقشات بين روسيا والولايات المتحدة من جهة ثانية.
ففي سبتمبر 2012 أعلنت روسيا عن عزمها على “توسيع القاعدة العسكرية في طرطوس لتصبح قادرة على استيعاب 10 سفن حربية روسية تتناوب على الرسو داخل مرفأ طرطوس، وإذا حصل هذا الأمر فإن القاعدة العسكرية ستكون أكبر قاعدة بحرية عسكرية في البحر الأبيض المتوسط”. ووفقاً لتقدير المسؤولون الروس فإنهم يرون في “القاعدة البحرية في سوريا الحل البديل لقاعدة سباستوبول الأوكرانية والمستأجرة حتى العام 2017 والتي ستضطر روسيا لمغادرتها باكراً”.
أما على المستوى الصيني؛ فلا يألوا المسؤولون الصينيون، كما ورد على لسان المتحدثة باسم الخارجية الصينية تشانغ تشى يويه جهداً من أجل التأكيد على “أن الصين وسوريا تتمتعان بعلاقات تعاون ودي طويلة، وأنه منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، تعاونت الدولتان في مختلف المجالات. وشهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية تطوراً سريعاً في السنوات الأخيرة”. وقدر “حجم التبادل التجاري بين الصين وسورية بحوالي 520 مليون دولار أمريكي في العام 2003”.
إذاً تتداخل المصالح الروسية الصينية وفي القلب منها النفط والغاز كما أشرنا فوق الساحة السورية، وينعكس ذلك برقم كبير مشترك بينهما في معادلة الصراع القائم في سوريا اليوم الأمر الذي لا يزيد هذا الصراع تعقيدا فحسب بل يجعل من الحضور الدولي عاملاً مهماً ومؤثرا في أي مشروع حل قابل للتنفيذ، يطرح على طاولة المفاوضات، ليس بين الأطراف المحلية فحسب وإنما الدولية أيضاً. وهو ما يمس مصالح دول إقليمية نفطية باتت ضالعة بشكل مباشر في الصراع من أمثال السعودية وقطر وإيران، التي أصبح كل منها يدافع عن مصالحه النفطية الذاتية التي يهددها الحضور الروسي - الصيني، الأولى كمزود بالنفط والثانية كمشتر له في حال عدم التوصل إلى اتفاق مشترك واضح بشأنه.
تأسيساً على ذلك، وبينما يبدو المشهد على المسرح الخارجي أنه صراع محلي بين جميع الأطراف من أجل ترتيب الأوضاع السياسية على الساحة السورية، تجري بشكل مواز في كواليس ذلك المسرح محادثات ساخنة من أجل التوصل إلى اتفاقيات محددة تعيد هيكلة سوق النفط العالمية، بما يؤمن تدفقه بالكميات المطلوبة وبالأسعار المناسبة التي لا ترهق العواصم الغربية، وفي المقدمة منها واشنطن التي ما تزال تنوء بأحمال الأزمة العالمية وفواتير الطاقة المستوردة. من هنا يبدو واضحاً أن ما يحاول الثنائي موسكو - الصين الوصول له هو حضور معترف به عالمياً في الأسواق النفطية في جبهة الباعة بالنسبة لموسكو، وبين صفوف الشراة بالنسبة لبكين يرافقه وجود سياسي متفق عليه لكلتا العاصمتين، في دولة قريبة من أهم منطقة لتصدير النفط مثل سوريا.
هذا يعني أن أمام الصراع في سوريا طريقاً طويلة على جميع الأطراف الضالعة فيه أن تهيء نفسها للسير فيها، بما يعنيه ذلك من تأمين العناصر التي تحتاجها كي تتمكن من مواصلة الرحلة الشاقة والمرهقة في آن عبر تلك الطريق.
في ضوء كل ذلك، وبالنسبة لبشار الأسد إن هو أراد الاستمرار في الحكم فهو مطالب أن يمسك العصا من وسطها، فمن جانب يضمن للروس وجودهم العسكري ويؤمن لهم استمرار تحالفاتهم السياسية معه كي يستخدموا كل ذلك كإحدى الأوراق التي تعزز موقعهم التفاوضية على الجبهة النفطية العالمية. وبالمقابل يقدم الضمانات التي تؤكد أن استمرار الوجود الروسي في سوريا لن يكون مؤذياً لأي من اللاعبين الأساسيين الآخرين في السوق النفطية، سواء المصدرين من أمثال إيران والسعودية وقطر، أو المستوردين وفي المقدمة منهم الولايات المتحدة. أما بالنسبة للمعارضة فهي الأخرى مطالبة وفي هذه المرحلة المبكرة من اقترابها من كراسي الحكم أن تلتزم بأن توفر الضمانات الموثقة التي تبعث الطمأنينة في قلوب أولئك اللاعبين، فيما لو سمح لها بإسقاط نظلم بشار وتقلد نظام الحكم.
هذا لا يلغي دور العامل المحلي والعناصر المرافقة له أو المنبثقة عنه، بقدر ما يكشف عن بعد جديد يفسر استمرار الأزمة السورية ووصولها إلى طريق مسدود، بخلاف ما شاهدناه في ساحات عربية أخرى، بما فيها تلك النفطية من أمثال ليبيا والتي حسم الصراع فيها في فترة قياسية نسبيا، عندما تقاس بزمن الحسم الذي يبدو أنه ما يزال طويلاً بالنسبة للصراع السوري. هنا تجد القوى السورية المحلية المطالبة بإسقاط النظام نفسها تقاتل على جبهة أخرى غير محلية، هي الجبهة النفطية العالمية والتي تلقي بظلالها الكثيفة على الأزمة وتضاعف من تعقيداتها، وتتطلب من القوى المعارضة مهارات نضالية من طراز مختلف قادرة على نسج تحالفات سياسات دولية من طراز جديد.
كل ذلك يقودنا نحو استنتاج واحد هو أن للنفط الآسيوي الذي تمتلك حصة كبيرة منه روسيا، وتؤثر في حركته عاصمة أخرى هي بكين، أصبح أحد العوامل المهمة في معادلة الصراع القائم فوق الساحة السورية اليوم، ومن ثم فليس من المتوقع أن تهدأ الجبهة السورية ما لم يتوصل الفرقاء النفطيون إلى حل متفق عليه يضمن للسوق النفطية استقرارها ويؤمن لها طريقها. والطرف المحلي الطامح لحسم الصراع لصالحه مطالب أكثر من أي وقت مضى بقراءة صحيحة لتلك السوق.
نشير إلى ذلك دون إهمال أهمية لاعبين آخرين في الصراع، لا ينبغي التقليل من أدوارهم من أمثال إسرائيل وتركيا، لكن ثقلهم فوق الساحة النفطية يبقى محدوداً مقارنة بذلك الذي تتمتع به دول النفط الآسيوي.
ففي سبتمبر 2012 أعلنت روسيا عن عزمها على “توسيع القاعدة العسكرية في طرطوس لتصبح قادرة على استيعاب 10 سفن حربية روسية تتناوب على الرسو داخل مرفأ طرطوس، وإذا حصل هذا الأمر فإن القاعدة العسكرية ستكون أكبر قاعدة بحرية عسكرية في البحر الأبيض المتوسط”. ووفقاً لتقدير المسؤولون الروس فإنهم يرون في “القاعدة البحرية في سوريا الحل البديل لقاعدة سباستوبول الأوكرانية والمستأجرة حتى العام 2017 والتي ستضطر روسيا لمغادرتها باكراً”.
أما على المستوى الصيني؛ فلا يألوا المسؤولون الصينيون، كما ورد على لسان المتحدثة باسم الخارجية الصينية تشانغ تشى يويه جهداً من أجل التأكيد على “أن الصين وسوريا تتمتعان بعلاقات تعاون ودي طويلة، وأنه منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، تعاونت الدولتان في مختلف المجالات. وشهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية تطوراً سريعاً في السنوات الأخيرة”. وقدر “حجم التبادل التجاري بين الصين وسورية بحوالي 520 مليون دولار أمريكي في العام 2003”.
إذاً تتداخل المصالح الروسية الصينية وفي القلب منها النفط والغاز كما أشرنا فوق الساحة السورية، وينعكس ذلك برقم كبير مشترك بينهما في معادلة الصراع القائم في سوريا اليوم الأمر الذي لا يزيد هذا الصراع تعقيدا فحسب بل يجعل من الحضور الدولي عاملاً مهماً ومؤثرا في أي مشروع حل قابل للتنفيذ، يطرح على طاولة المفاوضات، ليس بين الأطراف المحلية فحسب وإنما الدولية أيضاً. وهو ما يمس مصالح دول إقليمية نفطية باتت ضالعة بشكل مباشر في الصراع من أمثال السعودية وقطر وإيران، التي أصبح كل منها يدافع عن مصالحه النفطية الذاتية التي يهددها الحضور الروسي - الصيني، الأولى كمزود بالنفط والثانية كمشتر له في حال عدم التوصل إلى اتفاق مشترك واضح بشأنه.
تأسيساً على ذلك، وبينما يبدو المشهد على المسرح الخارجي أنه صراع محلي بين جميع الأطراف من أجل ترتيب الأوضاع السياسية على الساحة السورية، تجري بشكل مواز في كواليس ذلك المسرح محادثات ساخنة من أجل التوصل إلى اتفاقيات محددة تعيد هيكلة سوق النفط العالمية، بما يؤمن تدفقه بالكميات المطلوبة وبالأسعار المناسبة التي لا ترهق العواصم الغربية، وفي المقدمة منها واشنطن التي ما تزال تنوء بأحمال الأزمة العالمية وفواتير الطاقة المستوردة. من هنا يبدو واضحاً أن ما يحاول الثنائي موسكو - الصين الوصول له هو حضور معترف به عالمياً في الأسواق النفطية في جبهة الباعة بالنسبة لموسكو، وبين صفوف الشراة بالنسبة لبكين يرافقه وجود سياسي متفق عليه لكلتا العاصمتين، في دولة قريبة من أهم منطقة لتصدير النفط مثل سوريا.
هذا يعني أن أمام الصراع في سوريا طريقاً طويلة على جميع الأطراف الضالعة فيه أن تهيء نفسها للسير فيها، بما يعنيه ذلك من تأمين العناصر التي تحتاجها كي تتمكن من مواصلة الرحلة الشاقة والمرهقة في آن عبر تلك الطريق.
في ضوء كل ذلك، وبالنسبة لبشار الأسد إن هو أراد الاستمرار في الحكم فهو مطالب أن يمسك العصا من وسطها، فمن جانب يضمن للروس وجودهم العسكري ويؤمن لهم استمرار تحالفاتهم السياسية معه كي يستخدموا كل ذلك كإحدى الأوراق التي تعزز موقعهم التفاوضية على الجبهة النفطية العالمية. وبالمقابل يقدم الضمانات التي تؤكد أن استمرار الوجود الروسي في سوريا لن يكون مؤذياً لأي من اللاعبين الأساسيين الآخرين في السوق النفطية، سواء المصدرين من أمثال إيران والسعودية وقطر، أو المستوردين وفي المقدمة منهم الولايات المتحدة. أما بالنسبة للمعارضة فهي الأخرى مطالبة وفي هذه المرحلة المبكرة من اقترابها من كراسي الحكم أن تلتزم بأن توفر الضمانات الموثقة التي تبعث الطمأنينة في قلوب أولئك اللاعبين، فيما لو سمح لها بإسقاط نظلم بشار وتقلد نظام الحكم.
هذا لا يلغي دور العامل المحلي والعناصر المرافقة له أو المنبثقة عنه، بقدر ما يكشف عن بعد جديد يفسر استمرار الأزمة السورية ووصولها إلى طريق مسدود، بخلاف ما شاهدناه في ساحات عربية أخرى، بما فيها تلك النفطية من أمثال ليبيا والتي حسم الصراع فيها في فترة قياسية نسبيا، عندما تقاس بزمن الحسم الذي يبدو أنه ما يزال طويلاً بالنسبة للصراع السوري. هنا تجد القوى السورية المحلية المطالبة بإسقاط النظام نفسها تقاتل على جبهة أخرى غير محلية، هي الجبهة النفطية العالمية والتي تلقي بظلالها الكثيفة على الأزمة وتضاعف من تعقيداتها، وتتطلب من القوى المعارضة مهارات نضالية من طراز مختلف قادرة على نسج تحالفات سياسات دولية من طراز جديد.
كل ذلك يقودنا نحو استنتاج واحد هو أن للنفط الآسيوي الذي تمتلك حصة كبيرة منه روسيا، وتؤثر في حركته عاصمة أخرى هي بكين، أصبح أحد العوامل المهمة في معادلة الصراع القائم فوق الساحة السورية اليوم، ومن ثم فليس من المتوقع أن تهدأ الجبهة السورية ما لم يتوصل الفرقاء النفطيون إلى حل متفق عليه يضمن للسوق النفطية استقرارها ويؤمن لها طريقها. والطرف المحلي الطامح لحسم الصراع لصالحه مطالب أكثر من أي وقت مضى بقراءة صحيحة لتلك السوق.
نشير إلى ذلك دون إهمال أهمية لاعبين آخرين في الصراع، لا ينبغي التقليل من أدوارهم من أمثال إسرائيل وتركيا، لكن ثقلهم فوق الساحة النفطية يبقى محدوداً مقارنة بذلك الذي تتمتع به دول النفط الآسيوي.